العفيفة الطاهرة رضي الله عنها
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الكرام وسلم تسليماً كثيراً.
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الكرام وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [سورة آل عمران:102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا) [سورة النساء: 1].
(أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[سورة الأحزاب: 70 - 71]([1]).
أما بعد:
فإن خير الحديث كلام الله- تبارك وتعالى -وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة في النار([2]).
فمن المعلوم أن منهج أهل السنة والجماعة حب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتوليهم، وكذلك حب آله الأطهار وأزواجه العفيفات الطاهرات وتوليهن ويتبرؤون من كل من أبغضهن أو أبغض الصحابة الكرام رضوان الله على الجميع، وأهل السنة والجماعة قائمون بالقسط شهداء لله، وقولهم حق وعدل لا يتناقض، وأما الرافضة ففي أقوالهم من التناقضات الشيء الكثير ومن قرأ لهم أو شاهد قنواتهم يدرك ما عليه القوم من كذب وزور وسب ولعن لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسهم أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر وأبوها وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - جميعاً، وأهل السنة والجماعة عندهم أن أهل بدر كلهم في الجنة، وكذلك أمهات المؤمنين: عائشة وغيرها، وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وطلحة والزبير هم سادات أهل الجنة بعد الأنبياء، ويمسكون عما شجر بين الصحابة من الخلاف والقتال فتلك دماء عصمنا الله منها فنعصم ألسنتنا من الوقيعة بهم وقال شيخ الإسلام كلاماً أورده بتصرف: "وأهل السنة يقولون: إن أهل الجنة ليس من شرطهم سلامتهم عن الخطأ، بل ولا عن الذنب، بل يجوز أن يذنب الرجل منهم ذنباً صغيراً أو كبيراً ويتوب منه، وهذا متفق عليه بين المسلمين، وإذا كان هذا أصلهم فيقولون: ما يذكر عن الصحابة من السيئّات كثير منه كذب، وكثير منه كانوا مجتهدين فيه، ولكن لم يعرف كثير من الناس وجه اجتهادهم، وما قدّر أنه كان فيه ذنب من الذنوب لهم فهو مغفور لهم: إما بتوبة، وإما بحسنات ماحية، وإما بمصائب مكفّرة، وإما بغير ذلك، فإنه قد قام الدليل الذي يجب القول بموجبه: أنهم من أهل الجنة، فامتنع أن يفعلوا ما يوجب النار لا محالة، وإذا لم يمت أحد منهم على موجب النار لم يقدح ما سوى ذلك في استحقاقهم الجنة. ونحن قد علمنا أنهم من أهل الجنة، ولو لم يعلم أن أولئك المعينين في الجنة لم يجز لنا أن نقدح في استحقاقهم للجنة بأمور لا نعلم أنها توجب النار، فإن هذا لا يجوز في آحاد المؤمنين الذين لم يعلم أنهم يدخلون الجنة، ليس لنا أن نشهد لأحد منهم بالنار لأمور محتملة لا تدل على ذلك، فكيف يجوز مثل ذلك في خيار المؤمنين، والعلم بتفاصيل أحوال كل واحد منهم باطناً وظاهراً وحسناته وسيئاته واجتهاداته، أمر يتعذر علينا معرفته؟! فكان كلامنا في ذلك كلاماً فيما لا نعلمه، والكلام بلا علم حرام، ولهذا كان الإمساك عما شجر بين الصحابة خيراً من الخوض في ذلك بغير علم بحقيقة الأحوال، إذ كان كثير من الخوض في ذلك أو أكثره كلاماً بلا علم، وهذا حرام لو لم يكن فيه هوىً ومعارضة الحق المعلوم، فكيف إذا كان كلاماً بهوىً يطلب فيه دفع الحق المعلوم؟! فمن تكلّم بهذا الباب بجهل أو بخلاف ما يعلم من الحق كان مستوجباً للوعيد، ولو تكلّم بحق لقصد إتباع الهوى لا لوجه الله - تعالى -، أو يعارض به حقاً آخر لكان أيضاً مستوجباً للذّم والعقاب، ومن علم ما دل عليه القرآن والسنة من الثناء على القوم، ورضي الله عنهم واستحقاقهم الجنة وأنهم خير هذه الأمة التي هي خير أمـة أخرجت للناس، لم يعارض هذا المتيَقَّن المعلوم بأمور مشتبهة: منها مالا يعلم صحته ومنها ما يتبين كذبه، ومنها مالا يعلم كيف وقع ومنها ما يعلم عذر القـوم فيه، ومنها ما يعلم توبتهم منه، ومنها ما يعلم أن لهم من الحسنات ما يغمـره، فمن سلك سبيل أهل السنة استقام قوله وكان من أهل الحـق والاستقامة والاعتدال، وإلا حصل في جـهل وكذب وتناقض كحال هؤلاء الضلال"([3])، ويتبرؤون كذلك من كل من يؤذي النبي - صلى الله عليه وسلم - في عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق - رضي الله عنها - وعن أبيها، فقد كانت أحب الناس إليه - صلى الله عليه وسلم - فيجب علينا أن نحب ما يحبه - صلى الله عليه وسلم - فقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - من أحب الناس إليك؟ فقال: ((عائشة))، قيل: فمن الرجال؟ قال: ((أبوها))([4])، وأخبر أن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام([5])، قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: " الثَرِيد بفتح المثلثة وكسر الراء معروف وهو أن يثرد الخبز بمرق اللحم وقد يكون معه اللحم ومن أمثالهم الثريد أحد اللحمين وربما كان أنفع وأقوى من نفس اللحم النضيج إذا ثرد بمرقته"([6])، وقال الإمام النووي - رحمه الله - في شرحه على هذا الحديث: " قال العلماء معناه أن الثريد من كل طعام أفضل من المرق فثريد اللحم أفضل من مرقه بلا ثريد وثريد مالا لحم فيه أفضل من مرقه والمراد بالفضيلة نفعه والشبع منه وسهولة مساغه والالتذاذ به وتيسر تناوله وتمكن الإنسان من أخذ كفايته منه بسرعة وغير ذلك فهو أفضل من المرق كله ومن سائر الأطعمة وفضل عائشة على النساء زائد كزيادة فضل الثريد على غيره من الأطعمة وليس في هذا تصريح بتفضيلها على مريم وآسية لاحتمال أن المراد تفضيلها على نساء هذه الأمة"([7])، وهي زوجة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة كما بشرها بذلك فدل على أنها من أهل الجنة الأبرار، وبرأها الله من فوق سبع سماوات أنزل قرآناً يتلى إلى قيام الساعة، رأها النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام جاء بها ملك في سرقة من حرير ويقول له هذه امرأتك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فأكشف عن وجهك فإذا أنت هي فأقول: إن يك هذا من عند الله يمضه))([8]).
ومن فضائلها - رضي الله عنها - أن الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - كانوا يعلمون من يُحب حبيبهم - صلى الله عليه وسلم - فيتحرون بهداياهم يوم يكون عند عائشة رضي الله عنها([9]).
ومن فضائلها أن جبريل - عليه السلام - يسلم عليها كما في حديث أبي سلمة - رضي الله عنها - أن عائشة - رضي الله عنها - حدثته: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: ((إن جبريل يقرأ عليك السلام قالت فقلت: و- عليه السلام - ورحمة الله))([10]).
ومن فضائلها - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر ابنته فاطمة - رضي الله عنها - بحب عائشة - رضي الله عنها - كما تقول عائشة - رضي الله عنها -: أرسل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي فأذن لها فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة وأنا ساكتة، قالت فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أي بنية ألست تحبين ما أحب؟))، فقالت: بلى، قال: ((فأحبي هذه))، قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجعت إلى أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتهن بالذي قالت وبالذي قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلن لها: ما نراك أغنيت عنا من شيء فارجعي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولي له إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة، فقالت فاطمة والله لا أكلمه فيها أبدا، قالت عائشة: فأرسل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت جحش زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله - تعالى -ما عدا سورة من حد كانت فيها تسرع منها الفيئة قالت: فاستأذنت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عائشة في مرطها على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها فأذن لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، قالت: ثم وقعت بي فاستطالت علي وأنا أرقب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها قالت: فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يكره أن أنتصر قالت: فلما وقعت بها لم أنشبها حين أنحيت عليها قالت: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((وتبسم إنها ابنة أبي بكر))([11]).
ومن فضائلها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات في بيتها واستأذن أزواجه رضي الله عنهن في أن يمرض في بيت عائشة - رضي الله عنها - وكانت تقول: مات بين سحري ونحري كما في حديث عن عائشة قالت: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليتفقد يقول أين أنا اليوم؟ أين أنا غدا؟ استبطاء ليوم عائشة، قالت: فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري"([12])، وعنها - رضي الله عنها -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسأل في مرضه الذي مات فيه يقول: ((أين أنا غدا أين أنا غدا))، يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه يكون حيث شاء فكان في بيت عائشة حتى مات عندها قالت عائشة فمات في اليوم الذي يدور علي فيه في بيتي فقبضه الله وإن رأسه لبين نحري وسحري وخالط ريقه ريقي، ثم قالت: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به، فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن فأعطانيه فقضمته ثم مضغته، فأعطيته رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستن به وهو مستند إلى صدري"([13]).
ومن فضائلها - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتزوج بكراً غيرها، ولا أحب امرأة مثلها كما يقول الإمام الذهبي - رحمه الله -: "وكانت امرأة بيضاء جميلة، ومن ثم يقال لها: الحميراء([14])، ولم يتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بكراً غيرها، ولا أحب امرأة حبها، ولا أعلم في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بل ولا في النساء مطلقاً امرأة أعلم منها.
وذهب بعض العلماء إلى أنها أفضل من أبيها، وهذا مردود، وقد جعل الله لكل شيء قدرا، بل نشهد أنها زوجة نبينا - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة، فهل فوق ذلك مفخرة"([15]).
وقال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "تزوج الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر، - رضي الله عنهما -، وهي بنت ست سنين قبل الهجرة بسنتين، وقيل: بثلاث، وبنى بها بالمدينة أول مقدمه في السنة الأولى، وهي بنت تسع، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة، وتوفيت بالمدينة، ودفنت بالبقيع، وأوصت أن يصلي عليها أبو هريرة سنة ثمان وخمسين، ومن خصائصها: أنها كانت أحب أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه، كما ثبت ذلك عنه في البخاري وغيره، أنه سئل أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة". قيل: فمن الرجال؟ قال: "أبوها"، ثم ذكر جملة من خصائصها فمنها:
أنها أحب الناس إليه كما في الحديث المتقدم، ومنها: أنه لم يتزوج بكراً غيرها، ومنها: أن الوحي كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في لحافها دون غيرها من النساء، ومنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أنزل الله عليه آية التخيير بدأ بها فخيرها، فقال: ولا عليك أن تعجلي حتى تستأمري أبويك" فقالت: أفي هذا أستأمر أبويَّ، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة" فاستن بها بقية أزواجه - صلى الله عليه وسلم -، ومنها: أن الله برأها مما رماها به أهل الإفك، وأنزل عذرها، وبراءتها، وحياً يتلى في محاريب المسلمين، وصلواتهم إلى يوم القيامة، وشهد لها أنها من الطيبات، ووعدها المغفرة والرزق الكريم وأخبر - سبحانه - أن ما قيل فيها من الإفك كان خيراً لها، ولم يكن شراً لها، ولا عيب، ولا خافظ من شأنها بل رفعها الله بذلك، وأعلى قدرها وعظم شأنها، ومنها: أن أكابر الصحابة - رضي الله عنهم - كان إذا أشكل عليهم أمر في دين الله سألوها يجدوا عندها علماً، ومنها: أن الملك أرى صورتها للنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يتزوجها في خرقة حرير، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن يكن هذا من عند الله يمضه"، ومنها: أن الصحابة الكرام كانوا يتحرون هداياهم يومها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقرباً إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيتحفونه بما يحب في منزل أحب نسائه إليه رضي الله عن الجميع، ومنها: أن جبريل - عليه السلام - دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي عنده فرأته في صورة دحية بن خليفة الكلبي [لحديث فيه أن النبي قال لها: من هذا؟ فقالت: هذا دحية الكلبي]"([16])أ. هـ.
وفضلّت على بقية أزواجه - صلى الله عليه وسلم - بأمور قالت عن نفسها - رضي الله عنها - وأرضاها: فضلّت على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - بعشر، قيل ما هن يا أم المؤمنين؟
قالت:
1. لم ينكح بكراً غيري.
2. لم ينكح امرأة أبواها مهاجران غيري.
3. وأنزل الله برائتي من السماء.
4. وجاء جبير - عليه السلام - بصورتي من السماء في حريرة وقال: تزوجها فإنها امرأتك.
5. وكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد ولم يكن يصنع ذلك بأحد من نساءه غيري.
6. وكان يصلي وأنا معترضة بين يديه ولم يكن يفعل ذلك بأحد من نساءه غيري.
7. وكان ينزل عليه الوحي وهو معي ولم يكن ينزل عليه وهو مع أحد من نساءه غيري.
8. وقبض الله روحه وهو بين سحري ونحري.
9. ومات بالليلة التي كان يدور عليّ فيها.
10. ودفن في بيتي([17]).
هذه بعض فضائل أمنا العفيفة الطاهرة، وإلا فالحديث عن العظماء يحتاج إلى مجلدات، لا يكفي بالغرض مثل هذه الورقات، ولكن يكفينا أننا زينا ما سطرنا بالثناء على حبيبة الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، وذكر بعض فضائلها، وقد أحسن القائل:
ولو كان النساء كمن فقدنا *** لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لا الشمس عيب *** ولا التذكير فخر للرجال
العلاقة الحسنة بين أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - وعلي بن أبي طالب وزوجته فاطمة وآل البيت وعلاقتهم بها - رضي الله عنهم - جميعاً من كتب الشيعة:
فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما رأيت رجلاً كان أحب إلى رسول الله منه، وما رأيت امرأة كانت أحب إلى رسول الله من امرأته"([18]).
وعنها - رضي الله عنها - قالت: ((كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فأقبل علي بن أبي طالب، فقال: ((هذا سيد العرب))، فقلت: يا رسول الله ألست سيد العرب؟ قال: ((أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب))، فقلت: وما السيد؟ قال: ((من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي))([19]).
وعنها - رضي الله عنها - قالت: ((قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ذكر علي عبادة))([20]).
وعنها - رضي الله عنها - قالت: ((زينوا مجالسكم بذكر علي))([21]).
فعن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "رأيت أبا بكر يكثر النظر إلى وجه علي، فقلت له: يا أبه، أراك تكثر النظر إلى وجه علي؟ فقال: يا بنية، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: النظر إلى وجه علي عبادة"([22])
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في عائشة - رضي الله عنها -: "لو كان امرأة تكون خليفة لكانت عائشة خليفة"([23]).
وروى عن محمد بن زيد أخي الحسن بن زيد أنه قدم عليه رجل من العراق فذكر عائشة - رضي الله عنها - بسوء فقام إليه بعمود فضرب به دماغه، فقتله، فقيل له: هذا من شيعتنا ومن بني الآباء، فقال: هذا سمى جدي قرنان([24])، ومن سمى جدي قرنان استحق القتل فقتلته" ([25]).
فبهذا النقل يتبين للقارئ الكريم أن الشيعة متناقضون في كلامهم يقولون أن عائشة كانت حاقدة مبغضة للإمام علي وأولاده وزوجته - رضي الله عنهم -، وكتب السنة فيها الشيء الكثير من النماذج للعلاقة الحسنة المتبادلة بينهم ولكن اكتفيت بالنقل من كتب القوم لتعرف التناقض.
حكم من سب أم المؤمنين:
بينا فيما سبق شيئاً من فضائل أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، وعقيدة أهل السنة تجاه الصحابة الكرام وأمهات المؤمنين وذلك بحبهم وموالاتهم واتباعهم فهم نقلت الدين إلينا ونصر الله بهم الدين، وأن من سبهم سباً غير قادحٍ في عدالتهم فهو فاسق ومن كفرهم كفر لقول الله- تبارك وتعالى -: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [سورة الفتح: 29]، إذ لا يغتاظ منهم إلا كافر، وقال - تعالى -مبيناً أنه حبب إليهم الإيمان وكره إليهم الكفر والفسوق: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) [سورة الحجرات: 7]، ومن رمى أم المؤمنين بما برأها الله منه في سورة النور فقد كفر بالله- تبارك وتعالى -ذلك لأنه مكذب بالقرآن لأن الله يقول: (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [سورة النــور: 11] إلى قوله - تعالى -: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [سورة النــور: 26]
وقال أبو بكر بن العربي: "إن أهل الإفك رموا عائشة المطهرة بالفاحشة فبرأها الله، فكل من سبها بما برأها الله منه فهو مكذب لله، ومن كذب الله فهو كافر فهذا طريق قول مالك، وهي سبيل لائحة لأهل البصائر ولو أن رجلاً سب عائشة بغير ما برأها الله منه لكان جزاؤه الأدب"([26]).
وقد ساق أبو محمد بن حزم الظاهري بإسناده إلى هشام بن عمار، قال: سمعت مالك بنت أنس يقول: من سب أبا بكر وعمر جلد، ومن سب عائشة قتل، قيل له: لم يقتل في عائشة؟، قال: لأن الله - تعالى -يقول في عائشة - رضي الله عنها - (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
قال مالك: فمن رماها فقد خالف القرآن ومن خالف القرآن قتل.
قال أبو محمد - رحمه الله -: "قول مالك ههنا صحيح وهي ردة تامة وتكذيب لله - تعالى -في قطعه ببراءتها"([27])أ. هـ.
وقال الإمام الذهبي - رحمه الله - في ترجمة الحارث بن مسكين بن محمد بن يوسف الأموي: "وضرب الحد في سب عائشة أم المؤمنين"([28]).
وقال أبو الخطَّابِ ابنُ دِحية في أجوبة المسائل: وشَهِد لقول مالك كتابُ الله، فإنَّ الله إذا ذَكَر في القرآن ما نَسَبه إليه المشرِكون سبَّح نفسَه لنفسِه، قال - تعالى -: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا - سبحانه -) [الأنبياء: 26]، والله - تعالى -ذَكَر عائشةَ، فقال: (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) [النور: 16]، فسبَّح نفْسَه في تنزيهِ عائشةَ، كمَا سبَّح نفسَه لنفسِه في تنزيهه؛ حكاه القاضي أبو بكر ابن الطيِّب"([29])
وقال العلامة ابن عثيمين - رحمه الله -: "ومن قذف عائشة - رضي الله عنها - بما برأها الله منه كفر بلا خلاف، ومن سب غيرها من أزواجه - صلى الله عليه وسلم - ففيه قولان:
أحدهما: أنه كَسَبِّ واحدٍ من الصحابة، والثاني وهو الصحيح: أنه كقذف عائشة رضي الله عنها»، وعلى هذا فإن من سب واحدة من أمهات المؤمنين يكون كافراً؛ لأن سبها قدحٌ في النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا سيما فيما يعود على دنس الفراش، وفساد الأخلاق، فإن هذا من أكبر الجرائم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى هذا فنقول: من سب عائشة - رضي الله عنها - أو غيرها من زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه يكفر على القول الراجح"([30]).
وغير ذلك من الأقول التي تبين خطر الكلام في الصحابة عموماً وخطر قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله - تعالى -عنها، اقتصرنا على الأقوال المتقدمة حرصاً على الاختصار فما قل وكفى خير مما كثر وألهى، والذي يؤمن بالله- تبارك وتعالى -يكفيه دليل واحد من القرآن أو من السنة على براءتها، وأسأل الله الكريم رب العرش الكريم أن يهدي ضال المسلمين وأن يردنا إلى ديننا رداً جميلاً، وأسأله أن ينفعنا بما قلنا وينفع به من قرأه أو اطلع عليه، والحمد لله رب العالمين وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله الأطهار وصحابته الكرام الأبرار وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
([1]) رواه أحمد في المسند (1/392-393-432)، وأبو داود برقم (2118)، والترمذي وحسنه برقم (1105)، وصححه الشيخ مقبل الوادعي في تذييله على المستدرك (2/217) رقم(2803)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقد أفرده العلامة الألباني برسالة مستقلة.
([2]) رواه مسلم، كتاب الجمعة، باب رفع الصوت بالخطبة وما يقول فيها(6/293) رقم(2002) بشرح النووي بدون زيادة ((وكل ضلالة في النار)) فهي عند النسائي في كتاب صلاة العيدين، باب كيفية الخطبة، برقم (1577) وغيرهما.
([3]) منهاج السنة، للشيخ الإسلام ابن تيمية (4/310 - 313) بتصرف.
([4]) رواه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه و سلم: (لو كنت متخذا خليلا)، برقم (3462).
([5]) رواه البخاري، كتاب الأنبياء، باب فضل عائشة رضي الله عنها، برقم (3559)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها، برقم (2446).
([6]) انظر: فتح الباري، لابن حجر(9/551) دار المعرفة.
([7]) شرح النووي على مسلم (15/199).
([8]) رواه مسلم، كتاب الفضائل، باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها، برقم (2438).
([9]) رواه مسلم، كتاب الفضائل، باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها، برقم (2441).
([10]) رواه مسلم، كتاب الفضائل، باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها، برقم (2447).
([11]) رواه مسلم، كتاب الفضائل، باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها، برقم (2442).
([12]) رواه مسلم، كتاب الفضائل، باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها، برقم (2443).
([13]) رواه البخاري، كتاب الأنبياء، باب مرض النبي صلى الله عليه و سلم ووفاته، برقم (4185)، ومسلم.
([14]) "تصغير حمراء، يريد بها البيضاء، وامرأةٌ حمراء أي: بيضاء" انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (1/1044)، لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي - محمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية - بيروت، سنة النشر: 1399هـ - 1979م، وتاج العروس من جواهر القاموس (11/73)، لمحمد بن محمد بن عبدالرزاق الحسيني الملقب بمرتضى الزبيدي، تحقيق مجموعة من المحققين، دار الهداية، تهذيب اللغة (5/37)، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، تحقيق: محمد عوض مرعب، دار التراث العربي - بيروت، سنة النشر: 2001م.
([15]) سير أعلام النبلاء (2/140)، حققه: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط3، سنة النشر: 1405هـ - 1985م.
([16]) تفسير ابن كثير (6/404-406)، للإمام الحافظ أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير، تحقق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، ط2، سنة النشر:1420هـ - 1999م، بتصرف.
([17]) انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد(8/63-64).
([18]) انظر: أمالي الطوسي (254)، وبحار الأنوار، للمجلسي (37/40)، وأعيان الشيعة (1/354)، ونفحات الأزهار (14/381).
([19]) بحار الأنوار، للمجلسي (38/93)
([20]) بحار الأنوار، للمجلسي (38/199-200).
([21]) بحار الأنوار، للمجلسي، (38/201).
([22]) بحار الأنوار، للمجلسي (26/229) (38/201).
([23]) الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة (2/401)، لأبي القاسم إسماعيل ابن محمد بن الفضل التيمي الأصبهاني، تحقيق: محمد بن ربيع بن هادي المدخلي، دار الراية، سنة النشر: 1419هـ -1999م.
([24]) قرنان: على وزن سكران، وهو الذي لا غيرة له، قال الأزهري: هذا قول الليث وهو من كلام الحاضرة ولا يعرفه أهل البادية. انظر: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي (2/501)، لأحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي، المكتبة العليمة - بيروت.
([25]) الصارم المسلول على شاتم الرسول (1/568)، للشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، تحقيق : محمد عبد الله عمر الحلواني , محمد كبير أحمد شودري، دار ابن حزم - بيروت، ط، سنة النشر: 1417هـ.
([26]) أحكام القرآن (3/135).
([27]) المحلى، للإمام ابن حزم الظاهري (13/504)، والشفاء للقاضي عياض(2/267).
([28]) سير أعلام النبلاء (12/ 57).
([29]) الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة (ص: 29).
([30]) الشرح الممتع على زاد المستقنع (14/ 438).
محمد بن عبد الله العبدلي
- التصنيف:
- المصدر: