الرهاب الإسلامي بين الحقيقة والادعاء

منذ 2015-01-14

العداء للإسلام ليس وليد الظرف التاريخي الحالي، بل للأمر جذوره التي تضرب بقوة في أعماق تاريخ العلاقة بين الإسلام وخصومه، وحروب الإمبراطوريات القديمة (كفارس والروم) شاهدة على تأزم هذا الموقف منذ البداية، وحينها لم يكن هناك إرهاب أو عنف كما يدعي المدعون اليوم لتبرير العداء الغربي للإسلام

لم تكد شمس الإسلام تسطع على ربوع الأرض إلا وكان لمناوئيه مواقفهم الحازمة في ضرورة مواجهة هذا الدين الجديد، والعمل على وقف تمدده؛ ذلك التمدد الذي تحول إلى ظاهرة وقوة تهدد -بلا شك- سلطانهم وهيمنتهم، وتناقض ما هم عليه من عقائد وأعراف، فالهيمنة الإسلامية والمنهج التشريعي الذي جاء به الإسلام كانا لهما أعظم الأثر في تكالب الأعداء وتكتلهم، وإصرارهم على مواجهة الإسلام وتقويض دعائم قوته التي تتمثل في القرآن الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكل ما يقوم عليه أمر التشريع الإسلامي.

إذًا فالعداء للإسلام ليس وليد الظرف التاريخي الحالي، بل للأمر جذوره التي تضرب بقوة في أعماق تاريخ العلاقة بين الإسلام وخصومه، وحروب الإمبراطوريات القديمة (كفارس والروم) شاهدة على تأزم هذا الموقف منذ البداية، وحينها لم يكن هناك إرهاب أو عنف كما يدعي المدعون اليوم لتبرير العداء الغربي للإسلام.

والفوبيا أو الرهاب في الأساس مرض نفسي ينتج جراء خوف غير عقلاني في شدته أو ماهيته، وفي بعض الحالات يصاحب الإنسان بحيث يصير مكوناً أساسياً من مكونات شخصيته، وفي هذه الحالة يتحول من مرض إلى طبع وسجية وطبيعة ومكون أساسي من المكونات النفسية للإنسان، ويتبدى هذا بشكل قوي في ظاهرة الخوف من الإسلام، أو ما يعرف إعلامياً بـ(فوبيا الإسلام) أو (الإسلاموفوبيا) أو (الرهاب الإسلامي)، والتي تعني -بشكل عام- كره الغربيين للإسلام وخوفهم منه.

وقبل الدخول في الحديث عن هذه الظاهرة نتوقف قليلاً عند مصطلح (الإسلاموفوبيا)، فالمصطلح يشير ظاهرياً إلى كره الغربيين للإسلام وخوفهم منه، لكنه من ناحية أخرى يعني أن الإسلام هو فوبيا (Islam Is a phobia)، أو الإسلام بصفته فوبيا (Islam AS a phobia) أي: هو ذلك الإسلام الكريه البغيض الناتج عن التمثّل، لا الإسلام الواقعي الذي يكون شعور الغربي تجاهه شعوراً طبيعياً ومنطقياً، وليس شعوراً مرضياً أو توجسياً (ينظر: صناعة الآخر، المسلم في الفكر الغربي المعاصر من الاستشراق إلى الإسلاموفوبيا، المبروك الشيباني المنصوري: (ص:247).

ويندرج هذا الرهاب تحت بند (xenophobia)؛ ويعني في الاصطلاح الطبي النفسي: الخوف من الأجانب والغرباء، وهذا الخوف يتولد عنه كره لهؤلاء الأجانب أو الغرباء وتكوين صورة سلبية غير حقيقية عنهم، نتيجة تخييلات يصنعها عقل الإنسان، أو تتولد نتيجة عوامل خارجية، أو ربما يكون السبب في هذا الخوف نابعاً بسبب سلوكيات مريبة لدى هؤلاء الغرباء، وفي الموقف الغربي من الإسلام والمسلمين تشابهاً كبيراً مع هذا النوع من الرهاب النفسي.

ويتمظهر الخوف من الإسلام والعداء للمسلمين في ظواهر عدة، منها التشويه المبالغ فيه والمتعمد لصورة المسلم والعربي داخل المجتمع الغربي، والإقصاء للكفاءات التي تتسم بالتدين أو يبدو عليها أية مظاهر إسلامية، ومن مظاهر العداء للإسلام الربط بينه وبين ظاهرة الإرهاب، وتصوير كل مسلم على أنه قنبلة موقوتة، وتصوير الإسلام على أنه دين دموي يدعو إلى التطرف والعنف، إلى جانب ذلك أدت ظاهرة الإسلاموفوبيا إلى حرمان المسلمين في مختلف البلدان الغربية من كثير من حقوقهم، والتضييق عليهم، والتعامل معهم بعنصرية تامة.

"هذا ولا تعد تلك الظاهرة حكراً على مجال العلاقات بين الإسلام والغرب كما يتبادر إلى الذهن، بل إنها تمتد لتطال رقعة العالم الإسلامي نفسه أيضاً، إذ إن الخوف المرضي من الإسلام قد نشأت في الأصل بين أوساط العرب واليهود في جزيرة العرب، وثمَّة من المؤشرات ما يؤكد استمرار حضورها على ساحة الأرض العربية والإسلامية حتى الآن" (ظاهرة الإسلاموفوبيا، قراءة تحليلية: عبد المعطي زكي، ص:1).

فعلى مستوى العلاقات بين المسلمين وبين غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى نرى توجساً ملحوظاً، ويظهر ذلك من خلال الخطاب الإعلامي والديني المتعصب، فعلى سبيل المثال نقول: إن الخطاب الإعلامي والديني النصراني في بلدان العالم الإسلامي يكاد لا يختلف كثيرًا عن نظيره في الغرب، بل لا نكون مبالغين إن قلنا أن الخطاب الإعلامي الغربي تابع في كثير من نظرياته وآرائه للخطاب النصراني (ولخطابات باقي الأقليات) في البلدان الإسلامية والعربية.

إضافة إلى ما سبق فقد ظهر عنصر جديد من عناصر الصدام مع الإسلام، ويتمثل ذلك في التيار المناوئ للتيارات والجماعات الإسلامية ولدعاة الإسلام بصفة عامة، وهو تيار في غالبه ينتمي إلى العلمانية والليبرالية كأيدلوجية وإن كان يدين بالإسلام، إلى جانب قطاع يبحث عن المصلحة وإن جاءت على حساب المعتقد والدين، وهذا التيار بشقيه هو التيار الأحدث في هذه الساحة، وهو الأخطر من حيث فاعليته وتأثيره، لما له من تأثيرات سلبية مباشرة بالواقع الإسلامي، وقد تتم هذه التأثيرات بأيدي إسلامية وباسم الإسلام ذاته، وهو تيار تأثيري فعلي أكثر منه دعائي، وعلى يد هذا التيار عُلمنت المناهج الدراسية في غالب الدول الإسلامية، وعلى يديه أيضاً حُورب كثير من الثوابت الإسلامية وعلي يديه استبدلت الدساتير الإسلامية بأخرى علمانية غربية.

إن لظاهرة الإسلاموفوبيا عاملين أساسيين ساعدا في نشأتها بحسب ما كُتب عن هذه الظاهرة من دراسات..
أما العامل الأول: فيتمثل في سلوكيات المسلمين، خاصة فيما يخص حوادث التفجير والقتل التي تمت في عدد من الدول الغربية، فبغض النظر عن حقيقة هذه التفجيرات، وهوية من ورائها وهدفه، فهي في الأخير تنسب إلى مسلمين، والعقل الغربي عقل تعميمي خاصة فيما يخص الإسلام، والإعلام الغربي بعيد كل البعد عن الموضوعية، يتلقف الحوادث الفردية -على فرض صحتها-، ثم يقوم بإعادتها وتصوريها للمتلقي الغربي على أنها ظاهرة وكون أساسي من مكونات الشخصية المسلمة.

أما العامل الثاني من عوامل الخوف الغربي من الإسلامي، فـ: "هو انعكاس لمشاعر سلبية عميقة مدفونة في وعي المواطن الغربي ضد الإسلام والمسلمين، وتعبير عن تحيز تاريخي وثقافي ضد الإسلام كدين وضد المسلمين وحضارتهم" (الإسلاموفوبـيا كمظهر لجنون العظمة الغــربي، د. محمد احمد النابلسي)، فهو استعلاء ديني وحضاري نابع من المخزون الديني الغربي قبل المخزون الحضاري والثقافي، ولعل العامل الديني يكون هو الأوضح في هذه الآونة، خاصة بعد حالة التطور الحضاري والتقني الحاضرة في دول الغرب مقابل حالة التردي والتأخر في بلدان العالم الإسلامي.

فبالرغم من اتشاح الغرب بوشاح العلمانية حيناً والليبرالية حيناً آخر -إلى غير ذلك من الفلسفات المادية- إلا أن للتأثيرين المسيحي واليهودي أثرهما الظاهر في تسيير السياسات الخاصة بالشرق الأوسط -دول العالم الإسلامي-، وإدارة ملف الخلافات والصراع.

ولهذا يضطلع اليمين المتطرف في غالب الدول الغربية بدور كبير في تحفيز الغرب تجاه السياسات العنصرية ضد الإسلام والمسلمين، بل لا تكاد تجد لهذا اليمين عملاً إلا ما يخص معاداة الإسلام وتشويه صورة المسلمين، والسعي لاستصدار القوانين والسياسات العنصرية الرامية إلى إنهاء الوجود الإسلامي لا في الغرب فحسب بل في العالم كله.

وربما كان من الجائز القول: "إن هناك علاقة طردية بين ازدياد المخاوف الغربية من الإسلام، وتصاعد وتيرة الأنشطة التنصيرية التي يلجأ إليها، وكأن في السعي إلى تنصير المسلمين وإدخالهم في (المحبة المسيحية)، شكلاً من أشكال الحيل الدفاعية للتعويض عن كراهيتهم! فعلى سبيل المثال، وقبل أن يمضي وقت طويل على جفاف حبر المعاهدة التي وقعتها مملكة إسبانيا مع الأمير (أبو عبد الله الأحمر) آخر أمراء غرناطة سنة 897هـ، تم إنشاء ما عرفت تاريخياً بمحاكم التفتيش، التي تورطت باقتراف كثير من الفظائع والمجازر بغية إجبار المسلمين على ترك دينهم واعتناق الديانة المسيحية" (ظــاهــرة الإســـلامــوفــوبيـــا قـــراءة تحليليـــة: خالد سليمان).

فالعامل (الديني الحضاري) هو العامل الأكثر فاعلية في منظومة العداء الغربي للإسلام، أما غيره من العوامل فيأتي في المرتبة الثانية، لهذا نستطيع القول: إن مسألة العداء للإسلام مسألة حتمية لن يستطيع الغربي التخلي عنها طالما كان متمسكاً بمعتقد ما، سيما إذا كان لهذا المعتقد سجالات قديمة ومناوشات مع الإسلام والمسلمين لقرون مضت، فليس الأمر مقتصرًا على بعض الأسباب الطارئة الحديثة، أو الاختلافات في وجهات النظر أو حول بعض الأمور الفكرية أو السلوكية أو حتى العقدية.

ومع ذلك نحن في حاجة ماسة إلى العمل بشكل دؤوب على إعادة تأهيل المجتمع الغربي لاستقبال تصور جديد إيجابي عن الإسلام والمسلمين، ولن يتأتى ذلك إلا باتباع ذات الأسلوب المتبع مع مرضى الفوبيا، وذلك بتعريض المريض لمسببات الفوبيا له، بحيث يدرك أن مخاوفه غير منطقية وغير معقولة، وفي حالتنا هذه علينا تقديم إسلامنا في صورته الصحيحة، مع بيان كذب ما يشاع عنه وما يلصق به من ادعاءات. 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

رمضان الغنام

كاتب إسلامي مصري التحصيل العلمي: "باحث بالدكتوراه"، تخصص الدراسات الإسلامية، جامعة طنطا.

  • 4
  • 0
  • 5,805
  • fnon

      منذ
    http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1137-2015-01-08-07-01-39 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1138-2015-01-11-08-19-15 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1138-2015-01-11-08-19-15 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1138-2015-01-11-08-19-15 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1133-2015-01-05-13-07-06 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1134-2015-01-06-08-00-14 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1131-2015-01-05-12-01-29 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1132-2015-01-05-12-36-16 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1130-2015-01-04-21-33-51 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1129-icdl http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1127-2015-01-01-11-57-17 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1128-2015-01-04-11-25-15 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1121-2014-12-22-11-18-32 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1126-2015-01-01-11-33-47 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1124-2014-12-22-11-49-25 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1120-2014-12-21-12-34-44 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1123-2014-12-22-11-29-08 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1125-2014-12-22-13-55-26 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1119-2014-12-18-11-18-22 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1122-2014-12-22-11-24-09 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1117-2014-12-18-08-30-57 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1118-2015-2014 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1113-2014-12-18-08-29-31 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1114-2014-12-18-08-30-04 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1111-2014-12-18-08-28-55 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1112-2014-12-18-08-29-08 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1109-2014-12-18-08-28-18 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1110-2014-12-18-08-28-39 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1107-2014-12-18-08-27-44 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1108-2014-12-18-08-28-00 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1105-2014-12-18-08-26-48 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1106-2014-12-18-08-27-19 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1103-2014-12-18-08-26-08 http://www.fapa.bu.edu.eg/fapa/index.php/latest-news/item/1104-2014-12-18-08-26-32

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً