عشرة أعوام على مجزرة الحرم الإبراهيمي

منذ 2015-01-06

ويقوم المستوطنين خلال حالات الإغلاق للبلدة بإحراق المحالات التجارية وأحياناً نهبها، وإذا ساد شيء من الهدوء وفتح الفلسطينيين أبواب محلاتهم يقوم المستوطنين والجيش بأعمال استفزاز واعتقال لمن يدخلون إلى البلدة القديمة بهدف التسوق أو التجول.

لا يزال منفذ المجزرة قدّيساً عند المستوطنين اليهود، البلدة القديمة في الخليل تتحول إلى مدينة أشباح والمستوطنون الصهاينة يحولون قبر غولدشتاين إلى مزار.

من الصعب أن تخرج مجزرة الحرم الإبراهيمي من الذاكرة الفلسطينية وعلى الأقل من ذاكرة من عاشوا أحداثها، حيث لم تزل أحداثها ماثلة للعيان، لقد كانت مجزرة رهيبة خطط لها ونفذت بدقة متناهية وبعد مرور 10 أعوام على ارتكابها يخرج أي مواطن يدخل البلدة القديمة في الخليل بانطباع وحيد بالقول أن المجزرة نجحت ونجح من خططوا لها بإخراج أهلها الفلسطينيين منها من لم يخرج بالترغيب فقد خرج بالترهيب.

وبعد 10 أعوام أصبحت البلدة القديمة في الخليل مدينة أشباح! مَن دخلها يعيش حالة من الخوف والترقب ومن يسكنها يعيش حالة من الرعب ومن يخرج منها لا يفكر بالعودة لما تعرض له من استفزاز وآلام واعتداء منظم.

شهوة القتل:

باروخ غولدشتين

في ما يسمى عيد المساخر (البوريم) لدى اليهود يتجمع كل عام آلاف المستوطنين حول قبر الإرهابي باروخ غولدشتاين القريب من مستوطنة كريات أربع شرق مدينة الخليل يحتفلون ويؤدون الصلاة ويعتبرونه قديساً وبذلك يحاولون إضفاء صفة القانونية على المجزرة التي قام بها في عام 1994 حينما استخدم سلاحه الشخصي وكمية كبيرة من الذخيرة لقتل (29) فلسطينياً كانوا يصلون في الحرم الإبراهيمي الشريف.

والمجرم غولدشتاين هو من سكان مستوطنة كريات أربع وكان قد تتلمذ في مدارس الإرهاب الصهيوني على يدي متخصصين في الإرهاب من حركة كاخ الإرهابية وكان غولدشتاين معروفا لدى المصلين المسلمين حيث كان في كثير من الأوقات يشاهدوه وهو يتبختر أمام المصلين الداخلين والخارجين إلى الحرم الإبراهيمي.

وكان هذا الهالك قد أصر على قتل أكبر عدد من المصلين وأعد الخطط لذلك وكان هدفه الوحيد هو اقتلاع الوجود الفلسطيني من البلدة القديمة في الخليل.

ومثلما أحب الإرهاب أحب قتل الفلسطينيين، ووهب جل اهتمامه لهذا الأمر حتى نفذ مهمته في الخامس والعشرين من شهر شباط عام 1994 وهذا المتطرف الصهيوني استطاع قتل (29) مصليا احتشدوا لصلاة الفجر في ذلك التاريخ وأصاب العشرات بجروح من بين (500) مصل كانوا يتعبدون في الحرم الإبراهيمي في الخامس عشر من شهر رمضان لذلك العام.

وكان غولدشتاين قد تدرب على تنفيذ مهمته داخل معسكرات صهيونية داخل فلسطين المحتلة وخارجها وكان معروفاً بحقده الشديد على العرب.

وبعد تنفيذه للمجزرة دفن هذا الهالك في مكان قريب من مستوطنة كريات أربع ولا يزال يعامله المستوطنون على أنه قديس حيث أحرز قصب السبق بقتل العشرات من الفلسطينيين بصورة شخصية بالرغم من حصوله على مساندة الجيش والمستوطنين من أحفاد حركة كاخ المتطرفة.

وخلال مطلع هذا الأسبوع وقف محمد أبو الحلاوة على شرفة منزله يراقب آلاف المستوطنين من سكان البؤر الاستيطانية داخل وخارج البلدة القديمة في الخليل وهم يرقصون احتفالاً بهذا المجرم

ومحمد أبو الحلاوة كان أحد شهود العيان على المجزرة حيث أصيب بعدة رصاصات تركته على كرسي متحرك منذ عام 1994 حتى الآن.

ولا زال أبو الحلاوة يحمل صورته التي التقطت له بعد المجزرة وهو فاقد للوعي وقد لازمته هكذا الحالة لعدة أشهر وعاش مقعدا منذ ذلك الحين.

الجيش الصهيوني ساعد المجرم:

ويؤمن كل مصلٍٍ حضر إلى الصلاة في ذلك اليوم أن الخطة كانت مبيتة وأن الجيش كان متورطاً في المجزرة وقد أكد شهود عيان نجو من المجزرة أن أعداد الجنود الذين كانوا للحراسة قلّت بشكل ملحوظ فيما كان المتطرف غولدشتاين يلبس بزة عسكرية علماً أنه كان جندي احتياطي ولم يكن جنديا عاملاً على الحراسة.

ويقول المواطن المقعد محمد أبو الحلاوة وهو أحد معاقي المجزرة: "لا يمكن إعفاء الجيش من المسؤولية، عندما قام غولدشتاين بإطلاق النار على المصلين هرب المصلون باتجاه باب المسجد حيث وجدوه مغلقاً علماً بأنه لم يغلق من قبل أثناء أداء الصلاة بتاتاً وعندما توالت أصوات المصلين بالنجدة كان الجنود يمنعون المواطنين الفلسطينيين من التوجه إلى داخل الحرم للقيام بإنقاذ المصلين.

ثمة أمر آخر وهو أن المستوطنين كانوا دوماً يهددون المصلين وعلى مسمع من الجنود الصهاينة قائلين (سوف نقتلكم وسوف ترون ما سنفعل) ويتساءل الكثير ممن نجو من المجزرة كيف يمكن لشخص واحد أن يقتل هذا العدد في غضون دقائق معدودة وكيف يستطيع شخص مثله أن يحمل كل هذه الذخيرة داخل الحرم دون مشاهدة الجنود أو علمهم.

ويضيف الشهود أن جنوداً آخرين كانوا يمدون الإرهابي غولدشتاين بالذخيرة ولم يفارقوه إلا في اللحظة التي هجم فيها المصلون عليه وقتلوه.

لجنة العار:

وفي نفس اليوم تصاعد التوتر في مدينة الخليل وقراها وكافة المدن الفلسطينية وقد بلغ عدد الشهداء الذين سقطوا نتيجة المصادمات مع جنود الاحتلال إلى (60) شهيداً، وللعمل على تهدئة الوضع عينت حكومة الإرهاب الصهيونية لجنة لتقصي الحقائق أطلق عليها اسم لجنة (شمغار) وقد ضمت عدداً من الشخصيات الصهيونية ومؤسسات إنسانية أخرى، وقد خرجت اللجنة بعد عدة أشهر على تشكيلها بقرارات هزيلة تدين الضحية وبعد إغلاق البلدة القديمة في الخليل لأكثر من ستة أشهر، تم تقسيم الحرم الإبراهيمي إلى قسمين يسيطر اليهود فيه على القسم الأكبر فيما يخصص جزء منه للمسلمين، ويستخدم المستوطنين المسجد بكامله خلال الأعياد الصهيونية ولا يسمح فيها برفع الآذان في الحرم أو دخول المصلين المسلمين.

تعطيل الحياة العامة:

وبعد مرور 10 سنوات على المجزرة تعطلت حياة الفلسطينيين داخل البلدة القديمة نتيجة الاعتداءات المتواصلة من المستوطنين وجنود الاحتلال على السواء، وخلال هذه المدة أمر الجيش الصهيوني بإغلاق (2600) منشأة ومصلحة فلسطينية داخل البلدة القديمة، والتي تقع في محيط البؤرة الاستيطانية (بيت هداسا) (الدبويا) وبيت رومانو (مدرسة أسامة بن المنقذ) (وتل الرميدة) (وبيت أبونا إبراهيم) وبيت يشاي وقد صدر حتى الآن قرار صهيوني بإغلاق (800) مصلحة فيما أغلقت المحلات التجارية والمصالح الأخرى أبوابها بسبب حالة الكساد وامتناع الفلسطينيين من التوجه إلى البلدة القديمة، وبسبب الاعتداءات المتكررة من قبل المستوطنين وحالة إغلاق الشبه دائمة للبلدة القديمة.

وتصل الخسائر الفلسطينية مع كل عام إلى مليارات الدولارات سنوياً بحسب التقارير الشهرية والسنوية التي تصدرها الغرفة التجارية في المدينة، وخلال سنوات الانتفاضة الحالية تعرضت البلدة القديمة إلى فرض نظام حضر التجول لمدة تزيد عن 544 يوماً.

وبعد المجزرة تعطلت الحياة الفلسطينية العامة في العديد من الأحياء والأسواق القديمة ومنها سوق الحسبة والذي استولى عليه المستوطنين كلياً، والسوق القديم (العتيق) وسوق القزازين وخان شاهين وشارع السهلة والشهداء وشارع الأخوان المسلمين وشارعي الشلالة القديم الذي يحتوي على السوق الأهم في المدينة وشارع الشلالة الجديد وسوق اللبن وطلعة الكرنتينا وغيرها.

وهناك حالة إرباك شديد في المدارس الفلسطينية التي تقع داخل البلدة القديمة في الخليل والتي يصل تعدادها إلى أكثر من 30 مدرسة حيث يتم تعطيل الدراسة فيها خلال الأحداث التي تشهدها المدينة وخلال أعمال العنف التي يقوم بها المستوطنين وخلال عمليات فرض نظام منع التجول وتمنع سلطات الاحتلال وصول المدرسين خلال تلك الأحداث وتعتدي على عدد غير قليل منهم حتى خلال الأيام التي تتسم بالهدوء، وخلال السنوات العشر الماضية عمل المستوطنين الصهاينة الذين تدعمهم جمعيات صهيونية خارج وداخل فلسطين المحتلة على خلق واقع ما يسمى التواصل الإقليمي بين البؤر الاستيطانية ومستوطنة كريات أربع حيث لا يستطيع المواطن الفلسطيني استخدام هذه الشوارع والأسواق لقضاء مهماته وحاجياته كما كان سابقاً.

كما تمنع سلطات الاحتلال المصلين من التوجه لأداء الصلاة في أكثر من 20 مسجدا في البلدة القديمة أثناء عمليات الإغلاق فيم تم إغلاق عدد منها إغلاقاً تاماً كما حدث مع مسجد الأقطاب داخل السوق القديم.

لا مجال للتعايش:

أصبح هناك عداء شخصي بين المواطنين الفلسطينيين والمستوطنين في البلدة القديمة في الخليل، فالمواطن الذي أغلق محله التجاري أو آخر هدم منزله أو أصيب في اعتداءات المستوطنين يعرف من هو المستوطن الذي فعل ذلك به المستوطنين وذلك بسبب قلة عدد المستوطنين وكثرة اعتداءاتهم أصبحت وجوههم مألوفة لدى الفلسطينيين فالمواطن الفلسطيني الذي يعيش في البلدة القديمة أو يعمل بها على مدى عشرات السنين يعرف تماماً وجوه المستوطنين الذين سكنوا فيها منذ سنوات، وعدد المستوطنين في الخليل لا يتعدى (400) مستوطناً بينما يبلغ عدد الفلسطينيين في البلدة القديمة والأحياء المحيطة بها أكثر من (160) ألف فلسطيني.

ويقوم المستوطنين خلال حالات الإغلاق للبلدة بإحراق المحالات التجارية وأحياناً نهبها، وإذا ساد شيء من الهدوء وفتح الفلسطينيين أبواب محلاتهم يقوم المستوطنين والجيش بأعمال استفزاز واعتقال لمن يدخلون إلى البلدة القديمة بهدف التسوق أو التجول.

وقبل عدة أيام هدمت سلطات الاحتلال منزلين بالقرب من الحرم الإبراهيمي الشريف وقبل ذلك استولت على قطعة أرض في نفس المنطقة، وبين الحين والأخر يستولي المستوطنين على منازل كان أهلها الفلسطينيين قد هجروها بسبب استفزازات المستوطنين.

  • 0
  • 0
  • 1,753

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً