بين فرضٍ وفضل

منذ 2015-02-08

ما هو حكم خدمة المرأة في بيت زوجها؟ سوف تكون الإجابة من الجميع أنه لا محل للإعراب في هذا السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

عندما تغيب عنا حقائق الدين تدخل الأعراف والعادات الاجتماعية لتحل محلها، فإن لم تكن ما ألفناه من الإلف الاجتماعي يتدخل الهوى فتميع الحقائق وتضيع الحقوق ومما ألفناه في مجتمعاتنا العربية أننا نأخذ بجانب واحد من رأي الفقهاء وقد يكونوا قلة وننحي جوانب فقهية لجمهور الفقهاء لأن رأي القلة هذا يوافق هوانا، أضرب مثالاً واضحًا لهذا الأمر بالإجابة عن هذا السؤال:

ما هو حكم خدمة المرأة في بيت زوجها؟

سوف تكون الإجابة من الجميع أنه لا محل للإعراب في هذا السؤال لأنه يجب عليها أن تخدمه، لكن هذا رأي الذكور العرب، لكن هذا ملخص آراء الرجال من الفقهاء اللذين يستنبطون الأحكام الشرعية وفق الكتاب والسنة:

أولاً: ذهب الجمهور إلى أنه لا يجب على المرأة أن تخدم زوجها في بيته. قال ابن القيم: "منعت طائفة وجوب خدمتها عليه في شيء". وممن ذهب إلى ذلك مالك والشافعي وأبو حنيفة وأهل الظاهر. فبالنسبة للحنفية فإنهم أوجبوا على الرجل أن يوفر لزوجته من يخدمها. قال أبو جعفر الطحاوي: "على الزوج النفقة على زوجته فيما لا غنى بها عنه من طعام ومن شراب ومن خدمة بالمعروف على الموسع قدره وعلى المقتر قدره. وعلى الزوج أن ينفق لزوجته على خادمها وليس عليه أن ينفق لها على أكثر منها من الخدم بعد أن تكون تلك الخادمة متفرغة لخدمتها لا شغل لها غيره".

لكن هذا مقَيَّد عندهم بما إذا كانت الزوجة من أهل الإخدام وإلا فقد جاء في حاشية ابن عابدين أن المرأة إذا كانت ممن يخدم نفسها وتقدر على ذلك لا يجب عليه إخدامها ولا يجوز أخذ الأجرة على ذلك لوجوبه عليها ديانة ولو شريفة، لأنه عليه الصلاة والسلام قسم الأعمال بين علي وفاطمة فجعل أعمال الخارج على علي رضي الله عنه والداخل على فاطمة رضي الله عنها مع أنها سيدة نساء العالمين.

 

وبالنسبة للمالكية فإنهم نظروا إلى المسألة من جانبين:

أحدهما حال المرأة بحيث فرقوا بين التي هي من أهل الإخدام فهذه معفاة عندهم من خدمة البيت ويتكلف الزوج بتوفير من يخدمها وبين التي هي ليست من أهل الإخدام فتلزمها خدمة البيت.

والجانب الثاني: حال الزوج من حيث اليسر والعسر، فيلزم الموسر وحده عندهم توفير خادم لزوجته. وفي هذا قال الباجي: "عليه إخدامها إن كانت ممن لا تخدم نفسها لمالها وغنى زوجها وليس من الخدمة الباطنة في بيتها شيء وإن كانت من أهل الضعة وليس في صداقها ما تشتري به خادمًا، فليس على الزوج أن يخدمها وعليها الخدمة الباطنة، وإن كان الزوج معسرًا فليس عليه إخدامها وإن كانت ذات قدر وشرف".

ولم يقبل ابن القيم الجوزية وهو من القائلين بوجوب خدمة الزوجة في بيتها التمييز بين النساء في هذه المسألة، فذكر أنه "لا يصح التفريق بين شريفة ودنيئة وفقيرة وغنية".

 

وبالنسبة للشافعية فإن الإمام الشافعي ذهب إلى قول المالكية في المسألة، غير أنه لم يراع حال الزوج المادية كما راعاها المالكية فألزمه بتوفير من يخدم زوجته إن كانت من أهل الإخدام في حالة يسره وعسره معًا فقال: "وإن كان مثلها لا يخدم نفسها، وجبت عليه نفقة خادم لها"، وقال عند حديثه عن قول الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا} [النساء:٣] يحتمل أن يكون عليه لخادمها نفقة إذا كانت ممن يُعرَف أنها لا تخدم نفسها، وهو مذهب غير واحد من أهل العلم.

 

واحتج لهذا الرأي أبو الحسن الماوردي بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:١٩] فجعل الخدمة من المعتاد المعروف، وبقوله صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة زوجة أبي سفيان: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف». فعد الخادم من المعروف وهو خاص بالمرأة التي يكون لمثلها خدم.

 

وبالنسبة للحنابلة فرأيهم في المسألة:

أن الزوجة لا تلزم بخدمة زوجها في بيته، اللهم إلا أن يكون العرف جرى على أن تقوم المرأة بخدمة البيت فيكون الأولى أن تقوم بها، وهذا ظاهر قول ابن قدامة: "وليس على المرأة خدمة زوجها من العجن والخبز والطحن وأشباهه، نص عليه أحمد، لنا أن المعقود عليه من جهتها الاستمتاع فلا يلزمها غيره كسقي دوابه وحصاد زرعه ولكن الأولى لها فعل ما جرت عليه العادة بقيامها به لأنه العادة ولا تصلح الحال إلا به ولا تنتظم المعيشة بدونه".

 

وأيضًا هو ظاهر ما جاء في (كشاف القناع): "فإن احتاجت الزوجة إلى من يخدمها لكون مثلها لا يخدم نفسها أو لموضعها ولا خادم لها، لزمه لها خادم لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:١٩] ولأنه لا يحتاج إليه على الدوام.

 

 

ظاهر هذه النصوص أن مذهب الحنابلة يوافق مذهب المالكية في هذه المسألة بنظرهم فيها إلى حال الزوجة هل هي من أهل الإخدام أم لا، ويوافق قول الحنفية في القول الآخر ليس على الزوجة خدمة البيت، وهو معلل عندهم بأن المعقود عليه من جهتها الاستمتاع مع أنه حق مشترك بينهما.

 

وبالنسبة لابن حزم فإنه نفى أن يكون من الواجب على الزوجة شريفة كانت أو وضيعة أن تخدم زوجها في شيء من أعمال البيت، ويرى استحباب قيامها بالخدمة الباطنة متطوعة فأعلن أنه "لا يلزم المرأة أن تخدم زوجها في شيء أصلاً لا في العجن ولا في الطبخ ولا فرش ولا كنس ولا غزل ولا غير ذلك أصلاً ولو أنها فعلت لكان أفضل لها وعلى الزوج أن يأتيها بكسوتها مخيطة تامة وبالطعام مطبوخًا تامًا) وحصر ما يجب على المرأة نحو زوجها في "أن تحسن معاشرته ولا تصوم تطوعًا وهو حاضر إلا بإذنه، ولا تدخل بيته من يكره وأن لا تمنعه نفسها متى أراد وأن تحفظ ما جعل عندها من ماله" ورأيه هذا مبني على عدم وجود نص في الشرع يلزم المرأة بالخدمة الباطنة، وإن ما ورد من أحاديث مثل حديث فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي اشتكت فيه إلى أبيها ما تلقاه من تعب مصالح البيت وعدم استجابته لطلبها بتوفير خادم لها، وكذا حديث أسماء بنت أبي بكر الذي وصفت فيه ما كانت تقوم به في خدمة زوجها الزبير، فلم ير فيهما حجة للقول بوجوب ذلك عليهما، لأنه "ليس في شيء منها ولا من غيرها أنه صلى الله عليه وسلم أمرهما بذلك إنما كانتا متبرعتين وهما أهل الفضل والمبرة رضي الله عنهما. ونخن لا نمنع من ذلك إن تطوعت المرأة به إنما نتكلم على سر الحق الذي تجب فيه الفتيا والقضاء بإلزامه". وقد جعلهما متبرعتين بها أيضًا الإمام النووي.

 

وللأمانة العلمية والفقهية هناك رأي آخر يرى وجوب خدمة المرأة في بيت زوجها يراه ابن تيمية وابن القيم، فيرى ابن تيمية أن خدمتها في بيت زوجها تدخل ضمن المعاشرة بالمعروف بين الطرفين، ويرى كذلك ابن القيم رأي شيخه ابن تيمية.

 

ومن الفقهاء المعاصرين اللذين يرون وجوب الخدمة من المرأة في بيت زوجها: الشيخ محمد عبده والشيخ محمود شلتوت والشيخ أبو زهرة والشيخ يوسف القرضاوي، مع إرشادهم أن يوفر الزوج لزوجته من يعينها على أعمال البيت إذا توفرت قدرته.

 

وكان الشيخ محمد عبده يقول: "إن المماثلة في توزيع الأعمال بين الزوجين على المرأة تدبير المنزل والقيام بالأعمال فيه وعلى الرجل السعي والكسب خارجه وهو لا ينافي استعانة كل منهما بالخدم عند الحاجة أي ذلك مع القدرة عليه، وهذا هو التقسيم الفطري الذي تقوم به مصلحة الناس" (الأعمال الكاملة للشيخ محمد عبده ج4).

 

ويرى الشيخ أبو زهرة أنه: "ليس من الشرع الإسلامي في شيء قول من يقول إن المرأة ليس عليها خدمة بيتها أو القيام على شؤونه وهو بعيد عن الإسلام بعده عن المألوف الموروث وهو حق جرى به العرف في كل العصور". ويرى البعض الآخر اعتماد الفقه على ما جرى من العرف في إلزام المرأة بأشغال البيت.

 

هل رأيتم أنه لا داعي أن نصدر أحكامًا سريعة في مسائل فقهية ولا نعود لنسمع رأي علمائنا وفقهائنا، فإن أجرأكم على الفتيا أجرأكم على النار.

نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل. وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.

عمر عبد الكافي

حاصل على ماجستير في الفقه المقارن من كلية الدراسات الإسلامية والعربية

  • 24
  • 5
  • 52,049

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً