فتور المحتسب (أسبابه مظاهره- نتائجه - العلاج)
وهذا الفتور داء يصيب بعض العباد والدعاة والمحتسبين وطلاب العلم، فيضعف المرء ويتراخى ويكسل، وقد ينقطع بعد جد وهمة ونشاط، وفي القرآن الكريم قال الله - تعالى -مثنيا على الملائكة: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء: 20].
يعرف علماء اللغة الفتور بعدة تعريفات متقاربة، ففي مختار الصحاح: الفترة: الانكسار والضعف، وطرف فاتر إذا لم يكن حديداً[1]، أي قوياً.
وقال الراغب الأصبهاني: "الفتور: سكون بعد حدة، ولين بعد شدة، وضعف بعد قوة، قال -تعالى-: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ)[المائدة: 19]، أي: سكون حال عن مجيء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقوله: (لا يفترون) [الأنبياء: 20]، أي: لا يسكنون عن نشاطهم في العبادة"[2].
"الفَتَر: الضَّعْفُ. وفَتَر جسمُه يَفْتِرُ فُتوراً: لانَتْ مَفَاصِلُهُ وَضَعُفَ. وَيُقَالُ: أَجد فِي نَفْسِي فَتْرةً، وَهِيَ كالضَّعفة. وَيُقَالُ لِلشَّيْخِ: قَدْ عَلَتْه كَبْرة وعَرَتْه فَتْرَة. وأفْتَرَه الدَّاءُ: أَضعفه، وَكَذَلِكَ أَفْتَره السُّكْرُ"[3]. وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لكل عمل شِرَّةً، ولكل شِرَّةٍ فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي، فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك))[4].
الشرة: "النشاط" وقوله: "لكل شرة فترة" إشارة إلى ما قيل: للباطل جولة ثم يضمحل، وللحق دولة لا تذل ولا تقل. وقوله: "من فتر إلى سنتي" أي: سكن إليها، والطرف الفاتر: فيه ضعف مستحسن[5].
ونخلص من هذا إلى أن الفتور هو ضعف وسكون وانكسار بعد قوة ونشاط وحيوية.
ويقول ابن حجر - رحمه الله -: "الملال استثقال الشيء، ونفور الناس عنه بعد محبته"[6].
وهذا الفتور داء يصيب بعض العباد والدعاة والمحتسبين وطلاب العلم، فيضعف المرء ويتراخى ويكسل، وقد ينقطع بعد جد وهمة ونشاط، وفي القرآن الكريم قال الله - تعالى -مثنيا على الملائكة: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء: 20].
ويقول ابن القيم - رحمه الله -: "تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم رجي له أن يعود خيرا مما كان"[7].
قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وأرضاه: "إن لهذه القلوب إقبالا وإدبارا. فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل. وإن أدبرت فألزموها الفرائض"[8].
وفي هذا المبحث سنتناول -بشيء من الاختصار- أسباب فتور المحتسب، ومظاهره، ونتائجه، ثم نضع العلاج الذي نراه شافيا لهذا المرض، فنقول مستعينين بالله:
أولاً: أسباب الفتور:
1- تراجع الإيمانيات عند المحتسب:
وذلك كضعف الصلة بالله، وقلة ذكره ودعائه، والكسل في أداء الفرائض، والتقصير في عمل اليوم والليلة: من أذكار ونوافل وأوراد وهجر للقرآن، وعدم تذكر الموت، والغفلة عن الآخرة، وتناسي الجزاء، كل هذه الأمور تجعل المحتسب يقصر في واجبه ويفتر في عزيمته، وهذا السبب من أخطر الأسباب التي إن ابتلي بها المحتسب فإن فتوره سيزيد يوما بعد يوم، وقد يؤدي به إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتخلي عن واجبات كثيرة، إلا أن يتدارك المحتسب نفسه فيقوي إيمانه.
2- الذنوب والمعاصي:
فإن مما لاشك فيه أن للذنوب والمعاصي أثر بليغ في الصد عن القيام بأمر الحسبة، وتقليل همة المحتسب؛ والأداء إلى فتوره. ويقول ابن القيم: " ومن عقوبتها- أي الذنوب والمعاصي-: أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة، أو تعوقه أو توقفه وتقطعه عن السير، فلا تدعه يخطو إلى الله خطوة، هذا إن لم ترده عن وجهته إلى ورائه، فالذنب يحجب الواصل، ويقطع السائر، وينكس الطالب، والقلب إنما يسير إلى الله بقوته، فإذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي تسيره، فإن زالت بالكلية انقطع عن الله انقطاعا يبعد تداركه، والله المستعان.
فالذنب إما يميت القلب، أو يمرضه مرضا مخوفا، أو يضعف قوته ولا بد حتى ينتهي ضعفه إلى الأشياء الثمانية التي استعاذ منها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي: «الهم، والحزن، والعجز، والكسل، والجبن، والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال» وكل اثنين منها قرينان.
فالهم والحزن قرينان: فإن المكروه الوارد على القلب إن كان من أمر مستقبل يتوقعه أحدث الهم، وإن كان من أمر ماض قد وقع أحدث الحزن.
والعجز والكسل قرينان: فإن تخلف العبد عن أسباب الخير والفلاح، إن كان لعدم قدرته فهو العجز، وإن كان لعدم إرادته فهو الكسل.
والجبن والبخل قرينان: فإن عدم النفع منه إن كان ببدنه فهو الجبن، وإن كان بماله فهو البخل.
وضلع الدين وقهر الرجال قرينان: فإن استعلاء الغير عليه إن كان بحق فهو من ضلع الدين، وإن كان بباطل فهو من قهر الرجال.
والمقصود أن الذنوب من أقوى الأسباب الجالبة لهذه الثمانية، كما أنها من أقوى الأسباب الجالبة لجهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، ومن أقوى الأسباب الجالبة لزوال نعم الله، وتحول عافيته إلى نقمته وتجلب جميع سخطه"[9].
3- اليأس الذي يتطرق إلى قلوب بعض المحتسبين:
ويرجع سبب اليأس هذا؛ من أجل عدم تأثر المحتسب على من يقوم بالحسبة عليهم؛ فيراهم المحتسب على ما هم عليه من المعصية، وبقائهم على حالهم في تركهم للمعروف وارتكابهم للمنكر، وأضف إلى ذلك ما يقوم به المحتسب من واجب الأمر والنهي، والنصح ولكن دون جدوى، فينعكس هذا الصدود والإعراض من أولئك على نفسية المحتسب؛ فيتسلل إلى قلبه اليأس، ثم يكون هذا اليأس سببا في فتوره.
4- الاتكالية على الآخرين:
فقد يكون العاملون -من دعاة وعلماء ومحتسبين- في مكان معين أو زمان معين لهم جهود مشكورة ومبادرات طيبة، فينظر المحتسب إلى هؤلاء بأنهم قد قاموا بالواجب، وأن المجتمع ليس بحاجة إليه وفي الموجودين كما يقال: "الخير والبركة" ولا داعي لجهده وبذله، وأن ما يوجد في المجتمع من مخالفات فهؤلاء لها بالمرصاد، وسيكفونه المؤونة.
5- الانشغال بالدنيا، والإقبال عليها، فالدنيا إذا دخلت قلب الإنسان ألهته وشغلته عن واجباته التي كتبها الله عليه، ولا شك أن حب الدنيا لا يجتمع مع حب الآخرة.
6- مصاحبة ذوي الهمم الضعيفة، والعزائم الفاترة، الذين لا همَّ لهم إلا شؤون دنياهم، ولا هدف لهم إلا كيف يجمعون الأموال ويبنون العمارات ويشترون السيارات، وغيرها من ملذات الدنيا، فمصاحبة هؤلاء وكثرة مخالطتهم تؤثر على المحتسب وقد تكسبه شيئا من أخلاقهم. فالصاحب ساحب.
7- النظر إلى من هو دونه في القيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو النظر إلى تقاعس من هو خير منه عن هذا الواجب، ويرى أن ما يقوم به هو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه الكفاية، وأنه قد عمل خيرًا من فلان الذي هو دونه أو من فلان الذي هو فوقه.
8- ظروف الحياة القاسية التي قد يتعرض لها المحتسب، مثل المشاكل الأسرية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو غيرها فتنعكس آثار تلك المشاكل على نفسية المحتسب فتثبط همته أو تقلل من عزيمته.
وقد يكون الفتور من أجل أسباب أخرى لدى المحتسب، وكل واحد أدرى بمرضه إذا راجع نفسه ووقف معها وقفة مصارحة، وما ذكرناه من أسباب هي في الغالب سبب لهذا الفتور.
ثانياً: مظاهر الفتور:
* استثقال القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
* عدم تحرك النفس عند رؤية المنكر.
* تحول الاحتساب إلى وظيفة يمارسها المحتسب في وقت دوام مخصوص، ويترك ممارستها إذا انتهى هذا الوقت.
* التبرير للفتور والكسل، والرضا بالواقع الذي هو فيه.
* إلقاء المسئولية على الآخرين، أو التقصير في أداء المسؤولية.
* الشعور بأن من يقومون بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهم الكفاية ولا داعي لوجوده معهم أو مشاركتهم.
* التسويف في إزالة المنكرات التي يعلمها، أو يراها أمامه.
* فقدان الشعور بالحزن عند الاطلاع على المنكرات التي وقع فيها كثير من الناس.
* الإحساس بأن الاحتساب نفل وتطوع وعدم استشعار أنه مسئولية ملقاة على عاتق المحتسب.
ثالثاً: النتائج:
كثيرة هي نتائج فتور المحتسبين، أخطرها:
* انتشار المنكرات وتفشيها في المجتمع.
* إلف الناس للمنكرات لعدم سماعهم من ينكر عليهم، وقد يتطور الأمر إلى أن يظن الناس أنها ليست من المنكرات، أصلا.
* استغراب دور المنكرين والمحتسبين.
رابعاً: العلاج:
هذا المرض الذي أصاب بعض المحتسبين، فجعلهم يقصرون في واجبهم الذي تحملوه، له علاج بإذن الله شافٍ لمن عالج نفسه به، ولا سيما إذا كان سبب هذا الداء الأسباب التي تطرقنا إلى ذكرها سلفا، وهذا الدواء يتمثل في الآتي:
- السعي في زيادة الإيمان ويكون بالطاعات التي أمر بها الشرع أو حث عليها كإقامة الفرائض في أوقاتها وفي بيوت الله مع جماعة المسلمين، والتنفل بنوافل الطاعات كقيام الليل والسنن الرواتب، والإكثار من ذكر الله - تعالى -، وقراءة القرآن مع الحرص على تدبر آياته، والمداومة على الاستغفار، والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذكر الموت والجزاء والجنة والنار، كل هذه الأمور تزيد في الإيمان، وتدفع الإنسان إلى القيام بما أوجب الله عليه.
- المسارعة إلى التوبة من الذنوب والمعاصي التي تلبس بها، وعدم التسويف في أمر التوبة أو استصغار الذنوب؛ لأن الاستصغار يوجب التفريط، وكذا عدم استعظام الذنوب والتهويل من أمرها حتى يجلب على نفسه اليأس من المغفرة، بل يجب عليه استشعار رحمة الله وإحسان الظن به - سبحانه وتعالى -، ثم يكثر من الحسنات؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - يقول: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود: 114]، ويستغفر الله ويتوب إليه مما وقع فيه من خطأ وهذا هو شأن المؤمنين، يقول الله - تعالى -واصفا عباده المؤمنين: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 135].
- استشعار أن الهداية بيد الله، وما على المحتسب إلا النصيحة وخاصة إذا لم توكل إليه بعض الصلاحيات في تغيير المنكر باليد، فإن استجاب له الناس فالحمد لله، وإن لم يستجيبوا فيكرر النصح، ويكون بذلك قد أدى ما عليه، وهذا هو الذي بمقدوره، ويقتدي بالنبي صلى عليه وسلم حيث قال الله له: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ) [الشورى: 48] وقال: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [النور: 54].
- العلم بأن وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبة على المحتسب، وهي مسؤولية ملقاة على كاهله وأمانة في رقبته، فلا يكفي أن يقوم بها مجموعة من إخوانه مقابل أن يجلس هو، ثم يعلم أنه آثم في تعمد التقصير في المسؤولية التي كلف بها، فلا ينفعه الكسل والخلود إلى الراحة يوم يرجع إلى ربه ويقف بين يديه.
- العلم الحقيقي بحقيقة الدنيا وأنها ظل زائل وحطام فانٍ، وقد جلى الله لنا أمرها في كتابه من أجل أن لا ننخدع بها ولا نغتر بزخرفها، يقول الله - تعالى -: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [الحديد: 20] وقال: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) [الكهف: 45- 46]. وقد عَرَف النبي - صلى الله عليه وسلم - حقيقتها فتركها، فعن عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حصير فقام وقد أثر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء، فقال: (ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها)[10]. قال ابن القيم: "قال الحسن: أهينوا الدنيا فو الله لأهنأ ما تكون حين تهان،...قالوا وقد تواتر عن السلف أن حب الدنيا رأس الخطايا وأصلها وقد روي فيه حديث مرفوع لا يثبت ولكنه يروى عن المسيح"[11]. فلا يغتر المحتسب بالدنيا وزخرفها، وينشغل بها على حساب الواجب الذي تحمَّله والأمانة التي هو مطالب بها، ولا يعني هذا أن يترك الاكتساب والإنفاق على نفسه ومن يعول فهذا لا يدخل في هذا الأمر، بل المقصود به الحرص على الدنيا والاستكثار من حطامها وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- مصاحبة أهل العزائم والتضحية، والابتعاد عن أصحاب الهمم الضعيفة؛ لأن المصاحبة لها تأثير عظيم؛ ولهذا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - حث على مجالسة الصالحين، والابتعاد عن مجالسة السيئين، فقال: (مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة)[12].
- القراءة في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والصحابة رضوان الله عليهم، وسير المصلحين عبر التاريخ، واستلهام القدوة منهم، حيث قد ضحوا بالغالي والنفيس في سبيل هذا الدين وجعل رايته خفاقة فوق كل مكان.
- تذكر الأجور المترتبة على القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن النكر، وما أعده الله - سبحانه وتعالى - من جزاء لمن دعا إلى دينه، يقول الله - تعالى -: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33]، يقول العلامة السعدي: "أي: لا أحد أحسن قولا. أي: كلامًا وطريقة، وحالة (مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ) بتعليم الجاهلين، ووعظ الغافلين والمعرضين، ومجادلة المبطلين، بالأمر بعبادة الله، بجميع أنواعها، والحث عليها، وتحسينها مهما أمكن، والزجر عما نهى الله عنه، وتقبيحه بكل طريق يوجب تركه، خصوصًا من هذه الدعوة إلى أصل دين الإسلام وتحسينه، ومجادلة أعدائه بالتي هي أحسن، والنهي عما يضاده من الكفر والشرك، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر"[13]. ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - مبينا عظيم الأجر المترتب على دعوة الناس إلى الخير ونهيهم عن الشر فقال: (من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا)[14].
- الشعور بالخطر المترتب على التقصير والفتور، وعدم القيام بكف أهل المنكر والباطل والأخذ على أيديهم، وقد وضح لنا عظيم هذا الخطر نبينا - صلى الله عليه وسلم - وأخبرنا أن به هلاكنا، فقال - صلى الله عليه وسلم - محذرا لنا من خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعا)[15]، وقال: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)[16].
نسأل الله بمنه وكرمه أن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا، والحمد لله رب العالمين
________________
[1] مختار الصحاح (ص 517).
[2] مفردات ألفاظ القرآن (2/174).
[3] لسان العرب (5 / 43)
[4] مسند أحمد ط، الرسالة - (11/547) رقم (6958)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين".
[5] مفردات ألفاظ القرآن (2/174).
[6] فتح الباري (1/ 102).
[7] مدارج السالكين (3/126).
[8] مدارج السالكين (3/ 122)
[9] الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء (ص: 73-74).
[10] سنن الترمذي (4/588) رقم (2377) وصححه الألباني.
[11] عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (ص: 219).
[12] متفق عليه.
[13] تيسير الكريم الرحمن (ص: 749).
[14] رواه مسلم (4/2060) رقم (2674).
[15] رواه البخاري (3/139) رقم (2493).
[16] رواه الترمذي (4/468) رقم (2169)، وحسنه الألباني.
منصور صالح حسين الجادعي
- التصنيف:
- المصدر: