آذن الرحيل

منذ 2014-10-20

قد تأخذنا الدنيا بعيدًا، لكن وبكل نَفَس نتنفسه هو إليه.. وقد تنسينا الحياة أنّا إليه نصير، وهو في كل يوم قريب..

قد تأخذنا الدنيا بعيدًا، لكن وبكل نَفَس نتنفسه هو إليه.. وقد تنسينا الحياة أنّا إليه نصير، وهو في كل يوم قريب.. يُرعبك اسمه، يُخيفك ذكره، لكن هو لا بد منه.. هو أجلٌ محتوم، ونهاية آتية.. لا مفر.. لا مناص.. فكلنا إليه ندنو ونقرّب.

مهما أمّلنا أنّا سنبقى، فلا بد يوما يكون الرّحيل.. {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْموْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُون} [العنكبوت:57].

فلماذا يا نفس تركنين إلى البقاء.. ولا بقاء؟

يغُرُّك طول الأمل وهو مانع خير العمل.. سبحان الله!! وهل الدنيا موطن ومستقر؟! "إنما الدنيا خمر الشيطان، من سكر منها لم يُفق إلا في عسكر الموتى، نادمًا مع الخاسرين" (1).

أفتراك يا نفس تتعظي!! «كُنْ فْي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَريب، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» (2)، وصية جليلة من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالحال في الدنيا إذن على أحد الحالين لا ثالث لهما، وفي كلا الحالين يكون الهم التّزوّد بما ينفع، لا التعلق ببلد الغربة ومحل السفر!!

ولكم يعجبني حال امرأة متعبدة بمكة، إذا أمست قالت: يا نفس الليلة ليلتك لا ليلة لك غيرها، فاجتهدت، فإذا أصبحت قالت: يا نفس اليوم يومك، لا يوم لك غيره، فاجتهدت.

وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "إذَا اَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاح، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تنتظِر الَمساء".

لا تفكري في البقاء يا نفس!! ولا تضيعي العمر هباء!! "فإن من كانت الليالي والأيام مطاياه سارت به ولم يسر" (3).

وإنما تزودي، تزودي لدارٍ خير من هذه، هي دار المستقر.. سارعي إلى التوبة الصادقة، بادري بالأعمال الصالحة، صادقي معجزة القرآن الخالدة، فهو بحق الصديق الوفي، الذي لن يتركك إلا وأنت تنعمين في رضا الرحمن، انهلي منه وتعلمي، سيري على النهج المرسوم فيه، واتّبعي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتلذذي بذكر ربك، وادعي بالدعاء الحسن، «وصَلِّ صَلاَةَ مُودِّع» (4).

مَضَى أَمْسُكَ الْمَاضِي شَهِيدًا مُعَدَّلاً *** وَأَعْقَبَهُ يَوْمٌ عَلَيْكَ جَدِيدُ

فَإِنْ كُنْتَ بِالْأَمْسِ اقْتَرَفْتَ إِسَاءَةً *** فَثَنِّ بِإِحْسَانٍ وَأَنتَ حَمِيدُ

فَيَوْمُكَ إِنْ أَغْنَيْتَهُ عَادَ نَفْعُهُ *** عَلَيْكَ وَمَاضِي الْأَمْسِ لَيْسَ يَعُودُ

وَلاَ تُرْجِ فِعْلَ الْخَيْرِ يَوْمًا إِلَى غَدٍ *** لَعَلَّ غَدًا يَأْتِي وَأَنْتَ فَقِيدُ (5)

-----------------------------------

(1) يحيى بن معاذ.

(2) الأربعين النووية.

(3) قولة لأحد السلف.

(4) صحيح الجامع.

(5) الشاعر محمود الوراق.

 

الكاتبة: أمة من إماء الله (أخوات طريق الإسلام)

  • 3
  • 0
  • 11,909

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً