رسالة إلى أهل البلاء

منذ 2003-07-19

إنّ الله تعالى خلق الدنيا وجعلها دار ممرٍ وليست بدار مقرّ، وحفّها بالمحن والابتلائات وغمرها بالمصائب والفتن..

إنّ الله تعالى خلق الدنيا وجعلها دار ممرٍ وليست بدار مقرّ، وحفّها بالمحن والابتلائات وغمرها بالمصائب والفتن.. لحكمة جليلة ذكرها الله تعالى في قوله : { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور } [ الملك : 2 ]

فالدنيا هي دار التكليف والعمل وليست بدار النعيم والأمل.. ومع ذلك فقد غفل كثير من المسلمين عن تلك الحقيقة !

فإذا أقبلت المصائب والابتلائات (والدنيا لا تخلو منها) ترى الناس يفزعون، بل ويتسخّطون على قدر الله، وذلك لأنهم لم يتحصنوا بالإيمان عامة، وبالإيمان بالقضاء والقدر خاصة الذي هو أصل من أصول الإيمان.

ومن تأمل في أحوال الخلائق علم علم اليقين أنه ما من مخلوق إلا وكان له نصيب من آلام الدنيا وأحزانها... كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه " لكل فرحةٍ ترحة، وما مُلئ بيت فرحاً إلا وملئ ترحاً "

والمؤمن هو الذي يعلم أنه مسافر إلى الله، وأن كل ما هو من حطام الدنيا فسوف يتركه لا محالة.. إما بالفقر أو بالموت، كما قال تعالى: { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خوّالناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعائكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء، لقد تقطّع بينكم وضلّ عنكم ما كنتم تزعمون } [ الأنعام : 94 ]

بل إن المؤمن يعلم أن الدنيا مزرعة للآخرة، وأن ما يزرعه هنا فسوف يحصده هناك.. عندما يصل المؤمن إلى تلك الحقيقة، ويوقن أنه موقوف بين يدي الله - جل وعلا - في يوم مقداره خمسون ألف سنة، فإن الدنيا لو سجدت بين يديه لركضها برجليه طامعاً في ساعة واحدة يناجي فيها ربّه لعل الله يكتب له بها النجاة من تلك النار التي أُوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، وألف عامٍ حتى احمرّت، وألف عامٍ حتى اسودّت، فهي الآن سوداء قاتمة... فيعلم المؤمن أن كل نعيم دون الجنة سراب، وكل عذاب دون النار عافية.

هنا تهون المصائب كلها على المؤمن.. بل إنه عندما يقف على الخير الذي ادّخره الله لأهل الصبر على البلاء، الراضين بقضائه - جل وعلا - فإنه يشتهي، بل ويتمنّى البلاء لينال الأجر العظيم من الوهّاب الكريم ..

قال صلى الله عليه وسلم : « يودّ أهل العافية يوم القيامة حين يُعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قُرضت في الدنيا بالمقاريض » (صحيح الجامع : 8177)

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « عجباً لأمر المؤمن، إنّ أمره كلَّه له خير، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاؤ صبر فكان خيراً له » (أخرجه مسلم)

وقال صلى الله عليه وسلم : « يقول الله تعالى : ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبَضتُ صفيّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة » (أخرجه البخاري)

وعن أنس رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إنّ الله عز وجل قال : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوّضته عنهما الجنة » يريد : عينيه (أخرجه البخاري)

وقال صلى الله عليه وسلم : « من يرد الله به خيرا يُصِب منه » (أخرجه البخاري)

وقال صلى الله عليه وسلم : « إذا أراد الله بعبده الخير عجّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشرّ أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة » (صحيح الجامع : 308)

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « إنّ عظم الجزاء مع عِظَم البلاء، وإنّ الله تعالى إذا أحبّ قوماً ابتلاهم، فمن رَضِيَ فله الرضا، ومن سَخِطَ فله السخط » (صحيح الجامع : 2110)

وقال صلى الله عليه وسلم : « ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في تفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة » (صحيح الجامع : 5815)

بل إنّ الصبر على البلاء يجعلك ترتقي في درجات الجنة !
فقد قال صلى الله عليه وسلم : « إن الرجل ليكون له المنزلة عند الله فما يبلغها بعملٍ ، فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتّى يبلّغه إيّاها » (صحيح الجامع : 1625)

بل تدبّر معي قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : « إذا أصاب أحدَكم مصيبة، فليذكر مصابه بي، فإنها من أعظم المصائب » (صحيح الجامع : 347)

نعم والله يا إخواني، فأي مصيبة في الدنيا مهما عظمت لا تساوي بأي حال مصيبتنا في موت النبي صلى الله عليه وسلم، لاذي بموته انقطع الوحي من السماء، وكذرت الفتن، وابتعد الناس من بعده عن شرع الله -جل وعلا- ..... فأي مصيبة أعظم من هذه ؟!

أخي الحبيب، أختي الفاضلة : إن هذه الكلمات دعوة للإيمان بالقضاء والقدر الذي هو أصل من أصول الإيمان..

وأخيراً فإني أهدي لكم جميعاً قول النبي صلى الله عليه وسلم : « لو أن الله عذّب أهلَ سماواته وأهلَ أرضه لعذّبهم وهو غيرُ ظالمٍ لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيراً من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أُحُدٍ ذهباً في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو متّ على غير هذا لدخلت النار » (صحيح الجامع 5244)
المصدر: خاص بإذاعة طريق الإسلام

محمود المصري

داعية مصري عرف بإخراج العديد من الكتيبات الدعوية المتميزة

  • 88
  • 3
  • 223,029
  • مسلمه ولي الفخر

      منذ
    [[أعجبني:]] اولا جزاكم الله خيرا علي هذا الموقع الاكثر من رائع وجزا الله شيخنا الجليل علي هذه الكلمات التي كتبت حروفها من نور نفع الله بها الاسلام وادام الله علينا نعمه الصبر واثابنا الله علي البلاء [[لم يعجبني:]] من العيب ان نكتب حرف في هذه الخانه فالموقع اكثر من رائع والمقال ممتاز
  • بوجلال خديجة

      منذ
    [[أعجبني:]] أشكركم على هدة المقالة فأنا واحدة من أهل البلاء وقد أراحتني هده الرسالة وأزالت همي وهونت علي مصيبتي جزاكم الله خيرا وجعل هده المقالة في ميزان حسناتكم يوم البعث ,
  • ياسر كمال

      منذ
    [[أعجبني:]] موضوع هام يحتاجة كل مسلم ليثبت ايمانة عند الشداءد
  • المهندس محمود

      منذ
    [[أعجبني:]] هي تذكره لا أقول كل مسلم فقط في حاجه اليهاليستقيم علي الطريق و يثبت بل كل انسان في هذه الدنياهوفي حاجه اليها، لأن الأبتلأ سنه ربانيه علي كل المخلوقات. كما أن مأشتملت علييه هذه التذكره الطيبه من ايات قرءانيه من الله سبحانه و تعالي و أحاديث للرسول الكريم صلي الله عليه و سلم مع الاجاز ممايثنت التذكره و يعظم الفائده. [[لم يعجبني:]] أهتمة المقالة بنوع واحد من أنواع الأبتلاء ألا و هو بالشر
  • عبدالله بن عطاء

      منذ
    [[أعجبني:]] مقالة جميلة جزى الله خيرا كل من سعى لإيصالها للناس وخاصة من ابتلي منهم ، كما انصح المبتلين بفقد الأبناء خصوصا أن يستمعوا لشريط كشف الكربة عند فقد الأحبة للشيخ علي بن عبد الخالق القرني ليجد بإذن الله فيه السلوى ، فقد أجاد وأفاد جزاه الله خيرا في هذا الشريط ، والأمر لله من قبل ومن بعد .
  • محسن عبد السيد

      منذ
    [[أعجبني:]] عجبا لأمر المؤمن أمره كله خير
  • محمد صابر

      منذ
    [[أعجبني:]] لقد رسبت في هذه السنة علي ثلاث موادوهذا من الصعب حدوثة في كليتنا فقوانين الرفع غالبا تكون في جانب الطالب خاصة وأن منهم مادتين بتقدير ضعيف(يستحق الرفع) وقد فوضت أمري لله وأخذت بالأسباب وتقدمت بطلب الإلتماس.. فهل تقدمي بالالتماس وحزني وبكائي(علي الرغم من تقربي لله عز وجل واحتساب الأمر عند الله) يعتبر حرام وقد يفسر علي أنه رفض للقدر والعياذ بالله؟؟؟ أرجو أفادتي والدعاء لي في ظهر الغيب بالتوفيق لما في الخير...
  • الصقر

      منذ
    [[أعجبني:]] لقد أعجبتني تلك المحاضرة عن أهل البلاء كثيرًا و لقد وجدتها عظيمة الفائدة لهؤلاء الذين يرغبون في العودة إلى خالقهم. و في النهاية أريد أن أعرف إذا كان من الممكن الحصول على تلك المقالة بالفرنسية. أشكركم و لكم جزيل الشكر
  • منيرة

      منذ
    [[أعجبني:]] يقول النبي صلى الله عليه فيما معناه (مامن عبد تصيبه مصيبه فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا أجاره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها ) قالتها أم سلمة عندما توفي زوجها وهي تقول في نفسها (ومن أحسن من أبي سلمة) فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا وعندالله منها المخرج ضاقت فما استحكمت حلقاتها، فرجت وكنت أظنها لاتفـرج

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً