حوار مع أنصار المولد النبوي

منذ 2015-01-04

لقد انتهى زمن الجمود والتخلف الفكري الذي أصاب العالم الإسلامي في تاريخه الأوسط وضعفت فيه السنة والإتباع وانتشرت فيه مظاهر الجهل والبدعة والخرافة وأتى بحمد الله زمن الإتباع والحجة والتحري عن الحق وانتشار السنة والطاعة.

هناك طائفة من المسلمين تحتفل في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل سنة هجرية بمناسبة مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - ويؤدى هذا المولد بطقوس وأنماط متنوعة والهدف من ذلك إظهار الفرح والسرور والشكر والمحبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن طريق ذكرى مولده، فيا ترى هل هذا التصرف صحيح وهل هو موافق للشرع وهل فاعل ذلك مأجور؟

فإلى أنصار هذا المولد ومؤيديه أتوجه لهم بهذه الكلمات من قلب يفيض بالشفقة والنصيحة لهم قصدا للوصول للحق والذب عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعملا بقوله (الدين النصيحة قلنا لمن يارسول الله قال لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم) متفق عليه، وألخص حواري معهم في النقاط الآتية:

أولا - بداية أقول لهم لا شك أن كل مسلم يحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد ينازع في هذا ومحبته فرض على كل مسلم بل هي أصل من أصول الإيمان ولا يصح إيمان العيد إلا بها قال رسول الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) متفق عليه، ولكن يختلف المسلمون في طريقة التعبير عن هذه المحبة وإظهارها على الواقع.

إذن نحن متفقون على وجوب محبة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

ثانيا أسألهم ما هو مفهوم محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - لديكم؟ هل محبته مجرد إحساس وجداني وعلاقة قلبية وولاء عاطفي أم هي عمل قلبي وسلوك عملي. لا شك أن أصل المحبة تكون في القلب لكن هذه المحبة لها مقتضى وثمرة، فكمال المحبة وتمامها تكون في اجتماع إذعان القلب وذكر اللسان وطاعة الجوارح وتقتضي أيضا تصديق أخباره وامتثال أوامره واجتناب نواهيه قال - تعالى -(قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى "قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبي"رواه لبخاري، فمن أحب أحدا أكثر من ذكره والتزم طاعته وتجنب معصيته.

إذن فالمحبة ليست مجرد دعاوى وشعارات وهتافات بل هي حياة ومنهج وواقع عملي ملموس، وكثير من المسلمين وللأسف يتصور أن محبة النبى - صلى الله عليه وسلم - تقتصر على المدح والثناء ولذلك ترى حياته بعيدة كل البعد عن هدى النبى ومنهجه وأقواله وأفعاله وتراه كثير المخالفة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في سائر السنة فإذا جاءت مناسبة دينية أقام حفلا أظهر فيه المحبة وبانقضاء الحفل عاد إلى ما كان عليه من الغواية ولا شك أن هذه المحبة جوفاء وهى محبة ناقصة وربما كانت باطلة.

ثالثا إذا سألناهم ما حقيقة الاحتفال بالمولد النبوي قالوا هذا مجرد عادة كسائر الاحتفالات الدنيوية ولا علاقة له بالدين والأصل في ذلك الجواز فيجوز للمسلم الاحتفال بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كما يحتفل بأمر دنيوي كحصول وظيفة أو رجوع غائب أو حصول نعمة كمال وولد ونحو ذلك. وقولهم هذا فيه مغالطة كبيرة ومخادعة للنفس والمنطق والعقل وكل إنسان ولو كان أميا يفهم لأول وهلة أن هذا احتفال ديني، ومن تأمل في هذا الاحتفال تيقن أنه قائم على فكرة محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - والمقصود الأعظم منه التقرب إلى الله واتخاذه وسيلة لتزكية النفس وصفائها وفيه ذكر وابتهال ودعاء، وبهذا يتبين أن المولد عبادة وقربة يتقرب به أصحابه إلى الله ويتخذونه شعيرة من شعائر الدين ولذلك يلتزمونه دائما ويأمرون الناس به وينكرون على من تركه ويتهمونه بالجفاء.

وإذا تقرر أنه عبادة فلا بد للعبادة من شروط تصح بها وإلا كانت باطلة لا أساس لها.

رابعا إذا سألناهم هل هناك دليل شرعي يدل على مشروعية المولد النبوي وجوازه قالوا نعم وذكروا جملة من الأدلة. ولكن عند البحث فيها ونقدها يتبين أن ما استلوا به لا يخلو أن يكون أحد نوعين:

1- أدلة خاصة ضعيفة أو مكذوبة.

2- أدلة عامة صحيحة لا دلالة فيها بوجه من الوجوه، كاستدلالهم بما جاء في صحيح مسلم (أن رسول الله (- صلى الله عليه وسلم - سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: فيه ولدت وفيه أنزل علي)، واستدلالهم بفضل يوم الجمعة واستحباب الصلاة على النبي فيه واستدلالهم بفضائل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهذه الأدلة بحمد الله لا تدل أبدا على مشروعية المولد، وإنما تدل علة أمرين:

1- فضل هذه الأيام فقط دون غيرها.

2- صفة العبادة المشروعة فيها من صوم وذكر وصلاة وليس فيها احتفالات.

ونحن نطالبهم بإثبات أمرين ولن يستطيعوا ذلك إلى يوم الدين:

1- تخصيص يوم مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - دون سائر الأيام.

2- مشروعية إقامة احتفال للنبي - صلى الله عليه وسلم - على هذه الصفة الخاصة.

ولا يجوز بناء العبادات على القياس والنظر الخالي من الدليل كقولهم إن هذا الإحتفال من جنس إظهار الشكر أو إظهار المحبة الواجبة أو من جنس التعظيم المشروع للرسول - صلى الله عليه وسلم -، لأن هذا استحسان وقياس مخالف للأدلة والأصول الشرعية، ولأن العبادات توقيفة يتوقف إثباتها والتعبد بها على ثبوت الأدلة الشرعية الخاصة. وبهذا يتبين أن رؤسائهم يستخفون بعقول الناس وأفهامهم ويخدعونهم بإسم محبة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

خامسا إذا سألناهم هل أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - لنفسه إحتفالا أو أحد من خلفاءه أو الصحابة أو التابعين أو أتباعهم أو الأئمة المقتدى بهم كالأئمة الأربعة أو أحد من القرون المفضلة حاروا جوابا. والحق الذي لا مرية فيه أن المولد لم يعرف في صدر الإسلام ولا في القرون المفضلة وإنما أحدثه الفاطميون الباطنيون الزنادقة في أواخر القرن الرابع في مصر ثم تبعهم على ذلك أصحاب الطرق الصوفية ونقول لهم:

1- هل أنتم أشد حبا للرسول - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة أو تشكون في حبهم.

2- وهل طريقتكم وعملكم خير من طريقتهم وعملهم فإن كان قد خفي عنهم وظهر لكم فلا خير في عمل خفي عليهم وإن كان قد ظهر لهم وتركوه فلا خير فيما تركه السلف لأنهم خير الأمة وأفضلهم طريقة وأزكاهم عملا.

وبهذا يتبين أن المولد النبوي عمل موتور ليس له نسب في الإسلام بل فيه شبه بطقوس أهل الملل المخالفة للإسلام كاحتفال اليهود والنصارى بعظمائهم، ولا يوجد أبدا في شرائع الإسلام وأعماله إحتفال بمولد أحد أو حياته أو موته وإنما هذه عادة دخيلة وفدت من غير المسلمين.

سادسا إذا سألناهم عن برامج المولد النبوي وأعماله قالوا هو مجرد ذكر ومدح للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقراءة سيرته وغيرها من الأعمال المستحبة، والواقع أنه لا تخلو جميع الموالد النبوية من مخالفات وبدع ومظاهر شركية وتتفاوت في هذه الأمور ما بين مقل ومستكثر:

1- الذكر بصفة جماعية على هيئة غير مشروعة.

2- الغلو في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد نهى عن ذلك.

3- رفع النبي - صلى الله عليه وسلم - فوق منزلته ووصفه بصفات إلهية كعلمه للغيب وتصرفه في الكون وغير ذلك.

4- فعل عبادات ووسائل شركية كالإستغاثة بالنبي والأولياء وسؤالهم تفريج الكربات وجلب الخيرات.

5- اللهو والرقص.

6- إستماع المعازف والملاهي.

7- إختلاط الرجال والنساء وحضور المردان وحسان الوجوه.

8- إدعاء وزعم حضور النبي - صلى الله عليه وسلم - للمولد.

9- ما يصيب أهل المولد من حالة العشق والوجد والفناء وغيرها من الأحوال الشيطانية.

والمقصود أن كل عمل بني على باطل فهو باطل وسبيل للشيطان ومبعد عن الرحمان ومرتع خصب لكل بدعة ومعصية والله المستعان.

سابعا نسألهم ما هو معنى البدعة وما حقيقة الإبتداع وهل يمكن أن تفسروا لنا قول الحبيب - صلى الله عليه وسلم - (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) متفق عليه؟ فسيجيبون بجواب فيه تلبيس الحق بالباطل وتدليس ولي لأعناق النصوص وتحريف لمعانيها، وسيقولون البدعة قسمان بدعة حسنة وبدعة سيئة ...إلخ.

والحق أن معنى الإبتداع هو إحداث طريقة أو عمل أو عبادة مما يتقرب به إلى الله في الدين وليس له أصل شرعي، فكل من تعبد لله بعمل أو عبادة لم يدل الشرع عليها ولم يستند على دليل أو إجماع فقد ابتدع في الدين بدعة وهو آثم وعمله مردود عليه لا يقبل منه أبدا وقد شاق الرسول واتبع غير سبيل المؤمنين، وليس في الدين بدعة حسنة، ولا شك أن المولد النبوي ينطبق عليه وصف البدعة لعلتين:

1- أنه عمل ديني يتقرب به إلى الله.

2- ليس له أصل في الشرع.

ونقول لهم أن بإحداثكم لهذا المولد إشعار بأن هذا الدين فيه نقص يحتاج إلى تكميل وإتمام وقد قال الله - تعالى -(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). وفيه أيضا فتح لباب شر عظيم وهو أن كل من استحسن مناسبة جعل له احتفالا وهذا يفضي إلى التلاعب بدين الله كما تلاعب به الرافضة وغيرهم.

ثامنا عند سؤالنا لكثير من العوام الذين يقيمون الموالد ويشاركون فيها ما هو مستندكم في هذا يقولون لنا فعل المشائخ والأولياء ونتبعهم على ذلك. فنقول لهم لا حجة في تصرف أحد من الناس ولو كان من المشائخ إذا خالف الشرع وإنما الحجة في الكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة، وليس أحد معصوما عن الخطأ، كيف ومن اتبعتموهم لا يعرفون بالرسوخ في العلم واتباع منهج السلف الصالح قال الله - تعالى -(وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله)، وكيف تقدمون طاعتهم على طاعة الله ورسوله والأئمة الأعلام كالشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم ممن عرفوا بالعلم والعمل والزهد والنسك ولم يعرفوا هذه الطرق الصوفية المحدثة التي أساءت للإسلام وشوهت صورته الجميلة.

أسألكم هل في الإسلام هذا الدين العظيم رقص ولهو ديني.

هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يرقصون ويهزون ويترنحون كما يفعل أهل المجون والفسق.

لقد آن لكم ياعوام المسلمين أن تحرروا عقولكم من هذه الخرافات والخزعبلات التي فرضها عليكم أدعياء المحبة والولاية.

لقد آن لكم أن تتحرروا من قيود مشائخ الطرق وتكونوا أحرارا تعبدون الله على بصيرة.

لقد انتهى زمن الجمود والتخلف الفكري الذي أصاب العالم الإسلامي في تاريخه الأوسط وضعفت فيه السنة والإتباع وانتشرت فيه مظاهر الجهل والبدعة والخرافة وأتى بحمد الله زمن الإتباع والحجة والتحري عن الحق وانتشار السنة والطاعة.

وأخيرا يا من تحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وتسعى جاهدا في سبيل ذلك إني مشفق عليك وأحذرك أن تأتي يوم القيامة وترد على حوض النبي - صلى الله عليه وسلم - لتشرب منه فيطردك عن حوضه ويكون خصيما لك لما غيرت وبدلت في دينك فقد أخرج البخاري عن سهل بن سعد قال: قال النبي: " ليوردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم ". قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال: هكذا سمعت من سهل فقلت: نعم، فقال: أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها: " فأقول إنهم مني، فيقال:إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: سحقا سحقا لمن غير بعدي ".


خالد بن سعود البليهد

  • 5
  • 0
  • 6,289

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً