بعض الآفات الحالية في الأمة الإسلامية

منذ 2015-01-01

توعية الناس بأنه يوجد ما يُسمى الخلاف بين العلماء، وأن هذا طبيعي، وأنه لو أراد الله أن يُفهم النص بطريقة واحدة لفعل، ولكنها حكمة الله في دينه ليكون الدين دينًا عالمياً صالحاً لكل البيئات وكل الأزمنة، ما دام النص يُفهم في حدود اللغة العربية السليمة، وفي ضوء غيره من النصوص المرتبطة بنفس القضية..

لقد قرأت كثيرًا وسمعت كثيراً من كافة الفرق الإسلامية، ولقد وجدت فيهم من الآفات ما يستحيل أن تقوم معها لهذه الأمة قائمة قبل أن تُمحى وتُزال، -من فضلك ضع بعد كل من هذه الآفات عبارة (إلا من رحم ربي)-.

الآفة الأولى: عدم فهم النصوص الجزئية للقرآن والسنة في ظل المقاصد الكلية للشريعة، والتي أتت من الفهم المتكامل للقرآن والسنة كوحدة واحدة.

الآفة الثانية: عدم استطاعة دارسي الشريعة تفهم مقصود مخالفيهم، ولذلك لعدم الابتداء بحسن الظن ولضيق أفقهم واحتكار الحقيقة.

الآفة الثالثة: مخاطبة الناس بأن العلوم الشرعية هي روح بل وجسد الأمة، أما العلوم الطبيعية فهي تأتي على هامش الوعي والاهتمام الإسلامي، والصحيح أن العلوم الشرعية هي روح هذه الأمة، والعلوم المادية هي جسدها الذي ينبغي أن يكون قوياً للذب عن الإسلام ولإعمار الأرض، فلن يحيا الإسلام على هذه الأرض بروح بلا جسد، كما أنه لن يحى بجسد بلا روح.

الآفة الرابعة: توجيه الفكر الإسلامي وإنهاكه نحو تناحر المسلمين على (أيهم أقرب للحق)، وأي الفرق هي الفرقة الناجية، وعدم التركيز على العدو المشترك ولا حتى على عيوب الذات.

الآفة الخامسة: إضفاء اللمحة التقديسية على الأشخاص -وخصوصاً العلماء والأولياء- بقصد أو بدون قصد، فإذا قال العالم الفلاني شيئاً فهو صحيح، وإن كان مخالفاً للقرآن والسنة.

الآفة السادسة: نسيان الأصل وعدم الاهتمام به كالاهتمام بـ(تفسير الأصل) من قبل علماء كانوا يعيشون في زمان يصلح تفسيرهم له، ولكنه ربما لا يصلح لزماننا، فالأصل صالح لكل زمان ومكان، وليست بالضرورة تفسيرات العلماء لهذا الأصل.

الآفة السابعة: النقد اللاذع -الذي يصل كثيراً للسب بل والتفسيق وقليلاً للتكفير- الذي يتجرأ به بعض العلماء لبعض أمام عامة الناس، مما يخلق تجرأً من العامة على العلماء، ويخلق أيضاً بلبلة عند العامة في قضية (أيهم نتبع)! فضلاً عن القدوة السيئة الذين يعطونها عن علاقة المسلم بأخيه المسلم، فضلاً عن علاقة العالم بأخيه العالم!

الآفة الثامنة: عدم قبول الخلاف والظن الواهم لبعض الدعاة أو العلماء أنهم سيصلون إلى الحل الواحد للمعادلة الإسلامية، وذلك بحجة أن الحق واحد، وهم لا يدركون أنهم مهما بذلوا من جهد فكل ما سيفعلونه في النهاية هو إضافة مذهب جديد لا غير، والصحيح أن تعدد آراء العلماء في الإسلام يجب أن يكون متكاملاً بحيث يساعد على عالمية الدين وليس متناحراً يصر كلٌ على رأيه كأنما احتكر الحقيقة.

الآفة التاسعة: شبه الاستغناء عن القرآن الكريم (بتفاسير) القرآن الكريم، وهو نوع من الهجر الذي نهانا رسولنا صلى الله عليه وسلم منه، وأيضاً إلغاء باب التدبر الشخصي في القرآن الكريم، ولو كان للقرآن الكريم تفسيراً وحيداً محدداً لفسره لنا الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته، ولكنه ترك جله دون تفسير لكي لا ينتهي تدبرنا لآي القرآن الكريم الصالحة لكل زمان ومكان..

هذه ليست دعوى للتفسير بالرأي والهوى، وترك تراثنا من كتب التفسير، ولكنها دعوى لترك باب الاجتهاد مفتوحاً للعلماء، وتشجيع الأفراد على التدبر الشخصي في كتاب الله تعالى، فهذا يُوجد علاقة مباشرة بين المسلم وربه كأنما يكلمه ربه مباشرة وأيضاً يشحذ الأذهان لفهم مراد رب العالمين ويطهر القلوب بتلاوتة ومحاولة الإحساس مواطن الجمال في أطهر كلام، فينبغي أن يكون الأصل هو العلاقة المباشرة بين الإنسان وكلام ربه، والاستثناء هو اللجوء لكتب التفسير عند استعصاء الفهم على الأذهان.

الآفة العاشرة: فهم القرآن والسنة على نحو يختلف مع مراد الله ورسوله، فترانا نتصارع عددأ من السنين في قضية (هل سيخلو العرش من الله عز وجل أم لا عند نزوله للسماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل)؟! وكأن الحديث القدسي هذا مرادُه! مع أن مراد الله واضحُ للإنسان العادي البسيط، وهو ببساطة أن نستغل الليل في التوبة والأوبة واللجوء إلى الله! وليس مطلوباً منا أكثر من ذلك.

الآفة الحادية عشر: تحويل العقيدة البسيطة التي تتناغم مع فطرة الإنسان البسيط إلى فلسفات معقدة، لا قِبلَ للعامة بها وهو ما يؤدي إلى سوء فهم العقيدة السليمة، بل وإثارة شبهات في نفس الدارس كان من الممكن ألا تخطر بباله أصلاً.

الآفة الثانية عشر: هو طرح شبهات الأقدمين التي برزت، بل وماتت أيام معاصرة الفلسفات اليونانية للثقافة الإسلامية على دارسي العقيدة الآن، وكأننا مُجمدون في الزمن، وترك الشبهات الأكثر قوة التي يتشبث بها الملحدون في أيامنا هذه للتدليل على صحة منهجهم.

الآفة الثالثة عشر: الاستدلال المتعسف بالاكتشافات العلمية الحديثة لإثبات صحة القرآن والسنة، وهذا هو ناشئ في أغلب الأحوال بالشعور بعدم الثقة الكاملة في دين الله، وإنما ينبغي ألا يُدرج في باب الإثبات العلمي إلا الحقائق وليست النظريات، وكمثال لهذه الحقائق ذكر القرآن بدقة بالغة مراحلَ تطور الجنين في بطن أمه.

الآفة الرابعة عشر: محاولة تفسير الغيبيات كطلوع الشمس من مغربها مثلاً كعلامة من علامات الساعة، تفسيرات فيزيائية وهذا إن دل فإنما يدل على الإحساس الكامن عند بعض المسلمين بالدونية وعدم إحساسهم بقيمة دينهم، لأن الإيمانيات الأصل فيها التصديق، ولو كانت الإيمانيات محل إثبات علمي نظري أو عملي لما ثبت الابتلاء بالإيمان والتصديق، وإنما يكون استخدام العلم إما في الفهم الحديث لبعض آيات القرآن في ضوء ما جد علينا من معرفة، أو الاستدلال على نسب القرآن لله رب العالمين ببعض الحقائق العلمية الثابتة المذكورة فيه.

الآفة الخامسة عشر: هو المسارعة في التحريم بدون نص قطعي الدلالة قطعي الثبوت.
الآفة السادسة عشر: هو عدم إدراك المسلمين أن تحصيل العلوم التطبيقية واستخدامها في تقوية شوكة المسلمين داخلياً وخارجياً هو فرض على الأمة، وهو في الحقيقة جهاد زمننا الحالي، لأنه لا جهاد بدون قوة، ولا قوة بدون علم.

الآفة السابعة عشر: هو الإحجام عن تعلم الحكمة من غير المسلمين وإن كانت في المجالات الاجتماعية والنفسية بحجة أن الإسلام كافٍ لهذا الغرض، ولكن ما لا يدركه الكثيرون أنه مع صحة حجتهم فما لم نستطع أن نصل إليه من الكتاب والسنة لعجزنا أو لقلة فهمنا، لا حرج علينا أن نتعلمه من غيرنا طالما لم يصطدم بتعاليم شريعتنا.

الآفة الثامنة عشر: هو ترك علم عالم بالكلية لمجرد أنه اختلف معنا في الرأي في مسألة -بل حتى لو كان خطأً بيناً وليس مجرد اختلاف في الرأي- وكأننا ننتظر من العالم أن يكون إما معصوماً وإما مارقاً، ولا وسط بينهما! وإنما ينبغي أن نغوص في بحر علم علماء أمتنا، فننتقي اللآلئ ونترك ما ليس صحيحاً.

الآفة التاسعة عشر: هو التخلي عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كفريضة إسلامية، حتى صار المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وتخلى معظم العلماء عن دورهم في قول كلمة الحق في وجه الحكام المخطئين دون أن يخشوا في الله لومة لائم.

الآفة العشرون: أننا إما أن نستورد النماذج الغربية للإصلاح بما فيها من مميزات وعيوب، وإما أن نتركها بالكلية، والصحيح أن يكون ديننا هو حبل الله المتين الذي نعتصم به ونضم إلى حضارتنا كل علم نافع علمه الله لبشر أيا ما كانت ملته، وننبذ ما عداه من فساد وعلم غير نافع.

الآفة الحادية والعشرون: هو جهل كثير من علمائنا بأحوال الدنيا من حولهم وبأساسيات العلوم المادية.
الآفة الثانية والعشرون: هو عدم فتح الفرصة أمام علماء العلوم التجريبية لإبداء رأيهم في آيات القرآن، التي لها علاقة بعلومهم المادية، فعلماء الشريعة الحاليون ليسوا بقادرين على التأمل في مثل هذه الآيات -يُشترط أن يكون هناك تعاونًا بين عالم الطبيعة، وعالم الشريعة واللغة، حتى لا يزل أحدهم في تأويل متعسف أو مجانب للصواب-.

الآفة الثالثة والعشرون: هو عدم وجود ثقافة ترتيب الأولويات بين علمائنا في وعظ الناس وبين عامتهم بالتبعية.
الآفة الرابعة والعشرون: الاجتهاد فيما ينبغي التوقف عن الاجتهاد فيه، لأننا لن نصل لرأي جديد عما سبقنا فيه آلاف العلماء -مثل فقه الطهارة والصلاة- وعدم الاجتهاد فيما ينبغي الاجتهاد فيه -مثل الاقتصاد الإسلامي والسياسة الدولية الإسلامية، والقضايا الطبية الحديثة وموقف الشرع منها-.

الآفة الخامسة والعشرون: عدم احترام التخصص الدقيق في علوم الشريعة، وظهر ذلك جلياً عندما فتحت الفضائيات أبوباها للأسئلة الشرعية، فتجد عالم الحديث يفتي فتاوى فقهية يلزمها دراسة عميقة في أصول الفقه، وتجد الفقيه يصصح ويضعف الأحاديث وكأنه خبير بعلم الرجال والجرح والتعديل.

الآفة السادسة والعشرون: غياب العمل الجماعي والفتاوى الصادرة من هيئات كبار العلماء، وشيوع الفتاوى الفردية بين الناس، ومما هو معلوم أنه مهما بلغ العالم من علم فإن فرصة أن يفتي برأي خاطئ أكثر بكثير من فرصة خطأ مجموعة من العلماء الذين يصوب بعضهم بعضاً.

الآفة السابعة والعشرون: الاستخدام الغير مسئول لألفاظ شرعية مثل (إجماع) و(جمهور العلماء) فتجد من يقول أن هذا هو: "رأي الجمهور"، وتجد مخالفاً له في الرأي يقول أن رأيه هو هو: "رأي الجمهور" دون حتى أن يوضحوا للعامة معنى كلمة (جمهور) أو (إجماع) وضوابط استخدامها.

الآفة الثامنة والعشرون: عدم توعية الناس بأنه يوجد ما يُسمى الخلاف بين العلماء، وأن هذا طبيعي، وأنه لو أراد الله أن يُفهم النص بطريقة واحدة لفعل، ولكنها حكمة الله في دينه ليكون الدين دينًا عالمياً صالحاً لكل البيئات وكل الأزمنة، ما دام النص يُفهم في حدود اللغة العربية السليمة، وفي ضوء غيره من النصوص المرتبطة بنفس القضية، ويرتبط بهذه الآفة إيهام العامة أنه لا يُوجد إلا رأي واحد..

وإنما ينبغي تنبيه العامة على وجود الخلاف، وأن المفتي هو أميل لرأي معين من الآراء المختلفة، وأن اختلاف العلماء لا يلغي وجود الاتجاه الإسلامي العام الذي -بعكس ظن الكثيرين- هو في اتجاه الحق، ولكن عن طريق حبل غليظ تختلف اتجاهات خيوطه داخله، ولكن اتجاه الحبل ككل هو نحو الحق بإذن الله تعالى.

ملحوظة: اختلاف اتجاه الخيوط تكون تقوية للحبل الغليظ وليس إضعافاً له إذا كانت الخيوط تساعد بعضها بعضًا ولا تتناحر ويقطع بعضها بعضا.

الآفة التاسعة والعشرون: هو انزلاق الكثير في وضع الفتوى أولاً تأثراً بالبيئة المحيطة، ثم انتقاء النصوص التي تؤيد هذه الفتوى، والصحيح هو العكس، وهو أن يتم جمع جميع النصوص المرتبطة بقضية ما وتطبيق عليها علم أصول الفقه لاستخراج الفتوى، بغض النظر إن كانت موافقة لبيئة المُفتىَ أو ميله الشخصي أم لا.

الآفة الثلاثون: هو عدم مراعاة الأقليات وأحكامهم الخاصة، وعدم مراعاة الإسلام كدين عالمي، فتجد الفتوى التي تُفتى لمستفتي مصري مثل االفتوى التى تُفتى لمستفتي ألماني، مع اختلاف البيئة المحيطة بالمستفتي بل ونفسية المستفتي تماماً، ولا أقول بتغيير الفتوى حسب المكان بلا قيود، ولكن أقول أن قواعد شريعتنا من المرونة بأن تسع العالم كله بكل ظروفه.

الآفة الحادية والثلاثون: هي فتح باب الفضائيات للإفتاء اللحظي على الهواء، وهذا مزلق خطير، فقد تكون الفتوى تحتاج للتفكير العميق، بل قد تكون محتاجة لأخذ رأي متخصصين في مجالات أخرى داخل تخصصات الشريعة الإسلامية وخارجها.

الآفة الثانية والثلاثون: هو استدراج بعض برامج الفضائيات الخبيثة لبعض العلماء حسني الظن، قليلي الوعي، بحيث يكونون من مدارس فكرية مختلفة، وافتعال المعارك الكلامية بين العالمين، واستفزازهم حتى يخرجوا عن هدوئهم، وقد يقعون في الخطأ في حق بعضهم البعض، فيتحقق بذلك الغرض الشيطاني للبرنامج، وهو فقدان الناس احترامهم لكلا العالمين والإحساس بالضياع بين آرائهم، وفقدانهم الثقة بوجود رأي إسلامي سديد حول الشئون الإسلامية المعاصرة.

ملحوظة هامة: ترتيب الآفات لا يدل على ترتيب أهميتهم.
والله أعلم.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد كمال قاسم

كاتب إسلامي

  • 2
  • 0
  • 11,210

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً