مغالطات القديمي في تعليقه حول فكرة سيادة الأمة العلمانية
لا أنسى أن القديمي لا يرى سيادة الأمة أمراً مطلقاً، فهو لا يعتبر بها عندما تقرر إلغاء الديمقراطية وإقامة نظام ملكي مثلاً، وقرر مرة أن في ذلك: اعتداء على حقوق الأجيال المستقبلة في المشاركة السياسية، قلت: هكذا تشيد الحصانة أمام سيادة الأمة لئلا تعتدي على (حقوق) نطف في ظهور آبائها، أما حق الله الموجود الأزلي فلا نصرة له!
قرأت تعليق الأستاذ / نواف القديمي ، حول موضوع سيادة الأمة عبر هاتفي الجوال، ولمحت في أحد مقاطعه حديثاً عن حرب أبي بكر للمرتدين، ولا أخفيكم أنه انتابني شعور بالراحة حيث الجدية والمصداقية في الطرح دفعت هذه المرة إلى مناقشة الأدلة والتعليق عليها، وهو ما كان يفتقده الآخرون حيث ينتهجون منهج التقرير لهذه الفكرة المخالفة دون التفات إلى الأدلة التي تنقض كلامهم والتي ما فتئ الناس يذكرونهم بها ويوردونها عليهم، في سلوك لا يخدم موقف الجاد في بحثه عن الحق .
غير أني ما لبثت - بعد أن ختمت المقالة - أن أصبت بخيبة أمل، وتعمقت عندي قناعة بأن حجم المخالفة التي يرتكبها التنويريون بترويجهم لهذه الفكرة، يستعصي معه أن يكتب أحدهم كتابة لا يحتاج فيها إلى قدر من التزييف والأغاليط، وحتى لا يكون الكلام ملقى على عواهنه، فهذا تعقيب مختصر على القضايا التي ذكرها القديمي في تعليقه، وهي بإجمال :
( تصويره للخلاف وعرضه للأقوال ، جوابه على الاستدلال بحروب الردة ، ما طرحه مما يظنه أدلة تدعم رأيه في عدم الإلزام بالشريعة ، نسبة رأيه إلى فقهاء مشهورين وإسقاطه لردات الفعل تجاهه والمالكي على هؤلاء الفقهاء، نصيحته الأخلاقية حول إطلاق الأوصاف الشرعية )
والتعليق على كل واحدة من هذه القضايا في فقرة مستقلة، وباختصار قدر الإمكان، بقدر أحسبه كاف في بيان حجم المغالطة والتزييف، والله المستعان ومنه وحده التوفيق.
- تصويره للخلاف، وعرضه للأقوال :
طريقة القديمي في عرض الخلاف فيها نوع من عدم الصراحة، فقد قال في تلخيصه لتصوره وتصور المالكي:
( أن هناك فرقاً بين الالتزام الواجب للمسلم بالشريعة.. وبين فرض تطبيق الشريعة على (أمّة) رفضتها) قلت: حقيقة الخلاف تقتضي - كما تقتضي المقابلة المنطقية - أن يقول : ( أن هناك فرقاً بين الالتزام الواجب على المسلم بالشريعة .. وبين الالتزام الواجب على مجموع المسلمين في دولتهم بالشريعة ) فهذا هو الفرق الحقيقي، أما القفز إلى إحدى نتائجه وثمراته، والتعبير بحالة (رفض الأمة) التي هي حالة افتراضية ليست هي محل الخلاف الأصلي وإنما هي مسألة مبنية عليه، فليس تعبيراً موضوعياً نزيهاً، بل هو يمنح الكاتب فرصة لتخفف من تبعات أقواله مقابل تحميل قول خصمه ما لا يحتمل!
السؤال الآن : ما الفرق بين التعبيرين؟ الفرق أن التعبير الذي أعرض عنه القديمي ألصق بحقيقة الخلاف، وألصق برأيهم الذي لا ينزع إلزامية الشرع في حالة رفض أمة له فحسب، إنما ينزعها من الأساس ويتناولها على أنها مفتقرة أصلا للإلزامية ما لم يتم التصويت عليها، ومن ثمرات ذلك: أنهم يجوزون في أوضاع المجتمعات الإسلامية المستقرة - كمجتمعنا السعودي - أن تطرح الشريعة للتصويت، ويكون لمخالفيها ورافضيها كامل الحق في التعبير عن رفضهم بل وتقديم مشاريعهم المنحرفة وإنشاء أحزابهم اللادينية لتنافس الشريعة، وفي النهاية : من يحوز على قدر أعلى من الأصوات يحوز على المشروعية، فالخلاف ظاهر ومحتدم في حالة ما قبل رفض أمة من الناس للشريعة، وهي حالة المجتمع المسلم في غالبيته وكليته.
لو افترضنا توفر القصد عند الكاتب في عدم التعرض للخلاف بهذه الصورة الصريحة، فما هي مكتسباته من التعبير بثمرة من ثمار الخلاف وكأنها هي الخلاف؟
الجواب : أن تعبيره (برفض الأمة) للشريعة كأنه هو مناط الخلاف، تعبير يستثير المعاني الكامنة في عقل القارئ من عدم إمكانية ( فرض الشريعة على أمة ترفضها ) فهو يضرب على هذا الوتر مستغلاً المعقولية في عدم فرض الشريعة عند عدم الإمكان، ولذا فإنه في المثال الذي ذكره ليوضح به حقيقة الخلاف؛ جعل نسبة الرافضين لحكم الشرع 90 % من الأمة، وعبر بلفظ (الأغلبية الساحقة) ، كل هذا ضرباً على وتر المعقولية في ترك تطبيق الشريعة في أحوالٍ يبعد مادياً أن تطبق فيها بصورة مستقرة وممكنة.
وأنا أعد هذا التصرف من الكاتب: عليه، وعاضداً للحكم الشرعي الذي خالفه، إذ أن وجوب وإلزامية الشريعة كما هو على المسلم فهو على مجتمع المسلمين بمجموعهم، وإنفاذه في مجتمع المسلمين مسؤول عنه أمام الله كل من كانت له مقدرة ومكنة ويد في الإنفاذ، فلا يتأخر في هذا الوجوب إلا في حال عدم القدرة والمكنة، وهذا هو التقرير الذي أجمع عليه المسلمون وهو هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم وهدي الخلفاء الراشدين، وهو الذي خالفه القديمي والمالكي.
فالمثال الذي ذكره (90% يرفضون الشريعة) والتعبير الذي عبر به ( الأغلبية الساحقة) كلها محاولات للاعتضاد بمعنى عدم القدرة، إذ يبعد جداً في مثل هذه الصور التي ذكرها أن يكون ثمة مقدرة على تطبيق الشريعة عند من ثبت عليها ولم يكفر بها.
لكنه أعرض عن الأمثلة التي تلزم فكرته دون هذا المثال الافتراضي البعيد، فمنها مثلاً : أنه لو فرضنا مجتمعاً مسلماً محافظاً - كمجتمعنا - فيه قلة من المرتدين والزنادقة فإنه يسوغ من حيث الأصل أن يطرح هؤلاء الزنادقة مخالفاتهم ويعبروا عن رفضهم للشريعة، وليس فقط، بل أن يقدموا مشروعاً سياسياً لادينياً يزاحمون به التصور الإسلامي في السياسة، كل هذا لأن الشريعة أصلا ليست لازمة على المستوى الجماعي أصلاً وهي مفتقرة إلى مشروعية تجعلها لازمة، ليس فقط أنها ليست لازمة في حال ما إذا رفضتها الأغلبية الساحقة !
ومن الأمثلة القريبة أيضاً: أن الأمر لا يتوقف على الأغلبية الساحقة، بل حتى الأغلبية المطلقة، فما الذي يميز 55 % يرفضون الشرع ضد 45 % يؤيدونه ، عن 90 % من الرافضين ضد 10% من المؤيدين؟ ويجب أن يعترف الكاتب أنه يجعل تطبيق الشريعة ذلك الأصل اليقيني مناطاً بلعبة طالما داخلتها القذارات في ظلها يكون من المحتمل طرح الشريعة في مجتمع مسلم ليس بالضرورة أن الأغلبية فيه يرفضونها، وإنما الأغلبية المطلقة في الاقتراع التي تقارب الأغلبية في المجتمع، وتظل هذه المقاربة معرضة للانحسار كلما كان الفارق طفيفاً في التصويت .
بخلاف الحكم الشرعي المحكم الذي خالفه نواف والمالكي وغيرهما، والذي ينيط الأصل اليقيني في تحكيم الشريعة بكل من له يد في المجتمع المسلم، ويجعل التخلف عن تطبيقها لمن كانت له قدرة عليه جريمة لا يعذره فيها أمام الله نتائج الصندوق!
وكأني بسؤال يطرحه أحدهم عن (هذه القدرة واليد في المجتمع المسلم) كيف السبيل للوصول إليها؟ والجواب: أن السبيل للوصول إليها هو الشورى، والسبيل الذي ينافي الشورى سبيل محرم ( وهو التفرد والتغلب ) إلا أن هذا البحث منفك عن البحث في وجوب إنفاذ الشريعة لمن له القدرة واليد، فسؤال: سبيل القدرة واليد، غير سؤال: مهمات القادر وذي اليد، جواب الأول: الشورى بين المؤمنين كأصل محكم في السياسة، وجواب الثاني: مهمات إسلامية جليلة في إقامة الشرع وتطبيقه كلها عدل ورحمة ونهضة ونور.
تبقى أخيراً في هذه الفقرة قول نواف : (أن المُسلم بنفسه ليس مُخيراً في مسألة التزامه بالشريعة، بل هو مأمورٌ بالتزامها _وهو أمر كرره وأكده عبدالله المالكي مرات عديدة_ .. وعلى هذا وردت النصوص الشرعية التي أوردها المعترضون، من مثل قوله تعالي: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول).. وقوله عز وجل: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم).. وقوله: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم).. وسوى ذلك من نصوصٍ شرعيّة تدلّ على وجوب التزام المسلم بالشريعة وبحكم الله عز وجل.)
قلت: هذه مغالطة فظيعة، لأن وجوب الشريعة على المسلم وعلى المسلمين بمجموعهم، والخطاب للمجموع: ( فإن تنازعتم في شيء .. ) ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك ) هذه معان تتعلق بالجماعة، فسلوك الجماعة في التحاكم إلى غير الله وغير رسوله سلوك مناقض لهذه الأوامر القرآنية الصريحة التي علق الله وصف الإيمان بها لشدة إلزاميتها وتؤكدها، أما القول: بأن الشريعة واجبة على المسلم الفرد كعقيدة، وليست واجبة على الجماعة في السياسة العملية فهو قول صريح في مصادمة هذه الآيات، فالآيات متناولة الوجوب على المستوى الفردي وعلى مستوى الأمة، والتفريق بين المستويين هو سر العلمانية الذي على ضوئه يفهم البعض الواجبات الدينية والشرائع الإسلامية على أنها متوجهة للقلب والضمير، أما الميدان السياسي، والدولة الحديثة - عندهم - فتستمد مهامها وهويتها و واجباتها بعيداً عن الدين، اللهم في حالة مرر هذا الدين عبر صندوق الاقتراع، فخرج من كونه واجباً دينياً إلى كونه مشروعاً سياسياً فاز بالتصويت !!
- جوابه على الاستدلال بحروب الردة :
حروب الردة من أظهر الشواهد التاريخية التي تنقض تصورات القديمي والمالكي، وعبد الله المالكي على كثرة ما كتب في الموضوع إلا أنه لم يتطرق لهذه المسألة مطلقاً، فهي نقطة تحسب للقديمي أن تجرأ على مناقشتها بغض النظر عن كونه لم يجد في المناقشة ولم يقدم شيئاً يذكر .
وصورة الشاهد فيها: ( أنّ أبا بكر رضي الله عنه لما ولي الخلافة، لم يوافق على ولايته أصناف من الناس من منطلقات عدة، يتسنمها منطلقين: 1- اتباع المتنبئن بعد وفاة الرسول واعتقاد الطاعة لهم . 2- الامتناع عن دفع الزكاة لاعتقاد أنها خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم لا تدفع للولاة من بعده. وبعض هؤلاء قدم اعتراضات على ولاية أبي بكر نفسه، كما قال شاعرهم: أطعنا رسول الله مادام بيننا * فيالعباد الله ما بال أبي بكر؟ . إلا أن أبا بكر لم يعتبر لأي منهم رأياً لا في ولايته ولا في القضية التي خالف فيها شرع الله، وتناول الأمر على أنه تمرد على الشريعة بالتالي هو تمرد على الدولة، فقاتل المرتدين حتى أسلموا، وقاتل من منع الزكاة حتى دفعوها، رغم أنهم كانوا هم الأكثر، فلم يقر على الإسلام كما ذكرت المصادر التاريخية سوى مكة والمدينة وبعض القرى )
ويكمن الاحتجاج بهذا الشاهد التاريخي من أوجه عدة: أولها أنه هدي الخليفة الراشد الأول، وقد أوصى صلى الله عليه وسلم باتباع هديه، ثانيها أنه إجماع الصحابة، ورغم أن بعضهم استشكل قتال من يمنع الزكاة وهو مسلم - كما استشكلوا وفاة الرسول - إلا أن أبا بكر استدل لهم بالنصوص، فأقروا بأنه الحق وأجمعوا معه على الحرب، ثالثها أنه إجماع المسلمين، حيث حمدوا لأبي بكر رضي الله عنه هذا الموقف الصارم وعدوه من مناقبه الجليلة التي حفظ الله بها (الشريعة) والإسلام، وهذا كله ينافي ويرفض التصور الديمقراطي الذي يعد عمل أبي بكر افتئاتاً على الناس واستبداداً .
كيف أجاب نواف القديمي على حرب المرتدين؟ قال:
( المُرتدين كانوا قد انفصلوا عن جسم الدولة المُسلمة، وظهر عند كثيرٍ من الأقوام مُدعي النبوة (كما عند أقوامِ مُسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، وسجاح التميميّة، وطليحة الأسدي).. إضافة إلى أنه بإجماع المسلمين أن (من منع تقديم الزكاة إلى الحاكم وقرر صرفها بنفسه) أنه لا يكفر.. وبذلك فليس كلُ من قاتلهم أبو بكر كانوا كفاراً.. وهذا يُعطي اعتباراً إلى أن الانفصال السياسي عن جسم الدولة المُسلمة كان من ضمن مُبررات القتال.. إضافة إلى ما أشار إليه البعض من خصوصية الجزيرة العربية. )
والحقيقة أن هذا الجواب فيه غلطات منهجية و علمية كبيرة، عوضاً عن كونه إنشائياً خالياً من الاستدلال والتحقيق، ومن الغلطات فيه : أن أوله متناقض مع آخره، فأوله يبرر القتال تبريراً سياسياً للمحافظة على الوحدة الوطنية، وآخره يشير إلى خصوصية جزيرة العرب بما يبرر قتال الخارجين فيها على الشريعة فقط! وهما تبريران متناقضان لا أدري أيهما رأياً للكاتب ؟! ومن غلطاته كذلك: حشره لحكم من قرر منع الزكاة للحاكم ودفعها بنفسه، وهو حشر لا مناسبة له من قريب ولا من بعيد، ويفيد أن الكاتب لم يتصور المسألة ولا الأقوال فيها تصوراً صحيحاً، فصورة امتناع طائفة عن دفع الزكاة وخوضها القتال في سبيل ذلك غير صورة امتناع فرد عن دفع الزكاة، وهذا من حيث حكم التكفير، مع أن حكم التكفير لا علاقة له أيضاً بالمسألة، لأن الخلاف حول: إلزامية الشرع، وأطر المخالف عليه بالقوة من قبل الحاكم، وهذه الإلزامية لا علاقة لها بكون المخالف كافراً أو مسلماً بمخالفته.
أما الغلط الأكبر في الجواب برأيي : فهو أنه بناه على أن الصحابة عندهم اهتمام بالوحدة السياسية ويقاتلون لأجلها، وأن قتالهم ليس لأجل التمرد على الشريعة، وهذا مبني على الفكرة العلمانية التي صيغ على ضوئها مفهوم الوطنية الحديث، وهذا المفهوم لم يكن معروفاً في تاريخ المسلمين، فتصرف الكاتب في تفسير تصرفات الصحابة على ضوء مفاهيم الوطنية الحديثة مع تجاهل تام لنصوصهم التي نطقوا بها وفسروا بها منطلقاتهم في القتال: تصرف في غاية البعد عن الموضوعية والعلمية، وما ذهب إليه الكاتب معناه: أنه يجوز في الشريعة للحاكم قتال الأغلبية إذا قررت الانفصال السياسي، لكنه لا يجوز له شرعاً قتالهم إذا قرروا تنحية الشريعة ! وهذا قول لا يجرؤ من يشم رائحة الشريعة على أن ينسبه إليها، وهو قول علماني صارخ منتقع في المادية، حيث يتناول الاستقلال السياسي جريمة ولا يتناول التمرد على الشرع بذرة من تجريم!
ويكفي لإذهاب كل ما قرره الكاتب أدراج الرياح أن نستشهد بنص أبي بكر في صحيح البخاري حيث يفسر هذه الحرب ويبين أنها حرب على من تمرد على الشرع: ( والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ) (والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه ) فمن أين جاء الكاتب بالانفصال السياسي غاية للقتال لا سيما وأنه ظاهر أن أبا بكر لم ينتبه لهذا الانفصال ولم يخطر بباله؟ بل صرح بغايته في حمل الناس على الشرع وأطرهم على الفرائض!
وسوى حرب المرتدين، فلم يتطرق الكاتب للأدلة الشرعية المحكمة التي تنسف قوله من الأساس، وهي أدلة متواترة متنوعة، في صريح القرآن والسنة، ذكر طرفاً منها شيخنا سلطان العميري في مقالته: ( ظاهرة المقابلة بين سيادة الأمة وتطبيق الشريعة ) وذكرها غيره، والاسترسال معها في غير هذا الموضع إن شاء الله.
- ما يظنه أدلة تدعم رأيه في عدم الإلزام بالشريعة :
ذكر الكاتب أربعة أمور ظنها أدلة تدعم تصوره، ومن الملاحظ أنه أسقطها على صورة ( ما إذا رفضت الأمة تطبيق الشريعة ) ولم يسقطها على أساس التصور الذي جاءت هذه الصورة كإحدى ثمراته - كما سبق الوقوف مع هذه النقطة - وما ذكره عبارة عن ثلاث شبهات، ودليل محكم على خلاف ما قرره، كما يلي:
أولاً: استدلاله بالآيات التي تعالج قضية التدين، وتشرح طبيعته، وأنه لا يتأتى إلا بالاختيار لا الإجبار، هذه الآيات كانت في المرحلة المكية - قبل وجود الدولة الإسلامية أصلاً - فمن المفترض أنها ليست خطاباً تشريعياً لموقف الدولة، إنما هي خطاب تثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم مع ما يواجهه من تكذيب وأذى، ثم هي تعالج قضية التدين ولا تعالج قضية الحكم بالشرع، فالإيمان هو قول القلب وعمله قبل قول اللسان وعمل الجوارح، لكن التدين قضية أخرى ليست هي تحكيم الشريعة، وإن كان تحكيم الشرع من لوازم التدين وضروراته التي لا يتم إلا بها، إلا أن الحكم الشرعي يسري على المتدين وعلى غير المتدين، سواء كان هذا الغير رافضاً للتدين بقلبه (منافقاً) أو بظاهره (ذمياً) .
والخلط بين قضية التدين وبين تحكيم الشريعة يوقع في هذا الاحتجاج الخاطئ، ولوازمه الشنيعة، فمن الآيات التي يحتجون بها مثلاً :
{ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} (يونس 108) {يا أيها الناس عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون} (المائدة 48) {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} (الكهف29) {فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلَّ فإنما يضلَّ عليها وما أنا عليكم بوكيل} (يونس 108) {فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب} (الرعد 40) {فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين} (النحل 82) {فإن أعرضوا فما أرسلنا عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ} (الشورى 48) {فذكر إنما أنت مذكّر. لست عليهم بمسيطر} (الغاشية 21-22)
وهذه الآيات كلها ليس موردها متعلقاً بتحكيم الشرع، وإنما هي تشرح طبيعة التدين الذي لا يتأتى إلا بالقناعة، وتبين أن الإيمان (الذي يقوم في القلب قبل قيامه في العمل) ليس لأحد فيه سلطة إلا الله تعالى، وتتحدث عن طبيعة الإنسان حيث وهبه الله خياراً كونياً قدرياً في الإيمان أو الكفر، لكن ليس في شيء من ذلك أنه لا يلزم بحكم الشرع ولا أنه لا يعاقب على إيمانه أو كفره!
وكان يمكن أن يحجزهم عن سوء فهم هذه الآيات: كونها مطلقة عامة في تقرير عدم السلطة على القلوب والإيمان، وليست مقيدة برضى الأمة أو الناس، فإذا تناولنا هذا النفي المطلق على أنه نفي للحكم بالشريعة والإلزام بها، فكيف يحتجون بالآيات المطلقة على معنى مقيد عندهم ( لا يحكم الشرع إلا برضى الأكثرية ) ؟
ولذا لو رآهم الملحد واللاديني يحتجون بهذه الآيات فسيجعلها حجة عليهم ويذهب بها ما تبقى من دينهم، فيوردها عليهم بنصها في حال ما إذا أرادوا إلزام الأقلية بالشريعة، فيقول لهم: ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) ؟ فيصل - بفضل فهمهم للآيات - إلى نفي حكم الشريعة مطلقاً، وكفى بهذا كفراً وزندقة .
ثانياً : ذكر كلاماً يستحق أن يرتقي لمرتبة الشبهة وهو قوله (أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام.. حيث أقام دولة المدينة ببيعة تراضٍ (عقد اجتماعي) مع أهلها، مُسلمهم وكافرهم، كما ورد في صحيفة المدينة، ودون إجبار وقسر.. وكما عقد الرسول عليه الصلاة والسلام بيعة الرضوان بالتراضي والقبول.. إضافة إلى شواهد عديدة من تعامله عليه الصلاة والسلام مع غير المسلمين، كما في قصة إرساله للصحابي الجليل مُعاذ بن جبل إلى اليمن ) وهذا الكلام (إنشاء) وتخيل حول أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يحمل أي قيمة، ولا يتصل بموضع النزاع، لأنه من المؤكد أنه في طور إنشاء الدولة الإسلامية فلن يكون الأمر بغير ( الدعوة والإقناع والسبل السلمية ) التي توفر الأنصار والمؤيدين لقيام الدولة، فإذا قامت الدولة لزمها إنفاذ الشريعة بقدرتها، وهذا لا يعني أن الشريعة مفتقرة إلى مشروعية إنما هي مشروعية تفتقر في بعض الأحول إلى مكنة مادية، بدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم في كل وثائقه التي يبرمها بادئ الأمر ينص على أن المرجع في الحكم إلى الله ورسوله، وهذا يفيد أن ما يفرضه الله أو يفرضه الرسول من شرائع بعد هذه الوثائق يعتبر لازما وإن خاله البعض يعارضها، وأيضاً فإنه صلى الله عليه وسلم لم يستمر على هذه المعاقدات بل لما تحصل له الكيان والقوة سير الجيوش في سائر الجزيرة حتى حمل الجميع على الإسلام ثم أوصى بطرد غير المسلمين منها، ثم بعث إلى الروم، وبشر الصحابة بمواصلة الجهاد وفتح الشام وغزو الفرس .. الخ ، فما يفعله الكاتب انتقائية لم يكن ليلجأ إليها لولا أن قوله مخالف لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يعتد بالرضى والاختيار بل يأطر الناس على الشرع في حال القوة عنده، أما دعوته الناس لدينه حال عدم توفر القوة فهي طاقته وليست بحجة على المرحلة الثانية التي توسعت فيها الطاقة والقوة.
ثم إن بعث معاذ إلى اليمن، دليل عليه لا له، من وجوه، أولها: أنه دعوة للتدين لا تنافي الإكراه على حكم الشرع لو رفض المدعوون الدخول في الدين، ثانيها: أن معاذاً رضي الله عنه أنفذ في هذا البعث قتل مرتد من اليهود كان يهوديا فأسلم ثم تهود، كما في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما، وكان ذلك بوصية النبي صلى الله عليه وسلم له ( أيما رجل دعوته إلى الإسلام ثم كفر فادعه فإن عاد وإلا فاضرب عنقه ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فالكاتب ينتقي ويجتزء مع الآثار والنصوص بما ينافي الموضوعية، ثالثها: أنه قرر في أول مقاله خصوصية الجزيرة العربية واستثناءها من قاعدة التخيير، فما باله ناقض ما ذكره في هذا الموضع ؟
ثالثاً : الدليل الذي ذكره الكاتب مما هو دليل عليه حيث فهمه فهماً مقلوباً، هو ما قاله (موقف الشريعة من الدول الكافرة في مرحلة الفتوح الإسلامية.. حيث نص الرسول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: (فسلهم الجزية.. فإن هم أجابوك، فاقبل منهم وكف عنهم).. إذاً فالإسلام سمح بأن تبقى هذه الدول على شريعتها ودينها رغم توفر (الاستطاعة) للسيطرة بالقوة وحُكم البلاد بالإسلام )
قبل الوقوف مع كلامه لنذكر الأساس القرآني لهذا الموقف في الفتوحات الإسلامية، وهو قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِاليَوْمِ الآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29].
بالله عليكم أي دماغ يعي هذا الخطاب ليصوره على أنه : ( تخيير وتطلب للرضى والقناعة بحكم الإسلام ؟ ) أي عقل يستوعب هذا النكس الغريب العجيب!!
مرة أخرى : مشكلة الكاتب وغيره أنهم لم يفرقوا بين قضيتين ( الإيمان والتدين ) و ( تحكيم الشريعة والخضوع لها ) فالتخيير هو في الأولى مع الكافر الأصلي، أما إخضاعه لحكم الشريعة فهو لازم بدونه يجب القتال، غير أن حكم الشريعة في حقه مختلف، فالشريعة عليه عبارة عن واجبات وحقوق، واجبات ممثلة في دفع الجزية و عدم التعرض للإسلام، وسوى ذلك، وحقوق ممثلة بإقراره على دينه، وحمايته من المحاربين، ويسمى بعد ذلك : ذمياً ملتزماً، أي أنه التزم بحكم الإسلام.
ولذا يعد الاعتداء عليه اعتداء على الدولة الإسلامية، وذلك لم يكن لولا أنه (خضع) لحكم الإسلام، فهو لم يخير في الخضوع للحكم، بل خضع له ولولا ذلك لقوتل، وإنما خير في التدين، والخلط بين القضيتين أورث كوارث علمية ومنهجية ومنطقية كمثل ما نرى عند الكاتب.
على أن موضوع الشريعة في حكمها على الكافر الأصلي : مما لا يصح فيه القياس، أعني قياس المسلم عليه، لأن موضوعها على المسلم مختلف، فهي مثلا تسمح للكافر بتناول الخمر ، لكنها تحد المسلم إذا شربها ، وبعض الفقهاء كالمالكية يقرون نكاح المحارم عند المجوس لأنه حلال في دينهم، لكن لا يجرؤ مسلم على طرد هذا الموضع على المسلمين. فالشريعة فرقت في حكمها بين المسلم والكافر في مسائل وأشركتهم في مسائل، فلا قياس مع تفريق الشريعة.
رابعاً: استدلاله بوضع النجاشي، وهو استدلال لا يصح، لأن النجاشي فرد مسلم لم يطعه قومه إلى الإسلام، وقد ورد في الآثار مواقفه مع قومه لما أعلن إسلامه إذ كادوا يثورون عليه، فاضطر إلى التورية بحكاية طريفة ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية وغيره. وللفائدة: فإن قصته يستفاد منها جواز الانخراط في النظام السياسي غير الإسلامي لتخفيف الشر، وليس تحريف النظام السياسي الإسلامي والذهاب بمهماته احتجاجاً بحال من لم يقدر عليها.
- تذرعه بآراء فقهاء مشهورين، وإسقاطه ردة الفعل تجاه المالكي عليهم:
هي قضيتين: تذرعه بأقوال الفقهاء، والإسقاط، كل منهما له حديث خاص.
فأما القضية الأولى : فهي من مكتسباته في عدم الصراحة عندما صور الخلاف، حيث ذكر نتيجته وثمرته، ثم راح لمن تكلم في هذه النتيجة والثمرة يحشد آراءهم وكأنهم يوافقونه على أصل القول، ويتصورون بمثل تصوره!
وهذا التزييف ليس من الصعب كشفه، تماماً كما أنه ليس من الحنكة اللجوء إليه، خاصة حينما يكون موضوعه فقهاء كبار نتاجهم واسع الانتشار !
لقد استغل القديمي اضطراب مفهوم الديمقراطية، فجعل إلى صفه من يدعو إليها ولو لم تكن تصوره لها مثل تصوره، كما استغل مفهوم المشاركة في الديمقراطية كأنموذج واقع وليس كأنموذج إسلامي أمثل، وهم كثر من الإسلاميين، وهؤلاء لا يوافقون القديمي والمالكي في التصورات المحرفة للشريعة، فهم في النهاية فقهاء ويضعون لأنفسهم حدوداً ألا يتجاوزوا القطعيات الشرعية.
الشيخ الددو مثلاً - وفي برنامج مفاهيم الذي أشار إليه الكاتب - لا تحصي المواضع التي طرحها تناقض جذرياً ما يقوله القديمي والمالكي، وبغض النظر عن صواب قوله في الديمقراطية من عدمه: إلا أنه لم يصل لمرحلة التحريف التي وصلا إليها، فهو ينص صراحة على منع الكفر ونشره، بل ومنع البدع المتفق على كونها بدعاً وينص صراحة على أن التعددية مقبولة في إطار الشريعة وأن الأحزاب مجالها اختلاف الرؤى الدنيوية الاجتهادية ولا يقبل اختلافها في الدين ( أي لا يقبل مخالفتها له) إلى غير ذلك من المفاهيم.
بل إن مقدّم البرنامج فضيلة الشيخ د. عادل باناعمة، تلا على الددو قطعة من الرد على كتاب أشواق الحرية للقديمي، جاء فيها :
( مفهوم السلمية في الديمقراطية مخالف للمفهوم الإسلامي الذي لا يعتد بها في مواجهة ما هو أعظم فساداً من سفك الدماء، أعني الردة عن الإسلام ، حيث تمثل أكبر مظهر من مظاهر الاعتداء على الدولة المسلمة والخروج عليها، ويتوجب القتال بسببها)
وقد علق الشيخ الددو على هذا الكلام الذي يرد على أشواق الحرية قائلاً:
( نعم بالنسبة للردة عن الإسلام جريمة. والجرائم لا يمكن أن تقرّ . لا يمكن أن تقرها الديمقراطية ولا غيرها )
بل إن الدكتور عادل وفقه الله، صرح في صفحته بتويتر أن ما يطرحه المالكي خلاف ما طرحه الشيخ الددو عن رأيه في الديمقراطية.
بل المالكي نفسه يصرح أنه لا يعرف أحداً سبقه إلى التنظيرات التي جاء بها، وبغض النظر عن كون الذين سبقوه كثير في كتب ومقالات سياسية مشتهرة: إلا أن هذا إبطالاً لزعم نواف القديمي أن هؤلاء الفقهاء يقولون بمثل قوله.
ومن المصادفة الجميلة أن أكتب هذا الرد على تويتر فأجد الشيخ عامر بهجت ينقل في صفحته نصوصاً للشيخ القرضاوي، ومما نقل : (أحكام الإسلام القطعية لامجال فيها لشورى ولايملك برلمان ولاحكومة إلغاء شيء منها لأن ما أثبته الله لاينفيه الإنسان، ومانفاه الله لايثبته الإنسان) علق الشيخ عامر قائلا: (أرجوك يامن ينسب للقرضاوي أنه يقول بسيادة الأمة في اختيار الشرع أو رفضه اقرأ ردوده عليك في كتابه "من فقه الدولة"ص31-39 وص125، ص142 ).
أما عبارة الشيخ القرضاوي : ( الحرية قبل تطبيق الشريعة ) ورغم اعتقادي أنها عبارة خاطئة تماماً إلا أن موضوعها آخر، فهي عبارة خطابية لا يمكن تحميلها مضامين فكرة السيادة كما هي عند القديمي والمالكي، وإلا صارت العبارة : ( الحرية قبل الشريعة وأثناءها وبعدها ).
كما أن كثيراً من محبي الشيخ صرفوها إلى معنى حسن في معرض الدفاع عن انتقاده فيها، وهو أنه يقصد أن التطبيق لا يمكن عليه إلا بالتحرر من الاستبداد العلماني بمثل هذه الثورات، وهو معنى جميل وإن كان الإطلاق خاطئاً - بنظري - وهو المعنى الذي يدعمه السياق الذي قيلت فيه ( تبرير الثورات ) والمحكمات العلمية التي يقررها الشيخ في مؤلفاته.
أما عوض القرني فله كلام صريح أن التعددية المقبولة تكون في إطار الشريعة ، وضرب لها مثلا بالتعددية الفقهية.
والمقصود: أن هؤلاء الفقهاء لا ينكرون عقوبة المرتد، ولا يقولون بالحرية الفكرية المطلقة مهما كانت كفراً وإلحاداً ولا ينفون عقوبة شرعية على ساب الرسول، ولا يزعمون أن الحق السياسي للرسول منحة بشرية ليست إلهية، كل تلك الطوام والبوائق التي جاء بها الاثنان ( القديمي والمالكي ) لا يقوله أي من هؤلاء الفقهاء .
ورأيهم في صورة ( ما إذا رفضت الأمة الشريعة ) مهما كان خاطئا ً أو مصيباً لا ينطلق من قاعدة علمانية كتلك التي تماهى معها الكاتب ورفيقه.
وهذا كما لو وجدنا إمام من أئمة أهل السنة يفتي بكشف الوجه للمرأة، وزنديق ليبرالي يطالب بكشفه أيضاً، الأول يقول: لم يثبت عندي دليل على تغطيته، والثاني يقول: ليس للدين أن يحجب عنا هذا الجمال، فالأول من أئمة السنة والثاني من أفجر الخلق وأكفرهم.
أما القضية الثانية التي تتعلق بإسقاط القديمي ردات الفعل تجاه رفيقه المالكي على هؤلاء الفقهاء، فهو تصرف يمكن تلخيصه بعبارة ( افتقاد النزاهة ) مع غاية المجاملة وحفظ الود !
وله سوابق في مثل هذه الإسقاطات غير النزيهة، حيث ينسب لمن يرى كفر التصور الديمقراطي لإخلاله بالحاكمية: تكفير الحركات الإسلامية والمشاركين في الديمقراطية !!
- نصيحته الأخلاقية حول إطلاق الأوصاف الشرعية :
أزعم أن هذا حرف المسألة الذي جلب القديمي للمداخلة في الموضوع ليستغل موهبته في السرد في تصوير المظلومية التنويرية، والحط على الخصوم بأقصى ما يمكن من التعميم.
هذه المظلومية يسردها القديمي في اتجاه واحد وفي مناسبة واحدة: حينما يطلق أحد المشايخ الفضلاء شيئا من الأوصاف الشرعية، ويستحيل أن تتضمن هذه الشردية مناقشة موضوعية فاحصة للأوصاف التي تطلق ومحاكمتها إلى المعيار الشرعي، فليس ثمة إلا ( معيار الاقتيات على ردات الفعل وتشنيع الأساليب بأكبر قدر ممكن بما يعوض الضعف الحاصل في الطرح الموضوعي والقدرة على تأصيل الأقوال والإجابة عن أدلة الموردين ).
كما أنه يستحيل أن تتجه البوصلة يوماً ما إلى جهة ( الرفاق ) الذين لا تحصى المواقف والمناسبات التي اهتبلوها للطعن في مشايخ وعلماء بأقسى وأشنع الألفاظ وبأكبر قدر ممكن من الدخول في النيات والاتهام بمحاباة السلطات، كل هذه السلوكيات التنويرية لن يجرؤ الرمز التنويري على توجيه النصيحة الأخلاقية بهذه الصيغة الاقتياتية إليها.
وحينما تترصد لخصومك عندما يقسون في الأسلوب - على فرض القسوة - وتتجاهل رفاقك وهم يقسون : ففتش عن ( الأهواء ) !
الخاتمة:
لا أنسى أن القديمي لا يرى سيادة الأمة أمراً مطلقاً، فهو لا يعتبر بها عندما تقرر إلغاء الديمقراطية وإقامة نظام ملكي مثلاً، وقرر مرة أن في ذلك: اعتداء على حقوق الأجيال المستقبلة في المشاركة السياسية، قلت: هكذا تشيد الحصانة أمام سيادة الأمة لئلا تعتدي على (حقوق) نطف في ظهور آبائها، أما حق الله الموجود الأزلي فلا نصرة له!
عبد الوهاب آل غظيف
- التصنيف:
- المصدر: