مَثَل شارلي إيبدو في القرآن

منذ 2015-01-17

يقول الشعراوي: "فبعد أنْ قال له: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}، وبعد أن ثبت لكل مَنْ عاش تلك الفترة أن كل مُستهزىء بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قد ناله عقاب من السماء، فها هو ذا الوليد بن المغيرة الذي يتبختَّر في ثيابه؛ فيسير على قطعة من الحديد، فيأنَفُ أن ينحنيَ لِيُخلّص ثوبه الذي اشتبك بقطعة الحديد؛ فتُجرح قدمه وتُصاب بالغرغرينا ويقطعونها له، ثم تنتشر الغرغرينا في كُلِّ جسده إلي أنْ يموتَ، وها هو الثاني الأسود بن عبد يغوث يُصاب بمرض في عينيه ويُصاب بالعمَى، وكذلك الحارث بن الطلاطلة، والعاصي بن وائل، وكل مستهزىء برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قد ناله عقابٌ ما، ومَنْ لم تُصِبْه عاهة أو آفة صرعتْه سيوف المسلمين في بدر.."

نعت الله تعالى رسامي شارلي إيبدو بالمجرمين الذين يستهزءون بمن يدعو إلى ترك ما ألفوه من الرذائل والخبائث الغارقون فيها، والمجرم هو من ارتكب إثمًا كبيرًا يستحق عليه العقوبة، وهل هناك جرم أكبر من الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم؟!


وبجرمهم هذا جرت عليهم سنة من سنن الله تعالى في سلك الحق وعرض نور الرسالة الساطع على قلوب المجرمين المظلمة بالشهوات والأحقاد، فيستقبلون هذا النور استقبال الخفافيش التي لا تعيش إلا في الظلام الدامس، وتطفح أقلامهم بما في صدورهم مستهزئين بالنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، وما ذلك إلا سخطٌ من الله عليهم، فلو أراد بهم خيرًا لهداهم.

قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ . وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ . كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ . لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِين} [الحجر:10-13]، فقد ختم الله على قلوب رسامي شارلي ايبدو ومن حذا حذوهم، وطمس على بصائرهم يقول الله فيهم: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ . لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر:14-15].

يقول الإمام الطبري: "القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ} [الأنعام:10]، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم مسليًا عنه بوعيده المستهزئين به عقوبة ما يلقى منهم من أذى الاستهزاء به والاستخفاف في ذات الله: هون عليك يا محمد ما أنت لاق من هؤلاء المستهزئين بك المستخفين بحقك في وفي طاعتي، وامض لما أمرتك به من الدعاء إلى توحيدي والإقرار بي والإذعان لطاعتي، فإنهم إن تمادوا في غيهم وأصروا على المقام على كفرهم، نسلك بهم سبيل أسلافهم من سائر الأمم غيرهم، من تعجيل النقمة لهم وحلول المثلات بهم، فقد استهزأت أمم من قبلك برسل أرسلتهم إليهم بمثل الذي أرسلتك به إلى قومك، وفعلوا مثل فعل قومك بك، {فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ}، يعني بقوله: {فَحَاقَ} فنزل وأحاط بالذين هزئوا برسلهم".

و{مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ} [الشعراء:6]، يقول: العذاب الذي كانوا يهزأون به وينكرون أن يكون واقعًا، وما سلك مجرمو الغرب هذا المسلك إلا بعد أن أدركوا أن نور شمس النبوة لا تستطيع حيلهم وأسلحتهم أن تحجبه عن العالمين، فقد تنبأ بعض المؤرخين والباحثين بأسلمة بعض الدول الأوروبية في غضون عقود معدودة، نظرًا للازدياد المطرد في تعداد المسلمين هناك، ومن ثم فمسلك السخرية والازدراء دليل على إفلاس حججهم وبطلان حيلهم، {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} [إبراهيم من الآية:9]، وهذا حالهم عندما ينفردون بأنفسهم: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} [آل عمران من الآية:119].

ونقول لهم مهما تكيدون! ومهما تحتالوا لحجب ضياء الحق، فسوف يكون عليكم حسرة، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال من الآية:36]، فقد كفاه الله إياكم {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر من الآية:95]، وانتقم له من أسلافكم كما سينتقم له منكم.

يقول الشعراوي: "فبعد أنْ قال له: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر من الآية:94]، وبعد أن ثبت لكل مَنْ عاش تلك الفترة أن كل مُستهزىء بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قد ناله عقاب من السماء، فها هو ذا الوليد بن المغيرة الذي يتبختَّر في ثيابه؛ فيسير على قطعة من الحديد، فيأنَفُ أن ينحنيَ لِيُخلّص ثوبه الذي اشتبك بقطعة الحديد؛ فتُجرح قدمه وتُصاب بالغرغرينا ويقطعونها له، ثم تنتشر الغرغرينا في كُلِّ جسده إلي أنْ يموتَ، وها هو الثاني الأسود بن عبد يغوث يُصاب بمرض في عينيه ويُصاب بالعمَى، وكذلك الحارث بن الطلاطلة، والعاصي بن وائل، وكل مستهزىء برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قد ناله عقابٌ ما، ومَنْ لم تُصِبْه عاهة أو آفة صرعتْه سيوف المسلمين في بدر، لدرجة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قد حدد المواقع التي سيلْقى فيها كل واحد من صناديد قريش حَتْفه؛ فقال: هنا مصرع فلان، وهناك مصرع فلان". 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

محمد سلامة الغنيمي

باحث بالأزهر الشريف

  • 6
  • 0
  • 2,744

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً