زاد المعاد - خصائص يوم الجمعة (3)

منذ 2015-05-04

قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ، رَأَى المُؤْمِنُونَ رَبَّهم، فأَحْدَثُهُم عَهْدًا بِالنَّظَرِ إلَيهِ مَنْ بَكَّرَ في كُلِّ جُمعَةِ، وَتَرَاهُ المُؤْمنَاتُ يَوْمَ الفطر وَيَوْمَ النَّحْرِ».

الخامسة والعشرون: أن للصدقة فيه مزيةً عليها في سائر الأيام، والصدقةُ فيه بالنسبة إلى سائر أيام الأسبوع، كالصدقةِ في شهر رمضان بالنسبة إلى سائر الشهور. وشاهدتُ شيخَ الإِسلام ابن تيمية قدس الله روحه، إذا خرج إلى الجمعة يأخذُ ما وجد في البيت من خبز أو غيره، فيتصدق به في طريقه سرًا، وسمعته يقول: إذا كان الله قد أمرنا بالصدقة بين يدي مناجاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالصدقة بين يدي مناجاته تعالى أفضلُ وأولى بالفضيلة.

وقال أحمد بن زهير بن حرب: حدثنا أبي، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: اجتمع أبو هريرة، وكعب، فقال أبو هريرة: إن في الجمعة لساعةً لا يُوافِقها رجلٌ مسلم في صلاة يسألُ الله عز وجل شيئاً إلا آتاه إيَّاه، فقال كعب: أنا أحدِّثُكم عن يوم الجمعة، إنه إذا كان يومُ الجمعة فَزِعت له السماواتُ والأرضُ، والبرُّ، والبحرُ، والجبال، والشجرُ، والخلائقُ كلُها، إلا ابنَ آدم والشياطين، وحفَّت الملائكة بأبواب المسجد، فيكتُبون من جاء الأول فالأول حتى يخرج الإِمام، فإذا خرج الإمام، طَوَوا صحُفَهم، فمن جاء بعد، جاء لحق الله، لما كُتب عليه، وحقّ على كُلًّ حالِم أن يغتسِل يومئذ كاغتساله من الجنابة، والصدقةُ فيه أعظمُ من الصدقة في سائر الأَيَّامِ، ولم تطلُعِ الشمس ولم تغرُب على مثل يوم الجمعة. فقال ابن عباس: هذا حديث كعب وأَبي هريرة، وأنا أرى إن كان لأهله طيبٌ يمس منه.

السادسة والعشرون: أنه يوم يتجلَّى الله عزَّ وجلَّ فيه لأوليائه المؤمنين في الجنة، وزيارتهم له، فيكون أقربُهم منهم أقربَهم من الإِمام، وأسبقهم إلى الزيارة أسبقَهم إلى الجمعة. وروى يحيى بن يمان، عن شريك، عن أبي اليقظان، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، في قوله عز وجل: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35] قال: يتجلَّى لهم في كلِّ جمعة.
وذكر الطبراني في (معجمه)، من حديث أبي نعيم المسعودي، عن المِنهال بن عمرو، عن أبي عُبيدة قال: قال عبد الله: سارعوا إلى الجمُعةِ، فإن الله عز وجل يَبْرُز لأهلِ الجنة في كل جُمعَة في كَثِيبٍ مِنْ كافور فيكونون منه في القُرب على قدر تسارعهم إلى الجمعة، فيُحدِثُ اللهُ سُبحانه لهم مِن الكرامة شيئًا لم يكُونوا قد رأوْه قبل ذلك، ثم يَرجعُون إلى أهليهم، فيُحدِّثونهم بما أحدث الله لهم. قال: ثم دخل عبدُ الله المسجَد، فإذا هو برجلين، فقال عبدُ الله: رجلان وأنا الثالث، إن يشأِ اللهُ يُبارك في الثالث.
وذكر البيهقى في (الشُّعَبِ) عن علقمة بن قيس قال: رُحت مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إلى جمعة، فوجد ثلاثة قد سبقوه، فقال: رابع أربعة، وما رابعُ أربعة ببعيد. ثم قال: إني سمعت رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يقول «إنَّ النَّاسَ يَجلِسُونَ يَومَ القِيَامَةِ مِنَ اللهِ عَلَى قَدْرِ رَوَاحِهِمْ إلى الجمُعَةَ، الأول، ثُمَّ الثاني، ثمَّ الثالث، ثُمَّ الرابع». ثم قَالَ: «وَمَا راْبَع أَرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ».

قال الدارقطني في كتاب (الرؤية): حدثنا أحمد بن سلمان بن الحسن، حدثنا محمد بن عثمان بن محمد، حدثنها مروان بن جعفر، حدثنا نافع أبو الحسن مولى بني هاشم، حدثنا عطاء بن أبي ميمونة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ، رَأَى المُؤْمِنُونَ رَبَّهم، فأَحْدَثُهُم عَهْدًا بِالنَّظَرِ إلَيهِ مَنْ بَكَّرَ في كُلِّ جُمعَةِ، وَتَرَاهُ المُؤْمنَاتُ يَوْمَ الفطر وَيَوْمَ النَّحْرِ».

حدثنا محمد بن نوح، حدثنا محمد بن موسى بن سفيان السكري، حدثنا عبد الله بن الجهم الرازي، حدثنا عمرو بن أبي قيس، عن أبي طيبة، عن عاصم، عن عثمان بن عمير أبي اليقظان، عن أنس بن مالك رضي اللهِ عنه، عن رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «أَتَانِي جِبْرِيْلُ وَفِي يَدِهِ كَالمِرْآَةِ البَيْضاءِ فِيهَا كَالنكْتَةِ السوْدَاءِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هذِهِ الجمُعَة يَعْرِضهَا اللَهُ عَلَيْكَ لِتكُونَ لَكَ عِيداً ولِقَوْمِكَ مِنْ بَعْدِكَ، قُلْتُ: وَمَا لَنَا فيها؟ قَالَ: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ، أَنْتَ فِيهَا الأَوَّلُ، واليَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ بَعْدِكَ، وَلَكَ فِيهَا سَاعَةٌ لاَ يَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدٌ فِيهَا شَيْئًا هُوَ لَهُ قَسْمٌ إِلاَّ أَعْطَاهُ، أَوْ لَيْسَ لَهُ قَسْمٌ إِلاَّ أَعطَاهُ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَأَعَاذُه اللهُ مِنْ شَرِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ، وإِلاَّ دَفَعَ عَنْهُ مَا هُوَ أَعظَمُ مِنْ ذلِك. قال: قُلْتُ: وَمَا هذِهِ النّكتَةُ السَّوْدَاءُ؟ قَالَ: هِيَ السَّاعَةُ تَقُومُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَهُوَ عِنْدَنَا سَيِّدُ الأَيَّامِ، وَيَدْعُوهُ أَهْلُ الآخِرَةِ يَوْمَ المَزيدِ. قَالَ: قُلْتُ: يَا جِبرِيلُ ! وَمَا يَوْمُ المَزِيدِ؟ قال: ذلِكَ أَنَّ رَبَّكَ عَزَّ وَجَلَّ اتَّخَذَ في الجَنَّةِ وَادِيًا أَفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، نَزَلَ عَلَى كُرْسِيِّه، ثُمَّ حُفَّ الكُرْسِيُّ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، فَيَجِيءُ النَّبِيُونَ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا، ثُمَّ حُفَّ المَنَابِرُ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ، فَيَجِيءُ الصِّدِّيقونَ والشُهدَاءُ حَتَى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا، وَيَجيءُ أَهْلُ الغُرفِ حَتَّى يَجلِسُوا عَلَى الكُثُبِ، قَالَ: ثمَّ يَتَجَلَّى لَهُمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلًّ، قال: فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَيَقُولُ: أَنَا الَّذِي صدَقْتكُمْ وَعدِي، وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُم نِعْمَتِي، وهَذَا مَحَلّ كَرَامَتِي فَسَلُونِي، فَيَسأَلُونَهُ الرِّضى. قَالَ: رِضَايَ أنزِلَكُمْ دَارِي، وأَنالَكُمْ كَرَامَتِي، فَسَلُوني، فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضى. قَالَ: فَشْهَدُ لَهُمْ بِالرِضى، ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ، حَتَّى تَنْتَهِيَ رَغْبَتُهمْ، ثمَّ يُفْتَحُ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ مَا لاَ عَينّ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. قَالَ: ثمَّ يَرْتَفعُ رَبُّ العِزَّةِ، وَيَرْتَفعُ مَعَهُ النَّبِيُّونَ والشُّهَدَاء، ويَجِيءُ أَهْلُ الغُرَفِ إِلى غُرَفِهِم. قَال: كُلُّ غُرْفَةٍ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ لا وَصْلَ فِيهَا وَلاَ فَصْمَ، يَاقُوتَة حَمْرَاءُ، وغُرْفَةٌ مِنْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْراء، أَبوابها وعَلاَلِيهَا وسقَائِفُهَا وأَغْلافُها مِنها أنهارُها مُطَّرِدَة متدلِّية فِيهَا أَثْمَارُهَا، فِيها أَزْواجُهَا وخَدَمُها. قال: فلَيْسُوا إِلى شَيء أَحوجَ مِنْهُمْ إِلى يَوْمِ الجُمُعَةِ لِيزْدَادُوا منْ كَرَامَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ والنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الكَرِيمِ، فَذلِكَ يَوْمُ المَزِيدِ». ولهذا الحديثِ عدةُ طرق، ذكرها أبو الحسن الدارقطني في كتاب (الرؤية).

السابعة والعشرون: أنه قد فُسِّرَ الشاهد الذي أقسم الله به في كتابه بيوم الجمعة، قال حُميد بن زنجويه: حدثنا عبد الله بن موسى، أنبأنا موسى بن عُبيدة، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اليَوْمُ المَوْعُودُ: يَوْمُ القِيَامَةِ، والْيَوْمُ المَشْهود: هو يَومُ عَرَفَة، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ، وَلاَ غَرَبَتْ عَلَى أَفْضَلَ مِن يَومِ الجُمُعَةِ، فِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنِّ يَدْعُو اللهَ فيهَا بخَير إلاَّ اسْتَجَابَ لَهُ، أَوْ يَسْتَعِيذُهُ منْ شَرٍّ إِلاَّ أعَاذَ مِنْهُ».
ورواه الحارث بن أبي أسامة في (مسنده)، عن روح، عن موسى بن عبيدة.

وفي (معجم الطبراني)، من حديث محمد بن إسماعيل بن عياش، حدثني أبي، حدثني ضَمضم بن زرعة، عن شُريح بن عبيد، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْيَوْمُ المَوْعُودُ: يَوْمُ القِيَامَةِ، والشَّاهِدُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، والمَشهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ الجُمُعَةِ ذَخَرَهُ اللهُ لَنَا، وَصَلاةُ الوُسْطَى صَلاَةُ العَصْرِ» وقد رُوي من حديث جُبير بن مطعم.
قلت: والظاهر والله أعلم: أنه من تفسير أبي هريرة، فقد قال الإِمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة سمعت علي بن زيد ويونس بن عبيد يحدثان عن عمارٍ مولى بني هاشم، عن أبي هريرة، أما علي بن زيد، فرفعه إلى النبي، وأما يونس، فلم يَعْدُ أبا هريرة أنه قال: في هذه الآية: {وشَاهِدٍ وَمَشْهُود} قال: الشاهِد: يوم الجمعة، والمشهود يومُ عرفة، والموعود: يوم القيامة.

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 1
  • 0
  • 3,919
المقال السابق
خصائص يوم الجمعة (2)
المقال التالي
خصائص يوم الجمعة (4)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً