دنيا وآخرة.. الإنسان والحياء

منذ 2003-07-04
الحياء صفة إذا اتصف بها إنسان حمته من شرور كثيرة‏,‏ وباعدت بينه وبين التصرفات المشينة‏,‏ التي لا تليق بشخص لديه كرامة وعزة نفس‏.‏والحياء كما يكون إزاء الناس‏,‏ يكون أيضا إزاء النفس وإزاء الله‏..‏ فاستحياء المرء من الناس يجعله يتجنب كل نقيصة تعيبه في نظرهم‏..‏ واستحياء المرء من نفسه يحجزه عن أن يعمل في السر عملا يستحي منه في العلانية‏..‏
واستحياء المرء من ربه ألا يطلع عليه ربه وهو في معصيته‏..‏

وما تقدم يوصلنا إلي قول الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم الحياء لا يأتي إلا بخير أما من رفع برقع الحياء‏,‏ كما يقولون‏,‏ فهو أهل لكل سلوك خسيس وضيع‏,‏ لأنه عندئذ لايردعه لا الحياء من الناس‏,‏ ولا الحياء من نفسه‏,‏ ولا الحياء من الرب‏..‏
وهناك دعاء سمعته‏,‏ يدعو فيه الناس علي من لا يستحي‏,‏ إذ يدعون أن يفضحه الله علي رءوس الأشهاد‏..‏ هذا الدعاء هو الله يفضح اللي ما يختشي‏,‏ فالذي لا يستحي‏,‏ وباللغة الدارجة يختشي هو إنسان من نوعية رديئة‏..‏ عار عن الخلق الكريم‏..‏ لا يتورع عن ارتكاب الموبقات‏..‏ ولا يؤمن له جانب‏..‏ ولا عهد له ولا ذمة‏..‏
وفي هذا يقول رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولي‏: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت » أي مما أدركه الناس من أقوال الأنبياء السابقين‏,‏ أنه إذا لم يكن لديك حياء‏,‏ فلك أن تفعل ما شئت من التصرفات الوضيعة الدنيئة‏..‏ والتي لا يأتيها إنسان ذو مروءة أو نخوة أو شرف‏..‏ وقد سئل رسول الله ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ‏:‏ هل الحياء من الدين؟ فقال‏:‏ «بل هو الدين كله‏.. »
وهناك صور كثيرة من صور انعدام الحياء بين بعض الناس‏..‏

منهم من لا يستحون ولا يخجلون أن يستولوا علي ميراث أخوتهم الصغار تحت ذرائع مختلفة‏..‏ كلها كاذبة لا حقيقة فيها‏..‏ والحقيقة هي الطمع والجشع الذي يطبع هؤلاء الناس ويدمغهم بالبشاعة والانحطاط‏..‏ ولذلك توعدهم رب العزة في قوله تعالي { إن الذين يأكلون أموال اليتامي ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا‏ } [ النساء‏ : 10 ]
ومن هؤلاء‏,‏ الذي يكذب ويقسم بأغلظ الأيمان أنه صادق فيما يدعيه { ويحلفون على الكذب وهم يعلمون‏ } [ المجادلة : ‏14 ] ..
ومنهم الذين يشهدون زورا وبهتانا‏..‏ لم يروا شيئا قط‏..‏ ويشهدون بالذي يقال لهم إنهم شهدوه‏..‏ هؤلاء عديمو الحياء معدومو الضمير‏..‏ هل لهم قيمة في نظر أنفسهم؟‏!‏ إنهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم من حثالة البشر‏..‏ بل إن وجودهم في حد ذاته وصمة في جبين البشرية‏..‏
الذين يقتلون آباءهم أو أمهاتهم من أجل الاستفراد بمساكنهم أو لكي يحصلوا علي المشغولات الذهبية لأمهاتهم أو مدخرات آبائهم‏..‏ هل هؤلاء يستحقون أن يصنفوا بأنهم آدميون؟‏!‏ إن مستوي سلوكياتهم لاشك أدني من مستوي البهائم‏..‏

والخلاصة أن من لا حياء لديه لا خير فيه ولا نفع له ولا جدوي منه‏..‏ سواء لأهله الأقربين أو للمجتمع ككل‏.‏
وقلة الحياء درجات‏..‏ وبقدر ما يكون الحياء ناقصا يكون التدني في السلوكيات‏..‏ وعلي الطرف الآخر‏,‏ فبقدر ما يكون الحياء مكتملا لدي الإنسان‏,‏ ترتقي سلوكياته وتقترب من الكمال‏..‏والناس إزاء الحياء فرق مختلفة‏:‏

  • وأرفع الناس مستوي‏,‏ من يمنعه الحياء عن الاقتراب من العيب‏..‏ ناهيك عن الولوغ فيه‏..‏ فالحياء يجعله بمأمن من الوقوع في المحظورات‏..‏ فيكون مترفعا عنها‏..‏ وهؤلاء هم خير البرية‏..‏
  • ومن الناس من إذا هم بفعل شيء مستقبح‏,‏ منعه الحياء من إتمامه‏..‏ وهؤلاء يرجي منهم الخير‏.‏

  • ومنهم من لا يمنعه الحياء عن فعل شيء مستهجن‏,‏ وإنما يردعه الخوف‏,‏ فامتناعه ليس بفعل الحياء‏,‏ وإنما بفعل الخوف‏..‏ هذا النوع من الناس يوصف بأنه يخاف ولا يختشيش‏!‏
  • ومنهم من لا يمنعه الحياء ولا يردعه الخوف من العقاب عن فعل شيء كريه‏,‏ فيمضي فيه غير عابئ بشيء حتي يضبط متلبسا‏..‏ وحين يوضع في قفص الاتهام يخجل من نفسه‏,‏ ويحاول أن يخفي وجهه عن عدسات المصورين‏,‏ حتي لا تظهر صورته علي صفحات الصحف وهو في هذا الموقف الذي لا يحسد عليه‏..‏ وعندما يحكم عليه بالسجن يندم علي ما فعل‏,‏ ويظل يجتر في مخيلته ما قدمت يداه وكان سببا فيما حل به‏,‏ يفعل ذلك كل يوم‏,‏ وهذا الندم أشد علي الإنسان من فقد حريته‏.‏
  • ومنهم من لا يمنعه الحياء ولا يردعه الخوف‏,‏ ولا يندم علي ما قدمت يداه ‏(!)‏ وهؤلاء هم شر البرية‏.‏

    وإذا كان الحياء مانعا من ارتكاب الشرور أو النقائص بوجه عام‏,‏ فهو جميل حين يقدم الإنسان علي شيء مباح‏..‏ خاصة حياء المرأة‏..‏ مثل ذلك ما جاء في القرآن الكريم في حياء ابنة الرجل الصالح من أهل مدين‏,‏ التي ذهبت إلي موسي عليه السلام تدعوه للذهاب معها إلي أبيها ـ بناء علي طلبه ـ لكي يجزيه أجر ما سقى لها هي وأختها { فجاءته إحداهما تمشي علي استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا‏ } [ القصص‏ : 25 ].. وحياء رسول الله‏,‏ حين كان أصحابه يستعذبون الحديث معه‏,‏ وينسون الوقت ويطيلون الجلوس‏..‏ والرسول يستحي أن يطلب منهم الانصراف‏,‏ فأنزل الله قرآنا ينهاهم عن ذلك { ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق‏ } [ الأحزاب‏ : 53 ]

    والحياء جميل أيضا حين يتغلب المرء عليه بصعوبة‏(!)‏ لكي يحقق هدفا مشروعا‏..‏ مثل قصة المرأة التي ذهبت إلي النبي تعرض عليه أن يتزوجها‏,‏ فقد روي أنس رضي الله عنه لابنته أنه جاءت امرأة إلي النبي تعرض عليه نفسها إذ قالت له‏:‏ هل لك حاجة في؟ فقالت ابنة أنس‏:‏ ما أقل حياءها‏(!)‏ فقال أبوها‏:‏ هي خير منك‏,‏ عرضت علي النبي نفسها لتكون بذلك من أمهات المؤمنين‏..‏ والرسول لم ينكر عليها سؤالها ذاك‏.‏

    وهناك السؤال عن موقف الدين من أمر معين مما يعتقد البعض أنه خادش للحياء‏..‏ فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت‏:‏ نعم النساء نساء الأنصار‏,‏ لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمر دينهن‏..‏
    فالحياء لا ينبغي أن يكون عائقا عن السؤال في أمر الدين أو عن طلب شيء مباح أو عن قول الحق أو عن فعل الخير في أي اتجاه‏..‏ وفيما عدا ذلك‏,‏ فالحياء يزين المرء ويصونه‏..‏ وقلة الحياء تشينه وتمحقه‏.‏
  • 6
  • 0
  • 30,637
  • مها إبراهيم

      منذ
    [[أعجبني:]] أسلوبها الشيق
  • محمد بصل

      منذ
    [[أعجبني:]] نعم المقال مقال يدعو إلى مكارم الأخلاق فيحث على الحياء في فترة شاعت فيه و سائل الاتصال و الانفتاح على مجتمعات قد تتقاطع رؤيتها للحياء مع رؤية الإيمان الصادق و اليقين الحق في الله الذي بعث نبيه - صلى الله عليه و سلم متمما لمكارم الأخلاق . جزى الله د - فتحي مرعي خيرا .

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً