من أين تبدئين الدعوة في المجال الطبي؟

منذ 2015-02-16

إذاً، فالدعوة والتبليغ هدف لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشعار لحزبه المفلحين، وأتباعه من العالمين (3)، قال - تعالى - قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (سورة يوسف: الآية: 108).

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (سورة آل عمران: الآية: 102)

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (سورة النساء: الآية: 2).

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ُيصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَه فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ُ (سورة الأحزاب: الآية: 70 ، 71)(1). 

أما بعد: فالإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله للناس جميعاً ، وبه ختم الله سائر الرسالات السماوية السابقة ، يقول - سبحانه وتعالى-: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ُ (سورة المائدة: الآية: 3).

ومقام الدعوة إلى هذا الدين مقام عظيم ومرتبة عالية ، لأنه مقام صفوة خلق الله - تعالى - محمد - صلى الله عليه وسلم -، وخلفائه الراشدين - رضي الله عنهم - الذين خلفوه في العلم والعمل به والدعوة إليه (2).

إذاً، فالدعوة والتبليغ هدف لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشعار لحزبه المفلحين، وأتباعه من العالمين (3)، قال - تعالى - قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (سورة يوسف: الآية: 108.).

 

ولقد كان من فضل الله - تعالى - على الإنسانية أن عمّم أمر التكليف بالدعوة إلى هذا الدين ، ولم يخصها بجنس دون الآخر ولا بذكر دون أنثى ، فحمل - سبحانه وتعالى- النساء هذه المسؤولية أيضا.

وقد حمّل القرآن الكريم خطاب التكليف إلى الرجل والمرأة معاً في قوله - تعالى -: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (سورة آل عمران: الآية: 104). ومعلوم أن الأمة تتكون من الرجال والنساء فالخطاب للجميع (4).

وجاء الاستقلال بالتكليف في خطاب خاص موجه للمرأة ، وذلك في قوله - سبحانه وتعالى- وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا. وقد فسر حبر هذه الأمة (القول المعروف) بأنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (5). اللذان يعدان أصل الدعوة إلى الله وأساسها المتين.

ومما يدل أيضا على تخصيص المولى - سبحانه - المرأة بهذا الخطاب ، قوله - تعالى -: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ (سورة الأحزاب: الآية: 34)، ومعلوم أن هذه الآية لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يخبرن بما أنزل الله إليه من القرآن في بيوتهن وما يرين من أفعاله - عليه الصلاة والسلام - وأقواله ، حتى يبلغ ذلك إلى الناس فيعملوا بما فيه ويقتدوا به (6).

والخطاب وإن كان في الآيتين السابقتين لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإن نساء المؤمنين مقتديات بهن ، ونقل هذه الأمور من صميم الدعوة إلى الله - تعالى -.

إذا هذا الخطاب من البشائر العظيمة ، وهذا التكليف من الأوسمة التي حُقّ للمرأة المسلمة أن تفرح وتفتخر وتستبشر بها!! كيف لا والله - سبحانه وتعالى- رفع من قدر الدعوة وأثنى على الذين يدعون الخلق إلى الخالق تبارك و- تعالى - (7)في مثل قوله - تعالى -: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَال إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ َ (سورة: فصلت ، الآية 33).

 

كيف لا تفرح الأخت المسلمة بهذا الخطاب وبشارة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تطرق أذنيها حين يقول: (فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحد ، خير لك من حمر النعم) (8).

كيف لا تستبشر وهي تعلم علما يقينا أنها بهذا التكليف ستنال أجورا عظيمة تساوي أجور كل من كانت سببا في هدايتهم وصلاحهم ، وذلك في حياتها وحتى بعد مماتها إلى يوم القيامة (9)، وذلك تصديقا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه ، لا ينقص من أوزارهم شيئا) (10).

لهذا كان للمرأة المسلمة منذ فجر الإسلام دور مبكر في الدعوة إلى الله ونشر هذا الدين. فهي أم الرجال ، وصانعة الأبطال ، ومربية الأجيال. لها من كنانة الخير سهام ، وفي سبيل الدعوة موطن ومقام. بجهدها أشرق أمل الأمة ولاح فجرها العظيم. على عكس بعض نساء اليوم اللاتي شغلن أنفسهن في غير طاعة ، وشغلن أنفسهن بسفاسف الأمور وصغيراتها ، فنجد اهتماماتهن منصبة في اللباس ، وأُخرى في قصات الشعر ، والمرور على المراكز التجارية ، والتجول في الأسواق ، والتنقل بين القنوات والمجلات أخذ عليهن جل الأوقات. فضاعت منهن أنفس اللحظات وأثمن الأوقات في غير ما خلقن له. يقول ابن القيم - رحمه الله - تعالى -: فمن كان وقته لله فهو حياته وعمره ، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته ، وإن عاش فيه عاش عيش البهائم ، فإذا قطع وقته الغفلة والسهو.. فموت هذا خير له من حياته (11).

 

فهل يصح للمرأة أن تنصرف بعد ذلك عن هذا الطريق!! طريق الدعوة إلى الله.. طريق الدعوة إلى الخير والهدى والذي عده (القرآن الكريم) من اللوازم الضرورية لإيمانها ، فإذا ما تخلفت عن هذا الواجب العظيم دل ذلك على وجود شرخ في البناء الإيماني قد يخرجها إلى حظيرة النفاق والمنافقين ولا يمكن إصلاحه وترميمه إلا من خلال القيام بهذا الواجب... واجب الدعوة.

وهذا إشارة إلى ما جاء في قوله - تعالى -: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَ- رحمهم الله - إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (سورة التوبة: الآية 71). فعلق - سبحانه وتعالى- إيمان المؤمنين والمؤمنات بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. أي الدعوة ثم أردف ذلك ببعض أركان الإسلام مثل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وأيضا في قوله - تعالى -: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (سورة التوبة: الآية 67). وعلى العكس من ذلك فالله - سبحانه وتعالى- نسب النفاق إلى الآمرين بالمنكر والناهين عن المعروف ، ومعلوم أن نسبة النفاق إلى أي أحد معناه نفي الإيمان.

ويؤكد - صلى الله عليه وسلم - هذا بقوله: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) (12) ، وفي رواية أخرى: (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) (13).

من هنا نؤكد ونقول إن إيمان المرأة يحتم عليها مسؤولية القيام بالدعوة في المجال الذي تعيشه كلا حسب طاقاتها وقدراتها ، فالأم في بيتها ، والمعلمة في صفها ، والطبيبة في عيادتها ، والإدارية في إدارتها.... الخ.

 

إن المجتمعات في حاجة ملحة إلى دعوة الله وبدون هذه الدعوة لا استقرار ولا سعادة ، واجتماعنا اليوم كان لأجل تقديم هذا الخير لفئة مهمة من البشر ـ الجاليات ـ في مؤسسة إنسانية ، اجتماعية لا أحد ينكر دورها الهام الذي باتت تلعبه على كل المستويات. فإذا كانت الشريعة الإسلامية قائمة على حفظ الروح وتغذيتها ، فإن المجال الصحي قائم على حفظ البدن ووقايته وفي هذا الصدد يقول الإمام الشافعي ـ - رحمه الله -.. " صنفان لا غنى للناس عنهما: العلماء لأديانهم ، والأطباء لأبدانهم " ، والإنسان إنما هو بدن وروح ، والروح والبدن مرتبطان أوثق ارتباط وهذا يعطي للأخت الطبيبة المسلمة بصفة خاصة وللعاملات في هذا المجال مسؤوليتين عظيمتين لا مسؤولية واحدة. إحدى هاتين المسؤوليتين تتعلق بحفظ البدن والأخرى حفظ الروح.

ولقد شعر المنصّرون وغيرهم بأهمية مكانة المجموعة الطبية واستغلوها للدعوة إلى دينهم ومذهبهم ، ولقد أفصح " صمويل زويمر " على هذه الأهمية بقوله: " إن جميع العاملين في ميدان التبشير في الجزيرة العربية متفقون على أن الطبيب القدير والجراح الماهر يحمل جوازاً يفتح القلوب مهما كانت عنيدة ، إن المستشفيات في الجزيرة العربية هي مكان تلتقي فيه الرحمة بالخلق ، ويتعانق فيه الصلاح والسلام ". (14)

 

ونحن نقول: إن المستشفيات والمراكز الصحية أماكن يجتمع فيها المسلمون بأمثال هؤلاء المنصّرين وغيرهم من الجاليات العاملين في هذا المجال باسم الطب والتمريض والهيئات الفنية والأيدي العاملة. فلماذا لا تستغل هذه المجالات وتكون منبرا للخير والهدى وذلك بغرس العقيدة السليمة ومحو العقائد الفاسدة وآثارها المدمرة. وهذا بالطبع يحتاج إلى وقفة صارمة منك أيتها الأخت العاملة في المجال الصحي.

 

ولا تقول قائلة: إنني لا أحسن الدعوة ، لأنني غير متخصصة في المجال الدعوي!! فهذا كلام مردود لأن الدعوة إلى الله - تعالى - لا تحتاج عالما متخصصا.. أو خطيبا مفوها.

إن المرأة المسلمة العاملة في المجال الصحي تستطيع بفطرتها السليمة أن تميز الأخطاء وتصححها ، وتتعرف على المنكرات وتنبه عليها. وقبل هذا وذاك هي مسلمة تملك من مبادىء الدين وأساسياته ما يمكنها من القيام بالدعوة إلى العقيدة السليمة عقيدة التوحيد.

 

هذا هو الطريق.. لكن من أين البداية الصحيحة في هذه الدعوة؟.

وللإجابة على هذا السؤال نقول: من المهم في أي دعوة موجهة أن يبدأ الإنسان من نفسه وبنفسه ، ولعلي لا أغالي في قليل أو كثير إذا قلت للأخوات العاملات في هذا المجال أن الأساس في دعوة هذه الفئة خاصة وفي هذا المجال بالذات أن يبدأ بتصحيح النفس وإصلاح الذات وأقصد بذلك ـ الداعية ذاتها ـ لتكون صورة حية للإسلام في الأقوال والأفعال ، في المظهر والسلوك والتعامل ومن هنا تكون أنموذجا صالحا للاقتداء ، وأيضا تكون قد ساهمت في الدعوة بأسلوب من أساليبها والذي يعرف في المصطلح الدعوي بأسلوب القدوة.

 

وتبرز أهمية القيام بالدعوة من خلال القدوة هنا بالذات من عدة أمور أهمها:

أولا: سرعة انتقال الخير من المقتدى به إلى المقتدى وسهولته. فالأخذ بالشيء عمليا والتمسك به أكثر إقناعا للمدعوين من الحديث والثناء عليه ، لاسيما وأن لغة الحوار بين المرأة الداعية وبين الجاليات قد تكون معدومة وإن وجدت فإنها في نطاق ضيق ومحدود ، وذلك لاختلاف اللغات ، فمجرد العمل بالخير وتطبيقه تحصل قناعة عندهم بصلاحية هذا الخير والفعل للتطبيق ، وأنه ليس أمراً مثالياً مجرداً. كل ذلك دون الحاجة إلى لغة الخطاب.

ثانيا: سهولته ، فأثر القدوة عام يشمل جميع الجاليات على مختلف مستوياتهم ، فالمتعلم والأمي منهم سيناله نصيب من الدعوة من خلال محاكاة فعل الداعية وتقليدها وإن لم يتم فهمه.

ثالثا: إن متطلبات العمل في المجالات الصحية تقتضي التنقل والحركة المستمرة مما يصعب معه عقد مناقشات وحوارات. وهنا تبرز قيمة الدعوة بالقدوة..

رابعا: إن من طبيعة البشر وفطرتهم التي فطرهم الله عليها أن يتأثروا بالأمور العملية أكثر مما يتأثرون بالأمور الفطرية كالقراءة والسماع ، وهذا التأثير فطري لا شعوري. (15) ومن هنا أشارت أم سلمة - رضي الله عنها - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الأسلوب الدعوي والمبادرة إلى (الحلق والتحلل) ليقتدي به الناس عمليا ، فكان كما قالت - رضي الله عنها -.

وقد أكدت المصادر الأصلية في تاريخ الدعوة الإسلامية أن من أسباب انتشار الإسلام خارج النطاق العربي حتى وصل إلى الهند والسند شرقا والأندلس غربا كان من أهم أسباب هذا الانتشار هو أسلوب القدوة الحسنة.. فقد حمل الصحابة رضوان الله عليهم الإسلام بجوارحهم ولم يحملوه على ألسنتهم فحسب فكان الإسلام يتجلى في أفعالهم وسلوكهم وتعاملهم ، ونتيجة لذلك يقول " غوستاف لوبون أقبلوا على تعلم اللغة العربية وإن تعلمها ساعد على تعريفهم بالإسلام ".

ويؤكد أهمية دور القدوة في الدعوة إلى الله - تعالى - أحد الذين استجابوا لهذا الدين حديثا إنه مدير دريم بارك الأمريكي " وليم فرنسيس " سابقا و " يوسف كيلي " حاليا ، حين تحدث عن قصة إسلامه قائلا " لفت نظري إلى الإسلام كلمة قالها لي سائق سيارتي " أيمن ": أنت قلبك طيب زي قلوب المسلمين بالضبط. ففكرت من هنا في معنى هذا الإسلام وقرأت عنه حتى أشهرت إسلامي. ثم يقول: إن المسلمين يعاملوني جيدا حتى قبل أن أسلم أو أخبرهم أنني أفكر في الإسلام ، ومعاملتهم لي لم تجعلني أشهر إسلامي ولكن جعلتني أفكر بإيجابية في اعتناق هذا الدين ، وأعتقد أنه لو كانت المعاملة سيئة ربما لم أعتنق الإسلام ، لأنه طالما أن هؤلاء المسلمين معاملتهم سيئة وتصرفاتهم خاطئة فلماذا أكون على دينهم. (16)

إذاً فحركاتك وسكناتك أيتها الأخت المسلمة العاملة في المجال الصحي محسوبة لك أو عليك إن خيراً فخير وإن شراً ـ والعياذ بالله ـ فشر نسأل الله السلامة.

ولعل حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - السابق ذكره يؤيد هذا المقام في قوله " فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحد خير لك من حمر النعم ".

 

لهذا نؤكد على الأخت المسلمة العاملة في المجال الصحي الالتزام ومراعاة الآتي:

أولا: تقوى الله ومراقبته في السر والعلن.

ثانيا: الالتزام بأركان الدين وواجباته كأداء الصلاة في أوقاتها المحددة بخشوع وبدون تفريط ، والالتزام بالحجاب الإسلامي الساتر غير مبدية زينة وتبرج وسفور أو فتنة كالعطر والمكياج.

ثالثا: الاعتزاز بالدين الإسلامي والمجاهرة بآدابه وسلوكه فعلى سبيل المثال التحية بتحية الإسلام بدلا من التحيات الأجنبية الدخيلة.

رابعا: التخلق بأخلاق الإسلام والالتزام بها كالصدق والأمانة والنزاهة والتواضع والصبر.

خامسا: الدقة والالتزام والانضباط في المواعيد.

سادسا: تأليف قلوب الجاليات من خلال تقديم المساعدات.

سابعا: إتقان العمل والإخلاص فيه وهو ما يسمى في العرف الطبي بصدق النية وصدق العمل.

ثامنا: البعد عن الخوض في الأمور المحرمة شرعا والمستقبحة اجتماعيا ، كالغيبة والنميمة والهمز ، وكثرة الكلام والضحك ، والتلفظ بالألفاظ غير المقبولة في المجتمع ، والتدخين.

تاسعا: البعد عما يسمى بخوارم المروءة. وإن كانت ما لم يحرم شرعا كمضغ العلكة أثناء العمل ، ولبس الملابس الشاذة اجتماعيا.

عاشرا: توضيح اللباس الشرعي الساتر للجاليات من خلال مظهرك وملبسك. والله. الله في الحجاب فاجعليه شيئا بارزا في مظهرك فالناعقون عندما بدأوا يطلون برؤوسهم من جحورهم الموحلة لتدمير الإسلام وأصوله العظيمة إنما كانت من خلال نزع الحجاب في أمثال هذه المؤسسات لدفع الفتاة إلى الرذيلة وإبعادها عن سياج الصون والعفاف.

 

وأخيرا: اجعلي رضى الله - سبحانه وتعالى- وتحقيق عبوديته من خلال هذه المهنة هو الهدف الأسمى ، أما النجاح المادي والإجتماعي أو الحفاظ على السمعة وتحقيق الشهرة فإنه يأتي بعد ذلك تحقيقا لقوله - تعالى - إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ.

أختي المسلمة: إن بإمكان كل إمرأة عاملة في المجال الصحي أن تكون داعية إلى الله إذا التزمت بهذه الضوابط ، والأمر يسير لمن يسره الله لها.

إن الأمل يحدونا إلى أن تكون هناك دعوة نسائية داخل المؤسسات الصحية وأن تكون هذه المحاولات جادة وأصيلة قائمة على مسالك رشيدة تبدأ من إصلاح النفس حتى ينعكس ذلك الإصلاح والخير على الغير ، ولا ننسى هنا أن نذكر بأهمية الدعوة القولية. أو الدعوة بإحدى الوسائل السمعية كالكاسيت.. أو المقروءة كالكتب والمنشورات... الخ.

 

أختي المسلمة العاملة في المجال الصحي: إن قيامك بالدعوة أياً كان نوعها ، ومهما كان حجمها يجعل منك عنصرا فعالا في بناء مجد دينك وأمتك وسوف تضمنين سعادة الدنيا والآخرة ، وهذا تحقيقا لقوله - تعالى -: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونٍَ(سورة: النمل: الآية / 97.).

وقد أكد جمع من المفسرين أن الحياة الطيبة تكون في الدنيا والجزاء بالأجر يكون في دار الآخرة. (17)

والله - تعالى - أسال أن يجعلنا هداة مهتدين ، غير ضالين ولا مضلين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

-------

1- خطبة الحاجة: كما سماها العلماء ، وأثبت الشيخ محمد ناصر الدين الألباني صحة بعض طرقها ، وله رسالة بعنوان (خطبة الحاجة) (ص 13) المكتب الإسلامي 1400هـ وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة ، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني (1/3). الطبعة الرابعة 1405هـ. ط. المكتب الإسلامي (بيروت).

2- انظر: رسالة في الدعوة إلى الله / للشيخ محمد بن صالح العثيمين (ص 5) مكتبة الربانيين.

3- انظر: أعلام الموقعين عن رب العالمين / للعلامة ابن قيم الجوزية (1/8) دار الفكر ، ط. الثانية 1397هـ.

4- المرأة المسلمة المعاصرة إعدادها مسؤوليتها في الدعوة ، د. أحمد أبابطين (ص 105).

5- انظر: الجامع لأحكام القرآن الكريم / للامام القرطبي (14/178).

6- انظر: أحكام القرآن / للامام أبو بكر بن العزي (3/1526).

7- انظر: تفسير القرآن العظيم / للحافظ ابن كثير (7/167).

8- صحيح البخاري مع فتح الباري (6/111) حديث 2942 ، كتاب الجهاد ، باب دعاء النبي الناس إلى الإسلام.

9- انظر: شرح الإمام النووي على صحيح مسلم (16/226).

10- صحيح مسلم (4/2060) حديث 2674 ، كتاب العلم ، باب من سن سنة حسنة أو سيئة.

11- الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي / للإمام ابن القيم (184)..

12- صحيح البخاري مع فتح الباري (6/496) حديث 3461 ، كتاب الأنبياء.

13- صحيح مسلم (1/69) حديث 49. كتاب الإيمان ، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان..

14- نقلا عن كتاب المرأة المسلمة المعاصرة إعدادها ومسؤوليتها في الدعوة / د. أحمد بن محمد أبابطين (ص 3 ـ 5).

15- انظر: المدخل إلى علم الدعوة / د. محمد أبو الفتح البيانوني (ص 273).

16- نقلا عن مجلة المستقبل ، العدد / 122 جمادى الأخرة 1422هـ (ص 14 ، 16).

17- انظر على سبيل المثال: تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير (4/521).

رقية بنت نصر الله نياز

  • 1
  • 0
  • 7,337

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً