رواية قواعد العشق الأربعين في ميزان التصور الإسلامي - (1) تمهيد

منذ 2015-02-24

تبدو الرواية في بدايتها وكأنها تخترق حدود المكان والزمان وتنساب منك حروفها في سلالسة الفكرة وروعة الأسلوب، عامل التشويق والإثارة والغموض يجعلك في انتظار القاعدة –من قواعد العشق الأربعين- تلو الأخرى وكأنك ستتعلم بالفعل شيئا جديدا او ستحظى بمنزلة ودرجة حينما تحرز كل قاعدة.

 تمهيد

تبدأ الرواية وتنتهي في ظاهرها برسالة، مفادها المحبة، السلام، العفو، الأمل،الإصلاح الداخلي... وغيرها من معاني التي يفتقدها البعض في تلك الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة الإسلامية والتي اشتد فيها البلاء والإحن وتوالت النكسات في أعز من نملكه وما نملكه، وفي مثل تلك المرحلة قد تلجأ القلوب المتعبة للفرار من الظلم والغدر والشحن ومن العقاب المجتمعي الذي لا ذنب لهم فيه.
تلجأ هذه الشريحة بصورة خاصة -شريحة الشباب- إلى البحث عن شيء يدلل مشاعرهم ويحيي عواطفهم ويسلي أحزانهم ويرفع عنهم كللهم وما يعانونه.
وهذه الرواية تتميز بعرضها لرؤية مختلفة وحلا جديدا للهروب من ويلات المجتمع والسفر في بطون التاريخ إلى الفلسفة الباطنية بنسيمها البارد وسحرها الساكن ذاك التي يفتح عليك ابواب الرحمة بلا حدود ويوصد ألوان العذاب بلا قيود يغرقك في الكفر الحلو -على حد قولهم- والرمز الملغز والفكر المعجز والتقوقع في الذات يبهرك بمجاهيل وأباطيل تعجز عن مجادلتها إن لم تكن متخصصا أو متيقظا.

كما أن بعض الشباب قد يجد ضالته في البحث عن التميز والتفرد إذا ما اتبع طريق الحقيقة الجديد الذي لم يكتشفه أحد قبلُ كما ترسمه القواعد الأربعون.
فالرواية تبني شخصة جديدة للإنسان المحبوب المرضي عنه من الله بعنصرية دينية تُعلي من شأن الولي والعالمِ بالعلوم الباطنية وتتبني فكرة التمييز والاصطفاء على حسب مقامات تخص الفرقة الصوفية دون غيرها وكأنها الفرقة الناجية وهي ناجية بباطنيتها وتكهناتها واستغراقها في العشق الإلهي كما يدعون، لا باجتهادها وعملها وإخلاصها وطاعتها لله تعالى ورسوله.

فأنت أيها العاشق محبوب رغم ان أحدا لن يفهم شيء عن حبك.
أنت مختار مصطفى بذاتك ولذاتك بكل ما تحمله من آثام وأوزار وتخلف عن ركب العاملين العابدين المقيمين لحدود الله المجاهدين في سبيله.
أنت كما أنت يمكنك أن تدخل جنة نعيم ودار مقيم بلا أي كلل ولا اجتهاد سوى حزمة من المشاعر الجياشة في عشق الإله والسكر والتماهي فيه.
والجهاد الحقيقي هو فقط جهاد نفسك ولا تنظر لإصلاح مجتمعك ولإجهاد الباطل حولك.
فالحقيقة إذا ليست في العمل ولا في اتباع الشرع بل الحقيقة ستجدها في الزهد والرمز والوهم والتماهي في العشق وأما تغيير واقعك وتحريير وطنك واصلاح أمتك وتحطيم كل شر لا يكون إلا من خلال داخلك فحسب وليس في خارجها.

هذه النظرة الصوفية التي نراها تعرض نصف الحقيقة فتعتمد على الترغيب دون الترهيب والنية دون العمل والعبودية لإله مطلق حال بالعالم، لا يُعرف بذاته ولا بصفاته لأنه -أصلا- في كل ذات، وابتداع دون اتباع للرسل، تتجسد بتفاصيلها وسردها في رواية قواعد العشق الأربعين وما تلبث ان تهدم حتى هذا النصف في قواعده التي لا أجد وصف لها سوى أنها -في الكثير منها- قواعد كفرية تجسد التيار الصوفي الباطني المتطرف الذي يؤمن بعقيدة وحدة الوجود والحلول والاتحاد ووحدة الأديان.
كما يرى مركزية الكون ومعياريته في مكنون الذات الإنسانية، لا في الأحكام والشرائع الربانية المنزّلة.
كما يتضح أيضًا التعدى جليا على الذات الإلهية ووصف الله تعالى بما لا يليق بكماله وجلاله.
ويبدو التأثر بالفكر الباطني والفلسفات الشرقية واضحا جليا في الرواية كما سنوضح .

عرض الرواية:

تبدو الرواية في بدايتها وكأنها تخترق حدود المكان والزمان وتنساب منك حروفها في سلالسة الفكرة وروعة الأسلوب، عامل التشويق والإثارة والغموض يجعلك في انتظار القاعدة –من قواعد العشق الأربعين- تلو الأخرى وكأنك ستتعلم بالفعل شيئا جديدا او ستحظى بمنزلة ودرجة حينما تحرز كل قاعدة.

ثم يأتي تداخل قصتين مختلفتين تماما في العامل الزمني
فالقصة الأولى الأصلية: هي رواية جلال الدين الرومي من القرن السابع الهجري والذي يقع في عشق خليله شمس التبريزي في علاقة لم أكد اسمع عنها من قبل!!
فالاثنان متحابان في الله لكنه حبًا غير واقعي؛ فالرومي لا يكاد يطيق فراق محبوبه شمس في أي لحظة ويفضله على الأهل والولد والنوم والصحة بل والشرع وكل شيء، كما ينفذ تعاليمه الباطنية إلى الحد الذي يجعله يقع في العديد من المحرمات بحجة طاعة معلمه شمس وأنه يعلم ما لا يعلمه تلميذه الرومي -ذاك العالم الفقيه- لكن الفقه ليس له أصل في الفكر الباطني فالعبرة بالإشارة والرمز واللغز لا بالعلم الظاهر.

ثم تأتي القصة الثانية كنوع من الإسقاط والتطبيق على الواقع
وهي رواية إيلا الأمريكية المعاصرة والمعذبة، التي لا تجد نفسها إلا في عالم التصوف ورغم غرابة الفكرة واستبعادها عن المجتمع الغربي إلا أن نفس الغرابة قد أمدت الأحداث بمزيد من الإثارة والتشوق لمعرفة المزيد حول قصة إيلا الأمريكية التي تتحول فجأة إلى عاشقة متصوفة دون أن تدري، وقصة إيلا تتميز في بدايتها بالواقعية حيث تحكي مأساة قاعدة عريضة من نساء عصرها خاصة في مجتمعها بلا تكلف أو خيال لكن المؤلفة تنتهي بحل مشكلتها حلا مختلفًا وغير عملي حين تلجأ إيلا للتماهي مع محبوبها تحت غطاء العشق الإلهي والكفر الحلو متجاهلة زوجها وأسرتها الصغيرة.

وبالنهاية تندمج القصتان كشيء واحد متناسخ ليبزغ القديم حيا في أرواح المعاصرين وليعالج القديم الحديث في توافق وتناسق وكأن أسرار الباطنية هي الحل الوحيد لعقدة الرواية الحديثة.

 أبطال الرواية (من الحديث إلى القديم):

-    إيلا امرأة أمريكية شقراء في الأربعين من عمرها تعمل كمحررة صحفية وأم ناجحة قد كرست حياتها لبيتها وزوجها وأبنائها تتجاهل صفاقة زوجها الطبيب الذي يقيم علاقات غرامية مع مريضاته فتضطر إلى الكتمان والتجاهل لأنها لا تبحث عن المشاكل فتدفن عواطفها ومشاعرها وحبها الوئيد مع زوجها، لتمضي بصورة روتينية غير آبهة بمشاعرها المكسورة وجوانجها المجروحة.
وتستطيع بجدارة ان تقف على قدميها وتستعيد عافيتها -بعد هذا التجاهل- لتكون أسرة ناجحة إلى حد بعيد وتحافظ فيه على أبنائها وأسرتها في جو فاتر، ثم تحقق ذاتها من خلال العمل الوظيفي كمحررة في أحدى الوكالات الأدبية.

ومع ظهور رواية "الكفر الحلو" لكاتبها "عزيز" والتي كُلفت هي بكتابة تقرير عنها تتفتح لدى إيلا كل ما دفنته وحاولت تجاهله من مشاعر طوال سنواتها الماضية وبعد أن سُرق عمرها وشعرت انها عاشت حياة مديدة كجسد بلا عاطفة تغذي مكنوناتها كامرأة وكأنثى.

فـ إيلا الأمريكية ذات الشعر الذهبي والعينان الزرقاوتان تستجيب للحب الإلهي وتجد نفسها وقلبها في الفكر الصوفي الشرقي تجد نفسها مع عزيز مؤلف الرواية وتتبادل الرسائل بينهما عبر البريد الالكتروني.

فلقد تعلمت إيلا من الرواية أن الحب لا يتجزأ ولا يعرف الحواجز ولا الحدود، وفي الحقيقة الحب هنا لا يعرف المبادئ والوفاء والأخلاق، وكأن الخيانة ليست في قاموس المتصوفة فهو كما تقول الكاتبة على لسان الرومي في الرواية "إننا لسنا بحاجة للبحث عن الحب خارج أنفسنا بل كل ما علينا هو أن نتمكن من إزالة العقبات التي تبعدنا عن الحب في داخلنا."، وهي إشارة للحب الكلي المطلق والذي يستغله الفلاسفة للخلط بين الكلي والجزئي والمطلق والمعين لتمرير قواعدهم الباطنية كما يحلو لهم.

-    شمس الدين التبريزي وهو درويش صوفي زاهد يقرأ الكف ويرى بنور العلم الباطني ذلك الذي لا يفقهه عموم البشر فهو وليّ مُصطفى يرى ما لا يراه الآخرون حتى أنه يكلم الله ويرتقي السماوات السبع. وفي أحد الأيام يرى رؤيا بأن الأمر الإلهي يأمره لمغادرة لبغداد حتى يلاقي تلميذه النجيب جلال الدين الرومي وعاشقه الفريد العالم الفقيه -كما تقول الرواية-  

-   جلال الدين الرومي شيخ عالم وفقيه -كما تصوره الرواية- ورغم ذلك فهو يؤثر طريق الزهد والتصوف على طريق العلم والشهرة والمال.

وتخط الكاتبة طريقين أو خيارين متعارضين للرومي يحمل كل طريق مجموعة من الصفات المتلازمة –في رأي الكاتبة- والتي تتناقض مع الطريق الاخر.
فثمة خيار للرومي العالم بالشريعة والحامل للفقه المرفه الأنيق المقرب للسلطان الوجيه المتعالى على مريديه.
أو خيار الرومي الزاهد المتقشف المغيب عن الواقع الذي يستمع لكلام معلمه شمس التبريزي وكأنه إلهه من دون الله فيشوه صورته أمام الخلق بارتكاب الكبائر كشرب الخمر والرقص تعبيرا عن الزهد في الناس ولكنه روميٌ متواضع زاهد يكسر كل أمر شرعي ظاهر في مقابل اغترافه من العلم الإلهي الباطني والمحبة الصادقة تلك التي لا يفقهها علماء الشريعة

-    كيميا تلك التلميذة النابغة التي تركها أباها عند شيخها الرومي حتى تتعلم على يديه التصوف والزهد فتتزوج من شمس الذي يكبرها بسنوات طويلة إلا أنها عن رغبة منها تحبه ولكنه لا يريد هذا النوع من المحبة -السوية- بين زوج وزوجته ويتمنع عنها كزوج ليجعلها في حالة توق مستمر إلى حد أن تصاب بالحمى والموت.
وكيميا ذاتها ترمز لحالة الفناء في الحب حيث تسعى لمحبة شمس إلى الحد الذي تموت فيه كمدا على فراقه وهجره لها.

أما شمس الدين الغير آبهة بها وكأنه يعلمها نوع من الفناء في العشق لا يرى إلا نوع واحد من الحب هو العشق الإلهي الذي يتجلى في حبه لخليله !

-   المتعصب 
تستعرض الكاتبة الفكر الباطني بطريقة ذكية حين تعرض فكرتها بأسلوب استنكاري على لسان شخص سيء السمعة تسميه "المتعصب" والمتعصب شخصية تعارض المنهج الصوفي الباطني، وتبدو كما تصورها الكاتبة ذا عقلية سطحية مندفعة متطرفة لا يزن الأمور بالحلم والتؤدة بل بالتهور والقسوة والفظاظة ناقم وساخط على مجتمعه الى الحد أنه يحاول تحصيل مكاسب ذاتية على حساب الآخرين.
ذاك الشاب الذي يمثل الفكر المتشدد الذي لا ينبغي أن يؤخذ به ويحاول المتعصب أن ينتقد بطريقة متعالية منفرة الفكر الباطني مستنكرًا إيّاه ما يجعلك تنفر من أسلوبه وتتعاطف مع مقصد الرواية بطريقة غير مباشرة.
-وهذه عادة نقاد التيار السني في إظهار أهل السنة على هذا النحو للتنفير من سلوكهم رغم أن هذا في الحقيقة ليس منهج أهل السنة والجماعة، كما أن الحق لا يعرف بالرجال-
فهذا المتعصب كما اختارت له هذا الإسم كاتبة الرواية وكما تقول عنه:
"رجل متشدد يعين بيبرس ابن أخيه في الحراسة بالواسطة يرى الدنيا بنظرة تشاؤميه ويرى ما حل من كوارث مثل الهجوم المغولي هو من عقاب الله على هذه البلاد ولو لم يكن هناك مغول لحلت كوارث طبيعية كالزلازل والفيضانات بسب الآثمين" [الرواية- ص222].

المصدر: فريق عمل طريق الغسلام
  • 8
  • 1
  • 39,044
 
المقال التالي
(2) شخصية جلال الدين الرومي

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً