وصايا للشباب!
أيها الشاب الموفق: لتكن الحكمة والعقل رائدك وسبيلك لحياة طيبة، وعليك بالاسترشاد بنصائح العلماء، والمصلحين وأهل الخبرة والدراية، واجتنب أصحاب الانحراف والغواية.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالشباب هم عماد الأمة، وجيل المستقبل، منهم يتكون بناء الأمة، فمنهم ينشأ العلماء والموجهون، ومنهم ينشأ الجنود المجاهدون، ومنهم يكون القادة والصنّاع والمحترفون.
فإذا صلحوا قرّت بهم أعين آبائهم في الحياة، وبعد الممات.
فلقد كان لهم نصيب وافر الوصايا في القرآن والسنة النبوية.
فمنها ما قصه الله علينا من وصايا لقمان لابنه، التي مدحه الله عليها وذكرها في كتابه لتكون قدوة لنا.
وموجزها: الوصية بتوحيد الله - تعالى -، والحذر من الشرك، والظلم. والتذكير بالعناية بالصلاة. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والأمر بالصبر. والتحذير من الكبر والاختيال. والأمر بالقصد في كل الأمور حتى في المشي ورفع الصوت.
ـ فالوصية الأولى التحذير من الشرك. يقول الله - تعالى -: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
إنه لظلم عظيم أن يعرض الإنسان رغبته ورهبته إلى من لا يستحق ذلك ممن لا يملك نفعاً ولا ضراً. ويشرك بالله من لا ينفعه ولا يضره.
والإله الحق هو الله الذي لا إله إلا هو الخالق الرازق العليم القدير. الذي يعلم حاجات عباده، ويستجيب دعاءهم؛ فهو المستحق للتعظيم والخشية وحده لا شريك له، إليه المرجع والمصير.
ـ والوصية الثانية، بر الوالدين.
لقد خلق الله الإنسان من ضعف. حملته أمه، وأرضعته، وهو لا يملك من أمره شيئاً، وقام والداه على تربيته، والإحسان إليه في صغره، فوجب الإحسان إليهما وشكر معروفهما وبرهما. فكان من الوصية ببرهما قول الله - تعالى -: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
ـ ثم ذكّر لقمان ابنه بـمراقبة الله وخشيته، يقول الله -تعالى- عنه: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)، فالله لا تخفى عليه خافية من أعمال العباد ولو كانت مثقال حبة من خردل فإنه - تعالى -مطلع على نياتهم وأفعالهم؛ فليراقبوا علم الله وليحسنوا العمل، فإنه يراهم - تعالى -ويعلم ما يسرون وما يعلنون.
ثم بعد الأمر بتوحيد الله، والبر بالوالدين، والتذكير بخشية الله وعلمه، جاءت الوصية الرابعة:
ـ إقامة الصلاة والمحافظة عليها، مع الأمر بالمعروف، ودلالة الناس على الخير، والنهي عن الشر والمنكرات، والصبر على ذلك كله.
(يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).
فمتى أقمت صلاتك بأركانها وخشوعها وطمأنينتها وشروطها؛ فقد أقمت أهم أركان دينك بعد توحيد الله؛ وصلحت بذلك أمورك كلها، حين صلحت علاقتك وصلتك بالله -تعالى-.
وانظر مصداق ذلك في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم - حين قال: ((من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإن من يطلبه الله يدركه، فيكبه في نار جهنم))[مسلم/161/657، والترمذي وابن ماجه)].
والمراد بذمة الله، أي: عهده، فقد جعل الصلاة موجبة للأمان. أي: فلا تتركوا صلاة الصبح؛ فينتقض بذلك العهد الذي بينكم وبين ربكم فيطلبكم به. [ينظر تحفة الأحوذي].
فإذا حافظت على صلاة الصبح فهذا يدل على محافظتك على بقية الصلوات؛ فأنت بذلك في عهد الله وأمانه وحفظه، فلن تصيبك فتنة أو مكروه إلا بقدر الله وإذنه.
فلا تُخرِج نفسك أيها الشاب من حفظ الله ورعايته إلى العذاب والحرمان.
وتأمل البشارة النبوية التي يقول - صلى الله عليه وسلم - فيها: ((لن يلج النار أحـد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها)) يعني الفجر والعصر. [صحيح مسلم 213/634)].
ثم وصّى لقمان ابنه ـ بالرجولة والعزة والكرامة، فأمره بالبعد عن الكبر، وتصعير الخد للناس، والبطر والفخر.
ـ وأرشده إلى القصد في ذلك، والبعد عن سفاسف الأخلاق، قال الله على لسان لقمان في وصيته لابنه: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ).
فهذه جملة من الوصايا القيمة التي ذكرها الله في كتابه فيها الموعظة والأسوة.
أيها الشاب: إياك أن يستحوذ عليك الشيطان بغروره وخداعه؛ فإنك إن فعلت فإنه سيضلك ويرديك.
واحذر أن يجرفك تيار الشهوات، أو تقلد من لا يؤمن بالله و اليوم الآخر، واحذر قرناء السوء. وتذكر ((أن المرء مع من أحب))[البخاري ومسلم] وأن ((المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل))[سنن أبي داود والترمذي].
أيها الشاب الموفق: لتكن الحكمة والعقل رائدك وسبيلك لحياة طيبة، وعليك بالاسترشاد بنصائح العلماء، والمصلحين وأهل الخبرة والدراية، واجتنب أصحاب الانحراف والغواية.
واعلم أن لك في نبيك - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة. فقد أمرك بالخير، وأرشدك إلى الصلاح والعفاف والتقى. وقد كان - صلى الله عليه وسلم - اتقى الناس وأخشاهم لله - تعالى -، وأنصحهم وأبرهم للخلق. فاهتد بهديه؛ تفلح وترشد في الدنيا وتسعد في الآخرة.
نوّر قلبك يا بني بكتاب الله، رتله وتدبر آياته ومواعظه، واعمل بما فيه.
واستشعر المسئولية الملقاة عليك، فإنك رجل المستقبل، وغداً سوف تتحمل أعباء الدنيا والدين، وستحال إليك مسئوليتك في الحياة؛ فكن رجل عمل وشجاعة وكرم وعبادة.
يا شباب الإسلام: إن أردتم الخير والفلاح؛ فتمسكوا بهدي نبيكم -صلى الله عليه وسلم- وهدي أصحابه والتابعين؛ تسعدوا وتسعد بكم أمتكم، وتصدق فيكم الآمال. واعلموا أن العمر قصير، والشباب زائل، والله سائلكم عن ذلك. ففي الحديث: ((أنه لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم))[سنن الترمذي].
ويا أمل الأمة نـزهوا أنفسكم عن مواطن الفسق والفجور، وتوقوا موارد التهلكة والضلال، واحذروا الانسياق وراء الضالين، أو الاقتراب من حظيرتهم الفاسدة، وتذكروا أن النور معكم وبين أيدكم، هاهو ذا يتلألأ بين سطور آيات القرآن المجيد: "فإنه سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فإنكم لن تضلوا ما تمسكتم به أبداً"[ابن حبان واحمد والطبراني في الكبير وشعب الإيمان للبيهقي].
وفقكم الله لكل خير، وحفظكم من كل سوء، وجعلكم مباركين أينما كنتم...إنه سميع مجيب.!
محمد الشيخي
- التصنيف:
- المصدر: