السلبية الاجتماعية

منذ 2015-01-27

وقد وزع الإسلام المسؤوليات كُلٌّ بحسب طاقته، وعلى قدر موقعه الاجتماعي، بحيث لا يتخلف عنها أحد، فسلامة الجزء من سلامة الكل

نهى الإسلام عن السلبية المُفْضِية الى انتشار المنكر، وعموم الفساد، والبعد عن رحاب الايمان، وحياض الشريعة؛ التي تنظم حياة الناس، وتضبط علاقتهم بربهم، وتنظم علاقتهم وببني جنسهم، وبغيرهم من الأجناس الاخرى، وَحَثَّ على الإيجابية، والفاعلية الاجتماعية، وحذر بأشد العبارات وبأغلظ الألفاظ من السكوت عن المنكر، مهما قل ضرره!؛ «فليغيره بقلبه؛ وهو أضعف الايمان» (مسلم:49)، حتى لا تتحول بشاعة المنكر التي رسمها الإسلام فى قلوب المسلمين، وأجراها على ألسنتهم، وحرك بها جوارحهم، إلى ظاهرة مألوفة مستأنسة، فسلامة الجزء من سلامة الكل.

ويبدو ذلك جليًا واضحًا من خلال التصور الإسلامى للمجتمع، فهو يرى المجتمع أشبه بالسفينة التي تُسيرها الرياح في عرض البحر، مصير هذه السفينة معقود على جميع من هم فيها أو عليها؛ سواء بسواء، فإذا همّ فرد من أربابها بسوء ولم يأخذ الباقين أو بعضهم على يديه، هلكوا جميعًا بوبال ذلك السوء، وبسلبيتهم تجاهه، فسلامة الجزء من سلامة الكل.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أَنَّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا» (رواه البخاري)

وقد وزع الإسلام المسؤوليات كُلٌّ بحسب طاقته، وعلى قدر موقعه الاجتماعي، بحيث لا يتخلف عنها أحد، فسلامة الجزء من سلامة الكل «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وعبد الرجل (وفي طريق:والخادم/214) راعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ مسؤول عنه، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وهي مسؤولة»، سَمِعْتُ هَؤُلَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَحْسَبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «والرجل في مال أبيه»، «أَلَا كُلُّكُمْ راعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عن رعيته» (رواه البخارى؛ في الأدب المفرد؛ وصححه الألباني).

وهنا تبدو خطورة السلبية الاجتماعية وأثرها في فساد وزوال المجتمع بأسره! صالحه وفاسده، ويؤكد ذلك قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:25]، وقد لعن الله تعالى مجتمعات بني إسرائيل السالفة وصب عليهم غضبه وعقابه؛ لأنهم {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة:79]، بل كانوا يتولون الكافرين بدون إنكار لكفرهم، حرصًا على مصالحهم الدنيوية، فأزلهم الله بها، وضيقها عليهم، فسلامة الجزء من سلامة الكل.

ولكن هذه السنة الإلهية والحقيقة الكونية موقوفة على كثرة الخبث، وتنامي الضرر، واستطالة الاذى، حتى يألف الناس المنكر، ويتعودون الفساد، فعن زينب بنت جحش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يومًا فَزِعًا يقول: «لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» وحلق بأصبعيه: الإبهام والتي تليها، قالت زينب: فقلت: "يا رسول الله أفنهلك وفينا الصالحون؟" قال: «نعم إذا كثر الخبث» (متفق عليه).

وقد وعد الله نبيه ألا يهلك أمته بسنة عامة، أو بعذاب واصب يفنيها؛ كما فعل مع الأمم السابقة، وذلك إذا تخلى المسلمون عن الإيجابية الاجتماعية، «... وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوًا سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا ويسبي بعضهم بعضًا» (رواه مسلم).

ولكن سنة الله ماضية، فالنكبات والمحن والانقسام الداخلي والهوان الخارجي وشيوع الأمراض الجديدة الفتاكة والزلازل والبراكين والسيول والأعاصير؛ كلها صور من صور العذاب والهلاك، لأمة تجاهلت الأمر بالمعروف، وأَلِفَت المنكر.

وهاكم بعض بعض العقوبات العامة لبعض المنكرات:

«يا معشر المهاجرين؛ خصال خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال، والميزان إلا أخذوا بالسنين، وشدة المؤنة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم؛ إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله، وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم، فأخذوا بعض ما كان في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل، ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم» (رواه ابن ماجة؛ وصححه الألباني).

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

محمد سلامة الغنيمي

باحث بالأزهر الشريف

  • 4
  • 0
  • 4,338

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً