الحمرة الغائبة

منذ 2015-01-16

غزا مجتمعنا ألوان من الغبش: غبشٌ أخلاقي، واجتماعي، وعلمي، وديني. وأصبح الناس في حيرة من أمرهم، واختلط عندهم القيم بالمرذول، والحسن بالقبيح، والنافع بالضار، والصالح بالطالح هكذا، حتى أن الصورة أصبحت لصاحب الفطرة السليمة تبدو سرابًا، وأصبحت الحياة ثوبًا فضفضًا متسخًا بجميع أنواع الغبش.

غزا مجتمعنا ألوان من الغبش: غبشٌ أخلاقي، واجتماعي، وعلمي، وديني. وأصبح الناس في حيرة من أمرهم، واختلط عندهم القيم بالمرذول، والحسن بالقبيح، والنافع بالضار، والصالح بالطالح هكذا، حتى أن الصورة أصبحت لصاحب الفطرة السليمة تبدو سرابًا، وأصبحت الحياة ثوبًا فضفضًا متسخًا بجميع أنواع الغبش.

وتبدو ملامح الغبش الديني في تلك الرؤى والاجتهادات غير المتوافقة مع كتاب ربنا وسنة نبينا بتعلة العصر والواقع فظهر من بيننا دعاة على أبواب جهنم يحلون الحرام، ويحرمون الحلال، من: مبيح خمر، وداعي قبلة، وهادم سنة، وداعي بدعة... إلخ. 

وهكذا يطرحون قضاياهم بحجة تجديد الخطاب الديني، أيُّ تجديد هذا؟! لا تجديد مع وجود نص، وكما أن فهم النص مقيد بفهم النبي صل الله عليه وسلم، ومقيد بفهم سلفنا، ثم بإجماع علمائنا، والأمة لا تجتمع على ضلالة، وكما هو معلوم أن الاجتهاد مباح وضروري، ومعلوم أيضًا أنه لا اجتهاد مع وجود نص. ومن مظاهر الغبش الديني أيضًا: تمييع بعض الأمور والثوابت بحجة الواقع، والتنازل عن الثوابت بدعوى التعايش، مع العلم أن الطرف الآخر لا يتنازل عن ثابت من ثوابته قيد أنملة.

ومن مظاهره أيضًا: 

التطرف في الفهم فهذا يكفر، وهذا يبدع، وهذا ينفِّق.... والغبش الأخلاقي معاين ومعايش في كل مكان وزمان فهو في دار دار و"زنجة زنجة"، فالاحترام، والنبل، والعفة قيم تبدو شاذة في نظر البعض، والتفريط في تلك القيم أمرًا عاديًا عند البعض، واللا هكذا شاذ، فالتبرج تقدم، والسافرة متحررة، والمختمرة والمنتقبة رجعية وتقليد للسعوديات والخليجيات. ألا يعلم هؤلاء أن ذلك اللباس هو قمة الرقى البشري، فالإنسان نشأ نشأة بدائية، وكان يستر جسده وعورته بلباس رقيق ومع تطور الزمن بدأ يكتشف ويخترع الملابس التي تستره وهكذا إلى أن وصل إلى عصر الإسلام الذي وصل فيه الإنسان إلى قمة الرقى والستر.

فالمرأة المختمرة والمنتقبة وصلت في عصرنا بهذا اللباس إلى قمة الطهر والستر، ومن يدعون إلى غير ذلك يريدون أن نرجع إلى عصر البدائية هذا رأي. وأما الغبش الاجتماعي فيبدو في تغير المفاهيم عند البعض وسأختار نموذجًا اجتماعيًا وهو اختيار الزوجة والزوج.

فبعض الفتيات قد أصابهن مرض التقليد الأعمى، واللاتفريق بين الغيور والديوث؛ فتلك ترفض لبس النقاب عندما طلب منها خطيبها فترد عليه بأنها لن تلبسه دون أن تبدي أسبابًا لرفضها، وعندما يخبرها بأنه يراها جوهرة يريد أن يخبيئها عن الناس وعن النظرات الجائعة تقول له: المحترم لا يخاف من نظر الناس إلى زوجته. 

وهذا شاب يفسخ خطوبته؛ لأن مخطوبته رفضت أن تخلع الحجاب وتتبرج. وهذا يريد أن يرتبط بفتاة عن طريق الهاتف والخروجات فلما رفضت ذلك أحجم. أليس ذلك غبش؟! وعدم وضوح رؤية بين العفيفة المحترمة وبين المنحرفة الطالحة، فمثل تلك الفتاة تقدر وتحترم ويعرف من وقتها إنها نعم الزوجة الصالحة.

وأما الغبش العلمي فيبدو في تلك الصرخات والتقاتل الرهيب على فصلية الدين عن العلم، وهذا أراه بحكم دراستي في قسم الدراسات الأدبية وبخاصة في مجال البلاغة والنقد.

فهناك من يرون ضرورة فصل الدين عن الأدب وعن النقد وهكذا بحجة الإبداع أيُّ إبداع هذا أذكر الألفاظ الفاحشة والكلام عن الإباحية إبداعًا؟! إذا سلمنا بقولهم إذن فمن لا يتكلم في تلك الأمور ولا يتبذَّئ فهو ليس بمبدع. وكأن الدنيا ضاقت والإبداع أصبح محصورًا فيما يرونه متناسين أن السمين يبقى والغث يتلاشى.

ولا يدركوا أن دعوتنا إلى أخلاقية الأدب والوقوف ضد دعوة ومنهج أصحاب الفن للفن هو من أجل أن لنا دينًا وشرعًا يحكمنا، وأن الأدب الراقي هو من يثير المشاعر النظيفة لا المريضة، وأن الله هو من سيسأل ذلك الأديب وذلك الناقد عن رؤاه وطرحه؛ لأن من يؤيد الفصل يشجع بذلك الكاتب على التّأَبُح وأنه على صواب؛لأن ذلك الكاتب إذا علم بأنه غير مرغوب في منهجه وطريقة كتابته بالتأكيد سيتوقف أما نبين له أن هذا إبداعًا فتلك بلية.

وأيُّ إبداعًا ذلك الذي يكتب عن العلاقات الفطرية بين الرجل والمرأة، ألا يعلم أنه بذلك يجعل المخلوقات الأخرى تضحك علينا؛ كالكلاب والقرود؛ لأنهم يعلمون تلك الأمور. الولد يخرج من بطن أمه ويلتقم ثيديها بفطرة هكذا العلاقة فطرة ومغروثة في كل المخلوقات. وهذا سؤال لمن يؤيدون الفصل. منهج الفن للفن منهج من نواتج العلمانية. والدعوة إلى أخلاقية الأدب منهج بالأساس إسلامي بإلاضافة إلى الإرهاصات الأولى التي بدت عند أرسطو وبعض الكتاب الغربيين.

نحن عندنا من يدعون إلى تكريس الفصل ومتأثرين في ذلك بالمناهج الغربية إذن أريد منكم أن تأتوا لي بكاتب غربي يدعو إلى أخلاقية الأدب بإرجاعها إلى أنها دعوة إسلامية؟! 

وهذا غيض من فيض، ومحاولة لتصوير المرض المستشري في مجتمعنا وفي نواحي حياتنا المختلفة.... 

ونسأل الله إصلاح الحال..

  • 0
  • 0
  • 922

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً