زاد المعاد - هدي الحبيب في سفره وعبادته فيه (3)
هديه صلى الله عليه وسلم حين سفره وكيفية صلاته أثناء السفر.
وعبد الله بن الزبير الحُميدي في (مسنده) أيضًا، وقد أعله البيهقي بانقطاعه، وتضعيفه عكرمة بن إبراهيم. قال أبو البركات ابن تيمية: ويمكن المطالبة بسبب الضعف، فإن البخاري ذكره في (تاريخه) ولم يطعن فيه، وعادتُه ذكر الجرح والمجروحين، وقد نص أحمد وابن عباس قبله أن المسافر إذا تزوج، لزمه الإِتمام، وهذا قول أبي حنيفة، ومالك، وأصحابهما، وهذا أحسن ما اعتُذِر به عن عثمان.
وقد اعتُذِرَ عن عائشة أنها كانت أمَّ المؤمنين، فحيث نزلت كان وطنها، وهو أيضًا اعتذار ضعيف، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو المؤمنين أيضًا، وأمومة أزواجه فرع عن أبوته، ولم يكن يُتم لهذا السبب. وقد روى هشام بن عُروة، عن أبيه، أنها كانت تُصلي في السفر أربعًا، فقلت لها: لو صليتِ ركعتين، فقالت: يا ابن أختي! إنه لا يشق عليَّ.
قال الشافعي رحمه الله: لو كان فرضُ المسافر ركعتين، لما أتمها عثمان، ولا عائشة، ولا ابنُ مسعود، ولم يَجُزْ أن يُتمها مسافر مع مقيم، وقد قالت عائشة: كلُّ ذلك قد فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أتم وقصر، ثم روى عن إبراهيم بن محمد، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة قالت: كُلّ ذلك فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قصر الصلاة في السفر وأتم.
قال البيهقى: وكذلك رواه المغيرة بن زياد، عن عطاء، وأصح إسناد فيه ما أخبرنا أبو بكر الحارثي، عن الدارقطني، عن المحاملي، حدثنا سعيد بن محمد بن ثواب، حدثنا أبو عاصم، حدثنا عمر بن سعيد، عن عطاء، عن عائشة، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان يقصرُ في الصلاةِ ويتم، ويُفطر، ويصوم.
قال الدارقطني: وهذا إسناد صحيح ثم ساق من طريق أبي بكر النيسابوري، عن عباس الدوري، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا العلاء بن زهير، حدثني عبد الرحمن بن الأسود، عن عائشة، أنها اعتمرت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة إلى مكة، حتى إذا قَدِمت مكة، قالت: يا رسول الله بأبي أنتَ وأمي، قصرتَ وأتممت، وصمتَ وأفطرتُ. قال: «
».
وسمعتُ شيخ الإِسلام ابن تيمية يقول: هذا الحديث كذبٌ على عائشة، ولم تكن عائشة لتُصلي بخلاف صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسائر الصحابة، وهي تشاهدهم يقصُرون، ثم تتم هي وحدها بلا موجب. كيف وهي القائلة: فُرِضتِ الصلاةُ ركعتين ركعتين، فَزِيد في صلاة الحضر، وأُقِرَّت صلاةُ السفر. فكيف يُظن أنها تزيد على ما فرض الله، وتُخالف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه.
قال الزهري لعروة لما حدثه عنها بذلك: فما شأنها كانت تُتم الصلاة؟ فقال: تأولت كما أول عثمان فإذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد حسَّن فِعلها وأقرَّها عليه، فما للتأويل حينئذ وجه، ولا يصح أن يُضاف إتمامُها إلى التأويل على هذا التقدير، وقد أخبر ابن عمر، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لم يكن يَزيدُ في السفر على ركعتين، ولا أبو بكر، ولا عمر. أفيُظَنُّ بعائشة أم المؤمنين مخالفتهم، وهي تراهم يقصُرون؟ وأما بعد موته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنها أتمت كما أتم عثمان، وكلاهما تأول تأويلًا، والحجة في روايتهم لا في تأويل الواحد منهم مع مخالفة غيره له والله أعلم.
وقد قال أميةُ بن خالد لعبد الله بن عمر: إنا نجد صلاة الحضر، وصلاة الخوف في القرآن، ولا نجد صلاة السفر في القرآن؟ فقال له ابنُ عمر: يا أخي إن الله بعث محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا نعلم شيئًا، فإنما نفعل كما رأينا محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل.وقد قال أنس: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مكة، فكان يُصلي ركعتينِ ركعتينِ، حتى رجعنا إلى المدينة.
وقال ابن عمر: صحبتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبا بكر وعمر، وعثمان رضي الله عنهم، وهذه كلّها أحاديثُ صحيحة.
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف:
- المصدر: