بعد اليمن الخطر الحوثي يهدد دول الجوار
لعل ثالثة الأثافي في مصاب الأمة الأليم هو عدم التعلم من دروس الماضي وعبره وعظاته، فلا يبدو أن تعاليم ديننا الحنيف المحذرة من خطر التفرق والتشرذم يجدي مع داء الفرقة المستعصي فيما بيننا، ولا الحكم والأمثال من قبيل قول العرب: "أكلت يوم أكل الثور الأبيض".
القراءة القاصرة للأحداث المتسارعة الماضية والمعاصرة، والنظرة الآنية المرحلية لما يجري في العواصم والدول العربية والإسلامية، في مقابل مخططات وأطماع الغرب والمجوس التوسعية، والتي لم تتوقف يومًا للنيل من هوية المسلمين من أهل السنة على وجه الخصوص، يعتبر الخطر الأكبر المحدق بمستقبل هذه الأمة.
وإذا أضفنا إلى ذلك معالجة حكومات الدول السنية لهذه الأحداث المتسارعة معالجة سياسية آنية، رغم أن الحرب عقائدية أبدية بامتياز، بل وممارسة نوع من تصفية الحسابات مع بعض الخصوم من نفس التوجه السني، بينما الخطر المجوسي والغربي الصليبي يحيط بالأمة إحاطة السوار بالمعصم، يزيد من أزمة الأمة وهول الأخطار التي تنتظرها إن بقيت على هذا النهج الخطير.
ولعل ثالثة الأثافي في مصاب الأمة الأليم هو عدم التعلم من دروس الماضي وعبره وعظاته، فلا يبدو أن تعاليم ديننا الحنيف المحذرة من خطر التفرق والتشرذم يجدي مع داء الفرقة المستعصي فيما بيننا، ولا الحكم والأمثال من قبيل قول العرب: "أكلت يوم أكل الثور الأبيض"، تنفع مع حالة عدم إدراك الخطر المحدق بجميع الأمة دون تمييز بين واحد منها، وأنه لا بد في حين وجود خطر يهدد الأمة في عقيدتها وهويتها، أن تتناسى الأمة خلافاتها الفرعية، وأن تجتمع لمواجهة الخطر الداهم المحدق بها، أسوة بما يفعله أعداؤها في سبيل مهاجمتها.
لقد كان من أكبر أخطاء الدول العربية في العصر الحديث أنها لم تأخذ العبرة والموعظة من نتائج وآثار التوقيع على صك إنهاء الحكم السني -مع ما فيه من أخطاء وعلات- في العراق، دون ملأ الفراغ بالبديل المناسب، والذي جر على الأمة ويلات التسلط الرافضي الصليبي على عاصمة الخلافة الإسلامية، فإذا بها تتحول من عاصمة العروبة والإسلام إلى منطلق الرافضة لغيرها من العواصم والبلدان.
وها هي نفس الأخطاء تتكرر بشكل أو بآخر، لنرى أكبر وأضخم عواصم الإسلام تخر وتسقط بيد الرافضة بمباركة غربية صليبية، فبعد بغداد كانت دمشق ثم الآن صنعاء، التي سقطت بشكل مريب بيد الرافضة خلال أيام، مع أن ما فيها من الرجال والعتاد والسلاح يجعلها تقاوم وتردع جيشًا موازيًا فضلاً عن جماعة شيعية تعد بالآلاف.
وإذا كان تعاون بعض قيادات الجيش اليمني والأجهزة الأمنية هي التي سهلت عملية سيطرة الحوثيين بشكل كامل على العاصمة اليمنية صنعاء، باعتراف رئيس جماعة الحوثي (عبد الملك) اليوم، فإن ذلك لم يكن ليحصل لولا توافق دول إقليمية ودولية على هذا الانقلاب، والذي يخشى أن يكون تكرارًا لسيناريو ما يحدث في دول ما سمي: "بالربيع العربي"، والذي لم ولن يكون في مصلحة دول أهل السنة أبدًا.
وعلى الرغم من هول وخطر ما حصل في صنعاء، فإن سكوت وعدم تحرك الدول العربية السنية المجاورة لليمن يثير الكثير من الاستغراب وعلامات التعجب، فهل يعقل أنها لا تستشعر الخطر الرافضي المحدق بها، وهل يعقل أنها في غفلة عن الخطر الفارسي الذي بات يحاصرها من جميع الجهات بعد سقوط صنعاء؟!
لقد قالها مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني (علي رضا زاكاني) المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي صريحة واضحة: إن: "ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران، وتابعة للثورة الإيرانية الإسلامية"، مشيرا إلى أن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التي في طريقها للالتحاق بالثورة الإيرانية.
ولم يعتبر (زاكاني) أن ما سماها (الثورة اليمنية) ستتوقف عند العاصمة صنعاء أو اليمن فحسب، بل ستمتد وتصل إلى داخل السعودية قائلاً: "بالتأكيد فإن الثورة اليمنية لن تقتصر على اليمن وحدها، وسوف تمتد بعد نجاحها إلى داخل الأراضي السعودية، وإن الحدود اليمنية السعودية الواسعة سوف تساعد في تسريع وصولها إلى العمق السعودي"، على حد زعمه.
وعلى الرغم من هذه التصريحات الطائفية الصريحة، والتي لا تتورع عن إعلان مكة والمدينة أهدافا توسعية فارسية، وعلى الرغم من يقين جميع الدول السنية أن طهران لم ولن تلتزم يومًا بأي اتفاق يخالف أهدافها التوسعية، وأن كل ما يجري مع طهران من مفاوضات أو تفاهمات ليس أكثر من هدر للوقت، إلا أن هذه الدول لم تتخذ ما ينبغي من إجراءات لتفادي سقوط وانهيار صنعاء آخر حصون أمنها القومي.
لم يكن هذا رأي بعض المحللين السياسيين فحسب، بل هو رأي كثير من علماء الأمة بشكل عام، فقد تعجب فضيلة الشيخ ناصر بن سليمان العمر من موقف دول الخليج مما يجري في اليمن، وذلك مع سيطرة الحوثيين على البلاد، محذراً من أطماع إيران في المنطقة والتي تمتد إلى مكة المكرمة بحسب ما أعلنوا ذلك صراحة.
كما طالب عدد من الدعاة والمشايخ السعوديين الدول الخليجية بالوقوف إلى جانب دولة اليمن في أزمتها الحالية بين الحكومة والحوثيين، مستغربين صمت هذه الدول تجاه الأزمة، وقد تساءل عدد من هؤلاء العلماء عن سيف الإرهاب والتنديد به أمام ما ترتكبه جماعة الحوثي بالعاصمة صنعاء.
- التصنيف:
- المصدر: