جريمة حرق الطيار الأردني

منذ 2015-02-05

أي النصوص الليبرالية تلك التي دفعت الأمريكيين حين قتلوا في لحظات آلاف البشر حرقا في هيروشيما وناجازاكي وفيتنام والعراق وأفغانستان وغيرها بالصواريخ والطائرات، ودعتهم إلى وضع البشر في أقفاص كالحيوانات وتعذيبهم في جوانتانامو وأبو غريب وغيرها؟!

يجهد البعض نفسه بتكلف بالغ في استدعاء آراء فقهية من هنا أو هناك، أو في إثبات أخبار آحاد عن صحابي أو أكثر؛ ليثبت أن ما أتى به مجرمو داعش نابع من إيمانهم بتلك النصوص، وربما بالغ البعض فاعتبرها نابعة من دموية في الإسلام ذاته.

رغم أن النصوص الصريحة تنهى عن الحرق بالنار، وعن التمثيل بالإنسان بل بالحيوان عند موته؛ إلا أنها ليست كافية عند هؤلاء، ويصرون على تجاهلها التام؛ ليبرزوا آراء لابن تيمية أو غيره من الذين يتجاوزون وضوح الأحاديث صريحة النهي عن الحرق والمثلة.

لو كان شذوذ داعش وأمثالها في تعطشهم للدماء ناتجا عن امتثال لنصوص شرعية كما يدعون هم وأصحاب نظرية دموية الإسلام؛ لفعل المسلمون الأوائل ما فعله المغول وقبلهم الفرس والروم في حروبهم وغزواتهم من حرق واغتصاب وتدمير وانتهاك للبشر والحضارة، ولفعلوا مثل ما فعله مسيحيو أسبانيا بحق مسلمي الأندلس، ولفعلوا مثلما فعلته الكنيسة بحق كل مخالفيها في العصور الوسطى.

لو فعلوا كل ذلك وفق نصوص شرعية كما يدعي هؤلاء لما بقي مسيحي واحد في مصر، ولا يهودي واحد في المغرب، ولا يزيدي واحد في العراق، وما كانت لتبقى عقيدة واحدة مخالفة على أرض المسلمين طوال مئات السنين.

لو كان الأمر وفق نصوص شرعية كما يدعي هؤلاء؛ لما ظلت أراضي المسلمين هي البلاد الوحيدة على ظهر الأرض لمئات السنين التي يعيش بين ناسها من يخالف دينهم دين الحاكم، أو حتى يخالف مذهبه.

لو كان الأمر ناتجا عن نصوص شرعية وعن دموية دين؛ فأي النصوص المسيحية تلك التي التجأ إليها قسس العصور الوسطى في حرق آلاف البشر أحياء بسبب مخالفتهم لرأي الكنيسة أو اعتراضهم على الحاكم المتحالف معهم؟!

لو كان الأمر وفق نصوص فكرية أثرت على عقول هؤلاء المهووسين بالقتل والحرق والتمثيل؛ فأي النصوص الليبرالية تلك التي دفعت الأمريكيين حين قتلوا في لحظات آلاف البشر حرقا في هيروشيما وناجازاكي وفيتنام والعراق وأفغانستان وغيرها بالصواريخ والطائرات، ودعتهم إلى وضع البشر في أقفاص كالحيوانات وتعذيبهم في جوانتانامو وأبو غريب وغيرها؟!

إذا كان الأمر ناتجا عن أفكار منحرفة فقط؛ فأي أفكار الثورة الفرنسية تلك التي دعت شبابها الجنود لانتهاك الجزائر أرضا وشعبا، وقتل مئات الآلاف من نسائها وأطفالها وشيوخها ورجالا قنصا وحرقا وتعذيبا لعشرات السنين؟ وأي أفكار الحداثة وحقوق الإنسان تلك التي دعت البريطانيين والألمان والبرتغاليين والأسبان لنهب ثروات الشعوب وقتل شبابها في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية؟!

لو كان الأمر فكرا؛ فأي أفكار ماركس تلك التي دعت ستالين إلى قتل ملايين البشر في ربوع آسيا الوسطى؟ وأي أفكار الشيوعية تلك التي دفعت الجنود الروس لاغتصاب آلاف أو مئات الآلاف من النساء الألمانيات عند اقتحام برلين؟!

لو كان الأمر بدافع الانصياع للنصوص الشرعية ملوية العنق؛ فأي النصوص الشرعية التي دفعت جنود يزيد بن عبد الملك لقطع رقبة الحسين سبط الرسول الكريم ذاته؟ وأي النصوص الشرعية التي حركت الحجاج وحاكمه عبد الملك بن مروان في دك الكعبة، ثم التمثيل بجثة عبد الله بن الزبير حفيد عمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وابن شقيقة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

الخلاصة هي أن شذاذ الآفاق المتعطشين للدماء موجودون على مر التاريخ، ونسبة المسلمين منهم ونسبة الأفعال الإجرامية الصادرة عنهم بالغة الضآلة إذا ما قورنت بغيرها من أبناء الحضارات والثقافات الأخرى في الماضي والحاضر.

أضيف على ذلك أن هذه الجرائم الصادرة من قتلة ومجرمين يجب ألا تنسينا الإجرام الأكبر والبشاعات الأفظع التي تصدر عن سادة العالم مدعي الحفاظ على حقوق الإنسان هؤلاء الذين يحرقون البشر وبيوتهم بصواريخ البر والبحر والجو، وقاذفات الطائرات التي لا تفرق بين بريء ومجرم، والذين لم تتوقف جرائمهم التي تؤدي إلى سفك الدماء بأسلحتهم بشكل مباشر أو غير مباشر عبر الديكتاتوريات التي يدعمونها علنا أو سرا.

لا ننسى أن معظم المتباكين على جريمة الحرق للطيار الأردني هم الذين يدعمون ويدافعون عن الكيان الصهيوني الذي أطلق من قبل صاروخا ليحرق به شيخا قعيدا بعد خروجه من مسجده، ويطلق قاذفات تحرق الأطفال وهم يلعبون على الشاطئ.

لا يجب أن ننسى كذلك أن هذا التردي الحضاري الذي نعيش في ظلاله، وهذا الجهل والتخلف الذي نموج في بحاره المظلمة سبب آخر لظهور هؤلاء المتوحشين وارتفاع صوتهم، وسبب في انسحاق ذواتنا واتهامنا لأنفسنا بكل نقيصة أمام عتاة المجرمين المسيطرين على العالم، وأتباعهم المسيطرين على بلادنا بسلاحهم ودعمهم!

استقيموا يرحمكم الله.

 

محمد المهندس

المصدر: صفحة الكاتب على الفيس بوك
  • 4
  • 5
  • 3,306

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً