اللغة والبيان: آلة التبليغ
كم من صاحب دعوة وعالم بالحق لم يحسن إيصاله للناس فضاعت جهوده هدراً.. بسبب ضعف الآلة التي يمتلكها وهي اللغة والبيان والبلاغة.
كم من صاحب دعوة وعالم بالحق لم يحسن إيصاله للناس فضاعت جهوده هدراً.. بسبب ضعف الآلة التي يمتلكها وهي اللغة والبيان والبلاغة.
يقول أبو هلال العسكري: "أنَّ أحقَّ العلوم بالتعلُّم، وأولاها بالتحفُّظ -بعد المعرفة بالله جلَّ ثناؤه- علم البَلَاغة، ومعرفة الفَصَاحة، الذي به يُعرف إعجاز كتاب الله تعالى، النَّاطق بالحقِّ، الهادي إلى سبيل الرَّشد، المدلول به على صدق الرسالة وصحَّة النُّبوَّة، التي رفعت أعلام الحقِّ، وأقامت منار الدِّين، وأزالت شبه الكفر ببراهينها، وهتكت حُجُب الشكِّ بيقينها..
وقد علمنا أنَّ الإنسان إذا أغفل علم البَلَاغة، وأخلَّ بمعرفة الفَصَاحة، لم يقع علمه بإعجاز القرآن من جهة ما خصَّه الله به من حُسْن التأليف، وبراعة التَّركيب، وما شَحَنه به من الإيجاز البديع، والاختصار اللَّطيف؛ وضمَّنَه من الحلاوة، وجلَّله من رَوْنَق الطَّلاوة، مع سهولة كَلِمِه وجزالتها، وعذوبتها وسلاستها، إلى غير ذلك من محاسنه التي عجز الخلق عنها، وتحيَّرت عقولهم فيها..." (الصناعتين:الكتابة والشعر:1-2).
وكم من صاحب حق ضاع حقه بسبب ضعف الحجة والبيان..
قال المناوي في شرح حديث: « » (رواه البخاري:680، ومسلم:1713)، قال: "أَلْحَن -بفتح الحاء-: الفَطانَة، أي: أبْلغ وأفْصح، وأعلم في تقرير مقصوده، وأفْطن ببيان دليله، وأقدر على البَرْهنة على دفع دعوى خصمه، بحيث يُظنُّ أنَّ الحقَّ معه" (فيض القدير:2/564).
فالفَصِيح أقدر وأجدر في الدِّفاع عن حقِّه، وانتزاعه من المعتدين، وذلك إذا كان الميدان ميدان حِجَاج وكلام.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ذمَّ من كانت بلاغته وبيانه سببًا في أن يُقضى له بما ليس له بحق، فلا شك أنَّ هذه الفصاحة والبلاغة إذا أدت إلى الوصول للحق تكون حينئذ محمودة، وإلا كانت مذموم
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: