إحياء - (216) سُنَّة الاستعاذة من الكفر والفقر

منذ 2015-02-11

كان من سُنَّة رسول الله أن يستعيذ من الكفر، ويَقْرِن ذلك بالاستعاذة من الفقر الذي قد يقود إلى الكفر؛ فلماذا كان يفعل ذلك ويكرره أثناء اليوم؟

قد تدفع شدَّةُ الفقر بعضَ الناس إلى فعل أي شيء لتوفير المال، وإنها لفتنة كبيرة ألا تجد ما يكفي لطعامك، أو ملبسك، أو علاجك؛ وذلك لك أو لأحد أفراد أسرتك، وقد يسقط بعض الناس في الفتنة سقوطًا يدفعهم إلى بيع دينهم للخروج من أزمة الفقر، وأمثلة هذا في التاريخ والواقع كثيرة، وهذا ما نفهمه بشكل غير مباشر من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فتنة الدنيا؛ فقد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا».

فبَيْعُ الدِّينِ هنا كان بعَرَضٍ من الدنيا، وهذا في حقِّ الفقراء المحتاجين أكثر؛ لهذا كان من سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من الكفر، ويَقْرِن ذلك بالاستعاذة من الفقر الذي قد يقود إلى الكفر؛ فقد روى النسائي -وقال الألباني: صحيح- عن ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ: "أَنَّهُ كَانَ سَمِعَ وَالِدَهُ، يَقُولُ فِي دُبُرِ الصَّلاَةِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ»، فَجَعَلْتُ أَدْعُو بِهِنَّ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ؛ أَنَّى عُلِّمْتَ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ؟ قُلْتُ: يَا أَبَتِ سَمِعْتُكَ تَدْعُو بِهِنَّ فِي دُبُرِ الصَّلاَةِ، فَأَخَذْتُهُنَّ عَنْكَ. قَالَ: فَالْزَمْهُنَّ يَا بُنَيَّ، فَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَدْعُو بِهِنَّ فِي دُبُرِ الصَّلاَةِ»".

وروى أحمد -بإسناد حسن- عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكَرَةَ، أَنَّهُ قَالَ لأَبِيهِ: "يَا أَبَهْ؛ إِنِّي أَسْمَعُكَ تَدْعُو كُلَّ غَدَاةٍ: اللهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، «اللهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ»، تُعِيدُهَا ثَلاَثًا حِينَ تُصْبِحُ، وَثَلاَثًا حِينَ تُمْسِي، وَتَقُولُ: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ»، تُعِيدُهَا حِينَ تُصْبِحُ ثَلاَثًا، وَثَلاَثًا حِينَ تُمْسِي. قَالَ: نَعَمْ يَا بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو بِهِنَّ، فَأُحِبُّ أَنْ أَسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ".

فصارت الاستعاذة من الكفر والفقر متكرِّرة في كل يوم مرَّات عديدة؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم يقولها خمس مرَّات في دبر الصلوات الخمس، ويقولها ثلاث مرَّات في الصباح، ومثلها في المساء؛ مما يُعطينا مجموع إحدى عشرة مرَّة في كل يوم، وهذا رقم كبير يُوَضِّح لنا مدى اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء، فنسأل الله أن يُعيذنا من الكفر والفقر، ومن عذاب القبر.

ولا تنسوا شعارنا قول الله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور:54].

راغب السرجاني

أستاذ جراحة المسالك البولية بكلية طب القصر العيني بمصر.

  • 9
  • 0
  • 45,044
المقال السابق
(215) سُنَّة الدعاء عند عصف الريح
المقال التالي
(217) سُنَّة تكفير اليمين وفعل الأفضل

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً