صور من قيام السلف الصالح رحمهم الله تعالى
رياح بن عمرو القَيْسي، تابعيٌّ جليل، تزوج امرأة يقال لها: (ذؤابة)، فلما جاء النهار أراد أن يختبرَها، فقامت تعجن عجينَها، فقال: "أُحضِر لك أَمَة"، قالت: "أنا تزوجتُ رياحًا، وما تزوجتُ جبارًا عنيدًا"، فلما جاء الليلُ تناوَم رياح، فقامت ربعَ الليل، فقالت: "يا رياحُ، قُمْ"، فقال: "أقوم"، وظل نائمًا، فقامت الربع الثاني وقالت: "يا رياح، قُمْ"، فقال: "أقوم"، فمضى الربع الثالث، فقالت: "يا رياح، قُمْ"، فقال: "أقوم"، فدخل الربعُ الرابع، فقالت: "يا رياح، قد عسكَر المعسكرون، وفاز المحسنون، يا ليت شِعري، مَن غرَّني بك"، وكانت إذا دخل الليلُ في أجمل هيئة، فإذا كان له بها حاجة أصابها، ثم تفرغا لعبادة الله تعالى.
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
عن أنس رضي الله عنه قال: "دخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم المسجدَ فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال: « »، فقالوا: "هذا حبلٌ لزينبَ تطرد عن نفسها النُّعاس"، فقال: « »" (متفق عليه).
ومن هذا الحديث يتبين لنا مدى الاجتهاد الذي كان عليه السلفُ الصالح؛ فهذه أم المؤمنين زينب تربط حبلاً بين عمودينِ من أعمدة المسجد، وتقيم الليل، فإذا غلَبها النُّعاس قامت فتعلقت في هذا الحبل لتطردَ عن نفسها النُّعاس.
- وعن عبدالله بن قيس قال: "دخلتُ على أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها فقالت: "يا عبدالله، لا تدَعْ قيام الليل؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يدَعُه، وكان إذا مرض أو كسِل صلَّى وهو قاعد" (رواه أبو داود بإسناد صحيح).
- وعنه أيضًا أنه سأل عائشة رضي الله تعالى عنها: "هل كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يجهَرُ أم يُسِر في قيام الليل؟ قالت: كلَّ ذلك فعَل" (رواه الحاكم في المستدرك بسند صحيح)
- وفي مستدرَك الحاكم بسند صحيح أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ على أبي بكر وهو يتهجَّد خافضًا صوته، ثم مر بعمر وهو قائم يرفع صوتَه، فسأل أبا بكر فقال: "يا رسول الله، لقد أسمعتُ من ناجَيْتُ"K وسأل عمرَ فقال: "لأطردَ الشيطان، وأوقظَ الوَسْنانَ -يعني النائم-"، فقال لأبي بكر: « »، وقال لعمر: « ».
- وفي موطأ مالك عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كان عمرُ يصلِّي في الليل، حتى إذا كان من آخرِ الليل أيقَظ أهلَه وقرَأ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132].
- وفي صحيح البخاري ومسند أحمد عن أبي عثمانَ النَّهدي قال: "تضيَّفتُ أبا هريرة سبعةَ أيام -أي نزلت ضيفًا عليه- فكان هو وزوجُه وخادمُه يقتسمون الليل أثلاثًا، الزوجة ثلثًا، وخادمه ثلثًا، وأبو هريرة ثلثًا".
- وفي تذكرة الحفَّاظ للذهبي أن سليمان التيميَّ كان عنده زوجتانِ، كانوا يقتسمون الليلَ أثلاثًا.
- الحسن بن صالح -وهو من رِجال مُسلِم- كان يقتسم الليلَ هو وأخوه وأمُّه أثلاثًا، فماتت أمُّه، فاقتسم الليلَ هو وأخوه عليٌّ، فمات أخوه، فقام الليلَ بنفسه.
- الحسن بن صالح كان عنده جاريةٌ فباعها، فأيقظتهم في الليل، فقالوا: "أسفرنا؟ -يعني طلع الفجر-"، فقالت: "لا، ألا تتهجدونَ؟"، فقالوا: "لا نقومُ إلا إلى صلاة الفجر"، فجاءت إلى الحسن تبكي وتقول: "رُدَّني، لقد بِعْتَني لأناس لا يصلُّون إلا الفريضة"، فردَّها.
- محمد بن واسع كان إذا جنَّ عليه الليلُ يقوم ويتهجد، يقول أهله: "كان حاله كحال مَن قتَل أهل الدنيا جميعًا".
- أبو سليمانَ الدَّاراني يقول: "والله لولا قيام الليل ما أحببتُ الدنيا، ووالله إن أهلَ الليل في ليلِهم ألذُّ من أهلِ اللهو في لهوهم، وإنه لتمرُّ بالقلب ساعاتٌ يرقص فيها طربًا بذكر الله، فأقول: إنْ كان أهلُ الجنة في مِثل ما أنا فيه من النعيم، إنهم لفي نَعيم عظيم".
- رياح بن عمرو القَيْسي، تابعيٌّ جليل، تزوج امرأة يقال لها: (ذؤابة)، فلما جاء النهار أراد أن يختبرَها، فقامت تعجن عجينَها، فقال: "أُحضِر لك أَمَة"، قالت: "أنا تزوجتُ رياحًا، وما تزوجتُ جبارًا عنيدًا"، فلما جاء الليلُ تناوَم رياح، فقامت ربعَ الليل، فقالت: "يا رياحُ، قُمْ"، فقال: "أقوم"، وظل نائمًا، فقامت الربع الثاني وقالت: "يا رياح، قُمْ"، فقال: "أقوم"، فمضى الربع الثالث، فقالت: "يا رياح، قُمْ"، فقال: "أقوم"، فدخل الربعُ الرابع، فقالت: "يا رياح، قد عسكَر المعسكرون، وفاز المحسنون، يا ليت شِعري، مَن غرَّني بك"، وكانت إذا دخل الليلُ في أجمل هيئة، فإذا كان له بها حاجة أصابها، ثم تفرغا لعبادة الله تعالى.
- أبو إسحاق الشيرازي، كان إذا جاءه الليل يقومُ ويناجي ربه ويقول:
لبستُ ثوب الرجا والناسُ قد رقدوا وقمتُ أشكو إلى مولايَ ما أجدُ
وقلت: يا عدَّتي في كل نائبة ومَن عليه في كشف الضرِّ أعتمدُ
أشكو إليك أمورًا أنتَ تعلمها ما لي على حَمْلِها صبرٌ ولا جَلَدُ
وقد مددتُ يدي بالذل معترفًا إليك، يا خيرَ من مُدَّت إليه يدُ
فلا تردَّنها يا ربُّ خائبةً فبحرُ جُودِك يروي كلَّ مَن يرِدُ
يردِّده ويبكي.
- رُوِي أن مالك بن دينار بات ليلة يردِّد هذه الآيةَ حتى أصبح {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الجاثية من الآية:21].
- عن زائدة قال: صليتُ مع أبي حنيفة في مسجدِ عشاءَ الآخرة، وخرج الناس ولم يعلم أني في المسجد، وأردتُ أن أسأله عن مسألة من حيث لا يراني أحدٌ، فقام فقرأ وقد افتتح الصلاةَ حتى بلغ هذه الآية: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:27]، فأقمتُ في المسجد أنتظر فراغه، فلم يزَلْ يردِّدُها حتى أذَّن المؤذن لصلاة الفجر.
- التصنيف:
- المصدر: