تأملات في حسبة نبي الله شعيب عليه السلام من سورة الشعراء
أهمية الأسلوب الحسن في مخاطبة المدعوين: على المحتسب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يتعلم كيف كان أنبياء الله عليهم السلام يخاطبون أقوامهم بأسلوب حسن، أسلوب المشفق على من يدعوه، أسلوب فيه تودد وتلطف ورحمة، حتى يكون له القبول والاستجابة.
إن المتأمل في سير الأنبياء عليهم السلام يجد كل نبي قام بالدعوة إلى الله تبارك وتعالى خير قيام، أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، بصبر وثبات، وعلم وبصيرة، وحكمة واحتساب، وسنعرض في هذه المقالة لحسبة نبي من الأنبياء صلى الله عليه وسلم في سورة الشعراء، وكيف دعاء قومه، وموقف قومه من دعوته، ونعرض لبعض الفوائد والدروس والعبر من هذه القصة، وقد قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:176]، وقال: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف:111]، فالعبرة من قص القصص هو أخذ العبرة والعضة، فقال رب العزة والجلال حاكياً لنا قصة شعيب عليه الصلاة والسلام في سورة الشعراء: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ . إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ . إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ . فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ . وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ . أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ . وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ . وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ . وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ . قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ . وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ . فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ . قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ . فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ . إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ . وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء:176-191]، الله تبارك وتعالى أرسل نبيه شعيب عليه السلام لأصحاب لأيكة يدعوهم إلى الله تبارك وتعالى، وأهل الأيكة هم أهل مدين، وقال الله في هذه الآيات: {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ}، ولم يقل أخوهم مع أنه أخوهم في النسب؛ لأنهم نُسبوا إلى عبادة الأيكة وهي شجرة، فقطع نسبة الأخوة بينهم للمعنى الذي نسبوا إليه.
وكان أصحاب الأيكة قوم شعيب عليه السلام أهل كفر ومعاصي وذنوب فاحتسب عليهم، فأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر فقال لهم: ألا تتقون الله تبارك وتعالى فتتركون ما يُسخطه ويغضبه من الكفر والمعاصي، ثم قال لهم: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} يعني: فيلزمكم طاعتي؛ لأن الله أرسلني إليكم وكانوا مع شركهم وكفرهم أهل معاصي فكانوا يبخسون المكاييل والموازين، ولذلك قال لهم آمراً لهم بإيفاء المكيال والميزان وناهياً لهم عن التطفيف فيها: {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ} أي: أتموا الكيل وأكملوه ولا تخسروا الكيل فتعطوه ناقصاً، وتأخذوه إذا كان لكم تاماً وافياً، ولكن خذوا كما تعطون، وأعطوا كما تأخذون، فإذا لم تفعلوا هذا فقد وقعتم في ظلم من كلتم لهم ووزنتم لهم أفلا تتقون؟!
ثم قال آمراً لهم: {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} فأمرهم بالعدل والقسط وعدم الميل، ونهاهم عن بخس الناس أشياءهم وعن الفساد في الأرض فقال في سورة الأعراف: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56]؛ لأن ترك المعاصي امتثالاً لأمر الله وتقرباً إليه سبحانه خير وأنفع للعبد من ارتكابها الموجب لسخط رب العالمين سبحانه، وسبب لعذاب النار، ثم خوفهم بأس الله تبارك وتعالى الذي لا يرد عن القوم الظالمين، فقال: {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ} أي الخليقة الأولين، فالله خلقكم وخلق من قبلكم من غير مشاركة أحدٍ في ذلك، وأنعم عليكم بالنعم ورزقكم وتفضل عليكم، وهو سبحانه غني عن العالمين، قال رب العالمين: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} [الذاريات:56-57]، فأفردوه بالعبادة وحده سبحانه والتوحيد، وقابلوا نعمه بالشكر حتى تدوم، فالله يقول: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7].
لكنهم قابلوه بالتكذيب والسخرية والعناد، كما هي عادة أصحاب الباطل فقالوا: {قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} يعني: أنت مسحور تتكلم وتُهذي، تتعمد الكذب لا أن الله أرسلك إلينا، فأنت بشراً مثلنا وليس فيك فضيلة اختصصت بها علينا، فأنت كاذب فيما تقول وتزعم، وإن كنت صادقاً فاسقط علينا كسفاً من السماء، وهذا شبيه بما قالته قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا . أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا . أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً} [الإسراء:90-92]، فقال لهم شعيب عليه السلام: {رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي: الله تبارك وتعالى أعلم بكم فإن كنتم تستحقون ذلك جازماً به، وهو سبحانه غير ظالم لكم، ونزول العذاب أمر ليس إليَّ، وإنما عليَّ تبليغكم ودعوتكم ونصحكم وقد فعلت ما أمرت به، وهكذا وقع عليهم العذاب جراء تكذيبهم ورفضهم الإيمان بالله تبارك وتعالى قال رب العالمين: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}، فلما كان التكذيب لهم وصفاً لازماً، والكفر لهم ديدناً أظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها هروباً من الحر الذي أصابهم سبعة أيام، لا يُكِنهم منه شيء، فلما اجتمعوا تحتها أرسل الله عليهم منها شرراً من نار ولهب ورجفت بهم الأرض، فظلوا تحتها خامدين ولديارهم مفارقين ولدار الشقاء والعذاب نازلين، فكان عذاباً عظيماً كما قال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}، لا عودة لهم إلى الدنيا فيعملون ولا يفتر عنهم العذاب ساعة من الزمن، وقد ذكر الله تبارك وتعالى صفة إهلاكهم في ثلاث مواطن ففي سورة الأعراف ذكر أنهم أخذتهم الرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين؛ وذلك لأنهم قالوا: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [الأعراف:88]، فأرهبوا نبي الله ومن اتبعه فأخذتهم الرجفة، وفي هود قال: {وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود:94]، وذلك؛ لأنهم استهزؤوا بنبي الله في قولهم: {أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود:87]، قالوا ذلك على سبيل الازدراء والتهكم فكان من المناسب أن تأتيهم صيحة تسكتهم، فقال سبحانه: {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ}، وقالوا في الشعراء: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}، على وجه التعنت والعناد والمكابرة، فكان من المناسب أن يحقق عليهم ما استبعدوا وقوعه فقال سبحانه: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "إن الله سلط عليهم الحر سبعة أيام، حتى ما يظلهم منه شيء، ثم إن الله -تعالى- أنشأ لهم سحابة، فانطلق إليها أحدهم فاستظل بها فأصابه تحتها برداً وراحة، فأعلم بذلك قومه فأتوها جميعاً فستظلوا تحتها فأجَّجت عليهم ناراً".
ومن فوائد هذه القصة ما يلي:
الفائدة الأولى: أهمية الأسلوب الحسن في مخاطبة المدعوين: على المحتسب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يتعلم كيف كان أنبياء الله عليهم السلام يخاطبون أقوامهم بأسلوب حسن، أسلوب المشفق على من يدعوه، أسلوب فيه تودد وتلطف ورحمة، حتى يكون له القبول والاستجابة.
الفائدة الثانية: تخويف المدعوين بالله تبارك وتعالى: فعلى المحتسب والداعي إلى الله سبحانه أن يربط الخلق بالله فيعظم الله في نفوس الخلق ويعرفهم صفاته العظيمة، ويخوفهم بطشه وعقابه، وذلك في قوله: {أَلَا تَتَّقُونَ . إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ . فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}، وتقوى الله هي كما قال طلق بن حبيب رحمه الله وقد سئل عن التقوى ما هي؟: "التقوى ترك المعاصي على نور من الله؛ مخافة عقاب الله عز وجل" [1].
الفائدة الثالثة: عدم طلب الأجر من أحد: على المحتسب والداعي إلى الله تبارك وتعالى أن يحتسب الأجر من الله تبارك وتعالى ولا ينتظر أجراً من أحد، ولا ينتظر شكراً من أحد، أخذا من قوله سبحانه: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الدعوة إلى الله هي: الدعوة إلى الإيمان به وبما جاءت به رسله بتصديقهم فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا، وذلك يتضمن الدعوة إلى الشهادتين، وأقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والدعوة إلى الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره، والدعوة إلى أن يعبد العبد ربه كأنه يراه" [2]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: « » [3]، فمن أهم الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الداعية إلى الله سبحانه أن يحتسب ما يصيبه فيرجو بذلك ثواب الله ويطمع في فضله وإحسانه.
الفائدة الرابعة: الصبر: على المحتسب والداعي إلى الله سبحانه أن يتخلق بخلق الصبر؛ لأن الصبر خلق رفيع، به يأتي الفرج وينال المراد، وهو خلق الأنبياء عليهم السلام، وقد أمر الله تبارك وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يصبر كما صبر إخوانه الأنبياء عليهم السلام فقال سبحانه: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} [الأحقاف:35]، وقال سبحانه: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل:127]، أي: "واصبر -أيها الرسول- على ما أصابك مِن أذى في الله حتى يأتيك الفرج، وما صبرك إلا بالله، فهو الذي يعينك عليه ويثبتك، ولا تحزن على مَن خالفك ولم يستجب لدعوتك، ولا تغتم مِن مكرهم وكيدهم; فإن ذلك عائد عليهم بالشر والوبال" [4]، وأمره بالصبر ووعده بتحقيق ما وعده به فقال: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [غافر:77]، وجاء في التفسير الميسر: " فاصبر أيها الرسول، وامض في طريق الدعوة، إن وعد الله حق، وسيُنْجِز لك ما وعدك، فإما نرينَّك في حياتك بعض الذي نعد هؤلاء المشركين من العذاب، أو نتوفينَّك قبل أن يحلَّ ذلك بهم، فإلينا مصيرهم يوم القيامة، وسنذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون" [5]، والنبي صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا وأسوتنا يجب علينا اتباعه والإقتداء به قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21]، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر:7]، ومن ذلك الصبر على الأذى، فالنبي صلى الله عليه وسلم أوذي كثيراً وصبر صبراً كثيراً، ومن سلك ما سلكه الأنبياء عليهم السلام من الأمر بالمعروف والحسبة على أصحاب المنكرات ونهيهم عنها فسيناله الأذى فعليه أن يصبر ويحتسب الأجر من الله، فالصبر خُلق مهم بالنسبة للداعية؛ لأن الدعوة إلى الله بحاجة إلى هذا الخلق الرفيع، ومخاطبة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة والصبر على أذاهم وتحمل الاستخفاف مهم، وقد قال النبي الكريم سيد الصابرين صلى الله عليه وسلم: « » [6]، وعلى المحتسب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يعلم أنه لا بقاء للحق إلا بالصبر، فإن النصر مع الصبر.
الفائدة الخامسة: أن عاقبة المكذبين للرسل الهلاك والدمار: إن المتأمل في سير المكذبين للرسل يرى أن عاقبة أمرهم الهلاك والدمار وذلك مقتبس من قوله في هذه القصة: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}، وقال سبحانه حكاية عن هلاكه المكذبين: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:40]، وما ذلك إلا لتكذيبهم للرسل، وقوم نبي الله شعيب عليه السلام أخذهم الله بعذاب يوم الظلة كما في الشعراء، وفي سورة هود أخبر بأنه أهلكهم بالصيحة، وهذا دليل على صدق نبي الله شعيب عليه السلام وتأييد الله له.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يرزق المسلمين التزام دينه واتباع رسله، وأن يكشف الغمة عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
______________
[1]: حلية الأولياء، لأبي نعيم الأصبهاني (3/64)، و أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف برقم (35160).
[2]: مجموع فتاوى ابن تيمية (15/157).
[3]: رواه مسلم، كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة، برقم (2674).
[4]: التفسير الميسر (4/493).
[5]: التفسير الميسر (8/365)
[6]: رواه أحمد في المسند، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، برقم (5022)، وقال محققوه: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، والبخاري في الأدب المفرد برقم (388)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (939)، وفي صحيح الجامع برقم (6651).
محمد بن عبد الله العبدلي
- التصنيف:
- المصدر: