تأصيل الردة و التكفير - (6) قاعدة: التفريق بين كُفر النوع، وكُفر العَين
نَّ سَب الله أو سَب رسولِه كفرٌ ظاهرًا وباطنًا، سواء كان السَّابُّ يَعتقد أن ذلك مُحرمٌ، أو كان مُستحلًّا له، أو كان ذاهلًا عن اعتقاده؛ هذا مَذهب الفقهاء وسائر أهل السُّنة القائلين بأن الإيمان قولٌ وعمل، ويجب أن يُعلم أن القولَ بأن كُفر السَّاب في نفس الأمر إنما هو لاستحلاله السبَّ زلَّـةٌ مُنكرة، وهَفوةٌ عظيمة، وإنما وقَع مَن وقع في هذه المهواة بما تَلقَّوه من كلام طائفةٍ من مُتأخري المتكلمين...
قاعدة: التفريق بين كُفر النوع، وكُفر العَين ليسَت عابرةَ القارات! وكذا الاستحلال؛ ليس شرطًا أبدًا في كلّ مُكفِّر؛ لا سيَّما الكُفر الظاهر!
قال شيخُ الإسلام، رحمه الله: "إنَّ سَب الله أو سَب رسولِه كفرٌ ظاهرًا وباطنًا، سواء كان السَّابُّ يَعتقد أن ذلك مُحرمٌ، أو كان مُستحلًّا له، أو كان ذاهلًا عن اعتقاده؛ هذا مَذهب الفقهاء وسائر أهل السُّنة القائلين بأن الإيمان قولٌ وعمل، ويجب أن يُعلم أن القولَ بأن كُفر السَّاب في نفس الأمر إنما هو لاستحلاله السبَّ زلَّـةٌ مُنكرة، وهَفوةٌ عظيمة، وإنما وقَع مَن وقع في هذه المهواة بما تَلقَّوه من كلام طائفةٍ من مُتأخري المتكلمين، وهُم: الجهمية الإناث؛ الذين ذهبوا مَذهب الجهمية الأولى في أن الإيمان هو مجرد التصديق الذي في القلب، وإن لم يَقترن به قولُ اللسان ولم يقتضِ عملًا في القلب ولا في الجوارح".
"فإنَّا نعلمُ أن مَن سبَّ اللهَ ورسولَه طوعًا بغير كَرْه، بل مَن تكلَّم بكلماتِ الكفر طائعًا غير مُكرَه، ومَن استهزأ باللهِ وآياتهِ ورسولِه فهو كافرٌ باطنًا وظاهرًا، وأن مَن قال: إن مثل هذا قد يكون في الباطن مؤمنًا بالله وإنما هو كافرٌ في الظاهر؛ فإنه قال قولًا معلومَ الفساد بالضرورة من الدِّين" (انظر مجموع الفتاوى، والصارم المسلول).
قلتُ: فهَا هو شيخ الإسلام نفسه رحمه الله، والذي يُكثِر المُخالفون النَّقلَ عنه دون استقصاءٍ لجميع مَذهبه، وكثيرًا ما يُقرر رحمه الله الفرق بين: كُفر النوع، وكُفر العَين، وكيف أن القولَ قد يكون كفرًا، ولا يَكفر القائل.
ونحن أيضًا قائلون به مُسلِّمون له، ولكن: هذه القاعدة إنما تكون فقط في المُكفِّرات الخفيَّة، لا الواضحة الظاهرة، كما نصَّ عليه شيخ الإسلام ها هنا، وقرَّر أن المُكفِّرات الواضحة في الدِّين كـسبِّ الله ورسولِه يَكفُر صاحبُها ظاهرًا وباطنًا، فلا يُقال في مثل هذا أبدًا: أنه كُفرٌ دون كفر، أو نوعٌ دون عَين، أو ظاهرٌ دون باطن، أو الله أعلم بحاله. فكلُّ هذا معلوم الفساد بالضرورة من دين الإسلام.
* وقد يَخرج عن هذا:
- المُخطيء: كهذا الذي قال: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك".
- والمُكرَه: {مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل من الآية:106].
- والمُتأوِّل جَهلًا أو خطًأ في بعض تفاصيل العقيدة لا أصولها؛ مثل هذا الذي أمرَ بَنيه عند موته أن يُحرِّقوه، قائلًا: "لئن قدَر اللهُ عليَّ لَيعذِّبَنِّي"، فهذا الرجل لم يُنكِر قُدرةَ الله على البعث، وإنما جَهِل أو شكَّ في تفاصيلها فدَفعَه خوفُه من الله إلى التَّأوُّل، ففَعل ما فَعل.
* أمَّا أن يُقال في كلِّ مُكفِّر صَغُر أم كبُر، خَفِي أم ظَهر: أن القولَ كفرٌ ولا يَكفر القائل حتى يَعتقد، وحتى يَستحِلّ.. إلخ؛ فلَم يَقُلْهُ عالمٌ قطّ، لا من الصحابة ولا من التابعين ولا أتباعهم، ولا مَن تَلاهُم إلَّا المُرجئة والجهمية؛ الذين يَجعلون العبدَ مؤمنًا باطنًا؛ وإن أتَى ظاهرًا ما أتَى، حتى ولو كفرَ بالله الكفرَ الأكبرَ الظاهر الواضح.
فتفقَّد مَوقعَك يا عبد الله، من دين الله، ولا يَصُدّنَّك عن الحق واعتقاده تقليدُ شيخٍ وإن كان كبيرًا..
فبالحقِّ يُعرَف الرجالُ، لا بهِم يُعرفُ الحق.
- التصنيف: