هل ستسمح لهم بالدخول؟!

منذ 2015-02-05

لا يملكون التحكم في عقلك وذهنك إلا إذا فتحت لهم الباب، وقلت لهم تفضلوا بالدخول، فإذا فعلت فلا تلمهم حين تجد أنيابهم قد استقرت في عقلك لتمتص روحك وإنسانيتك، وتنهش ديانتك، فتستيقظ بعد أيام وقد صرت مثلهم!

في ذلك الشارع المظلم وفي هذا الوقت المتأخر من الليل سار الرجل بخطوات متسارعة، بل هي في الحقيقة خطوات خائفة، ما الذي أنزله في تلك الساعة، ولم تتبق إلا سويعات على بزوغ الفجر، كان من الممكن أن يقضيها في الحانة بدلًا من السير في شوارع البلدة في ذلك الوقت المرعب!

هذه البلدة مشهورة بهم، الكل حذره قبل أن يأتي لزيارة تلك البلدة الصغيرة من إقليم ترانسلفانيا برومانيا، الليل لهم، لا داعي للخروج ليلًا إلا لضرورة.

ولطالما سَخِّر من تلك الأساطير، أي عاقل هذا الذي يصدق تلك الخرافات عن هذه المخلوقات الليلية المزعومة؟!
لطالما تعجب أن هناك من لم يزل يصدق حكايات الجهلة والسذج التي يرددونها بأصوات مرتجفة حول المدفأة ليلًا، وقد غلقوا عليهم أبواب بيوتهم الصغيرة بعد أن علقوا عليها الثوم اللازم لدفع تلك المخلوقات الشريرة.

لطالما سخر واستهزأ، حتى عندما حذروه في حانة البلدة من الخروج الآن لم يأبه، وتعالت ضحكاته المستهجنة لذعرهم، لكن هذه السخرية لم تلبث إلا وقد تلاشت بينما يخطو وحيدًا في شوارع البلدة الخاوية على عروشها، تلاشت وحلت محلها قشريرة باردة تزحف إلى ظهره باستمرار كلما لمح تلك الظلال تتراقص على جدران البيوت المزينة أبوابها بالثوم دفعًا لهذا الضيف غير المرحب به، والذي يعتقد سكان البلدة أنه يكره رائحته كثيرًا!

الأبواب مغلقة جيدًا، وأهلها بداخلها رغم خوفهم آمنين، ذلك لأن الضيف الثقيل لا يدخل إلا إن أذنوا له، وهم لن يفعلوا أبدًا، لكم يغبطهم الآن، كلما زحفت القشعريرة وازدادت الرجفة في قلبه سارعت خطاه أكثر، وهو يكاد يقسم أن هناك من يتبعه.

المشكلة أنه كلما التفت خلفه لم يجد إلا تلك الظلال المتراقصة بفعل لهيب المشاعل الذي تتلاعب به رياح الليل الباردة، تخترقها خفقات أجنحة الوطاويط التي يبدو أنها قد أصيبت جميعًا بالجنون هذه الليلة.

تبًا لتلك الفئران المجنحة، ويكأنها تتبعه بإصرار!

لماذا يسترجع الآن كل ما سمعته أذناه من همسات أهل البلدة عن أولئك الذين تجرأوا على الخروج في تلك الساعة التي لا يجترئ أحد على الخروج فيها منذ ابتليت بلدتهم بتلك المخلوقات الشيطانية، ثم لم يعودوا إلا جثثًا هامدة مثقوبة الأعناق منزوعة الدماء حتى آخر قطرة؟!

لماذا تمر بذهنه الآن تلك الشائعات التي ترددت حول هذه الجثث؟ وكيف أن قبورها قد نبشت بعد دفنها بأيام واختفت منها تلك الجثث المصفاة، لتلمح بعد حين في ليلة كهذه وقد تغيرت هيئتها وصارت مثلهم؟

لماذا هذه الهواجس الآن؟!

سارع الخطى أكثر وأكثر

يكاد أن يعدو من شدة السرعة، وينكفىء على وجهه من شدة الفزع.

يقينًا هناك من يتبعه

يبدو أن سخريته لم تكن في محلها

ها هو ينعطف في ذلك الشارع الضيق الخاوي من القناديل ليجده في انتظاره

تمامًا كما وصفوه وسخر من وصفهم

شاحب هو

عيناه تتوهجان رغم الظلام

ابتسامته القبيحة تكشف عن بريق نابين طويلين، تمامًا كما وصفوه!

وقبل أن يفكر حتى في الهرب كان النابان يستقران في عنقه بسرعة البرق، وأنفاس الكائن العفنة تُلهِب نحره، ودماؤه تسري في عروق الكائن الليلي لتروي ظمأه السرمدي.

ظمأ مصاص الدماء!

تلك الشخصية الكابوسية والنمط الشيطاني الذي طالما تردد ذكرها في الميثولوجيا الشعبية لكثير من أمم وحضارات أوروبا القرون الوسطى.

اتخذت تلك التيمة أشكالًا وخصائص كثيرة، وكانت معينًا لا ينضب يرتوي منه خيال الأدباء والمخرجين منذ بدايات صناعة السينما، نمط مصاصي الدماء.

ذوي الأنياب الطويلة، والبشرة الشاحبة، والشبق اللانهائي لأكسير الحياة الأحمر القاني، (الغير موتى) كما يحلو للبعض أن يسميهم!

تلك الكائنات الليلية التي لن تدخل البيت إلا إذا أذن لها صاحبه، كائنات كابوسية لا تطيق الثوم، ولا تحتمل الشمس رغم إمكاناتها الخارقة، وقدرتها على التحكم والتلاعب بالعقول أو الإذهان كما يطلق عليها البعض.
كائنات خيالية.

ربما.

لها أصول حقيقية!

احتمال!

قيل أنَّ أصْلَ الحكاية مرض له أعراض تتشابه مع ما يقوم به مصاصو الدماء، وهو مرض وراثي نادر للغاية يسمى البورفيريا، و ينتج عنه نقص مادة الهيموجلوبين وتراكم مادة البورفيرين التي قد تؤدى إلى حساسية للضوء، وتقرحات وتآكل في الجلد إذا تعرض الإنسان إلى أشعة الشمس، وأيضًا تقلص في عضلات الفم والشفاه، مما يؤدي إلى ظهور الأنياب بشكل أكبر من الطبيعي.

وقيل أن مريض البورفيريا يحتاج إلى مادة الهيموجلوبين التي يستطيع أن يحصل عليها من شرب الدماء الطازجة لتعويض هذا الظمأ الشديد الذي يشعر به.

الظمأ للدماء!

ربما كنت عزيزي القارئ من محبي مشاهدة ذلك النمط المرعب كملايين البشر الذين يتابعونها في عشرات وربما مئات الأفلام السينمائية والحلقات التليفزيونية.

وربما كنت ممن يضيقون بها ذرعًا حتى إنك وجدت مللًا، وربما رهبة، من مقدمة مقالي التي تمثل مشهدًا معتادًا متكررًا في تلك الأسطورة وتناولها الأدبي أو السينيمائي.

لكنك على أي حال ستعدها في النهاية سواء أعجبتك أو لم تعجبك مجرد مقالة والسلام! 

المشكلة أن يتطور الأمر فينتقل من كونه فيلمًا مسليًا أو مقالة مثيرة أو حتى مملة إلى واقع بغيض، واقع تعيش فيه تلك الكائنات أو أشباهها، ربما لا يكون مصاص دماء اليوم ذا بشرة شاحبة أو أنياب طويلة، لكنه يشترك مع صاحبنا الخيالي أو صاحبنا مريض البورفيريا في خصلة رئيسية.

الظمأ!

كل منهم لديه نوع من الظمأ

كل منهم لا يستطيع العيش بدون ارتواء

بدون الدماء لا قيمة لمصاص الدماء، يفقد حينئذ قدراته وقوته، يصير عاجزًا ضعيفًا.

لكن الدماء -والدماء فقط- هي ما يروي ظمأه ويشبع شبقه النهم.

وكذلك مصاصو دماء اليوم؛ لا يرتوون إلا بالدماء أيضًا، لكنها دماء مختلفة؛ إنها دماء دينك، وعصارة تقواك، ورحيق فكرك.

ودينك دينك؛ لحمك دمك!

إنهم لا يرتاحون حتى تميل عنه ميلًا عظيمًا، ومصاصو الدين اليوم لا ينامون في توابيتهم نهارًا، فقصورهم ومنتجعاتهم مشمسة، لكنهم بلا شك يفضلون الظهور ليلًا.

ولا تستطيل اليوم أنيابهم، فألسنتهم الحداد تكفي في استطالتها لإراقة مزيد ومزيد من إكسير حياتهم؛ ليتغذوا عليه، ويعلو شأنهم أكثر وأكثر.

مصاصو اليوم لا تنفع معهم مياه مقدسة، أو شمس حارقة، أو رموز دينية، ولا ثوم ولا بصل!

مصاصو اليوم لديهم مناعة ضد كل ذلك.

لكنهم كمثل أشباههم الأسطوريين لديهم نقطة ضعف.

إنهم لا يستطيعون الدخول إلا إذا دعوتهم وأذنت لهم.

لا يملكون التحكم في عقلك وذهنك إلا إذا فتحت لهم الباب، وقلت لهم تفضلوا بالدخول، فإذا فعلت فلا تلمهم حين تجد أنيابهم قد استقرت في عقلك لتمتص روحك وإنسانيتك، وتنهش ديانتك، فتستيقظ بعد أيام وقد صرت مثلهم!
لا تلمهم، فتلك طبيعتهم لا يملكون العيش دونها، وتذكر أنك أنت من دعوتهم وأدخلتهم بضغطة زر قام بها إصبعك!
ضغطة كفلت لهم أن يدخلوا بيتك، ويقتحموا حياتك، وينهلوا من دماء دينك، وينهشوا تقواك، ويقتاتوا على ثوب إيمانك حتى يبلى.

فهل عرفتهم؟!

والأهم هل ستسمح لهم بالدخول؟!

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 0
  • 0
  • 1,477

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً