قف.. لتفكر
لا تسمح لأحد أن يجعلك كقطعة الشطرنج يحركها كيف ما يشاء، وتسير خلفه معتقد أنه على الصواب، انزع قطعة القطن من أذنيك واخلع النظارة السوداء التي تلبسها، وضع كل ذلك تحت قدمك لكي تعلو فوق أحقادك التي دفعتك لتنحاز نحو جهة دون آخرى، ثم انظر لنفسك بينك وبين نفسك، هل أنا على الحق؟ هل أنا على الصواب؟
لم يخلق الله لك عقلاً لكي تتركه وتتبع عقول الناس، وإنما خلق لك عقل لكي تتدبر به وتفكر في كل شيء حولك، فمنذ ولادتك وأنت مختلف عن من حولك في كل شيء، فلماذا تتبع أشخاص قد يكونوا ضلوا الطريق، لماذا تتبع من لا تؤمن الفتنة عليه، فشيخك الذي تسير خلفه معصوب العينين قد يكون ضل الطريق وأنت لا تدري، وحزبك الذي تتبعه دون وعي قد يكون على الضلال وأنت لا تدري، وأيضًا لا تتبع هواك قد تكون أنت من أضللت الطريق وأنت لا تدري، وأرجع الأمر كله لله وكتاب الله وسنة رسوله..
الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه من الصحابة الأجلاء، يحكي لنا قصة إسلامه: "كنت رجلاً شاعراً سيداً في قومي، فقدمت مكة فمشيت إلى رجالات قريش فقالوا: يا طفيل إنك امرؤ شاعر، سيد مطاع في قومك، وإنا قد خشينا أن يلقاك هذا الرجل فيصيبك ببعض حديثه، فإنما حديثه كالسحر فاحذره أن يُدخل عليك وعلى قومك ما أدخل علينا وعلى قومنا، فإنه يفرق بين المرء وابنه، وبين المرء وزوجه، وبين المرء وأبيه، فو الله ما زالوا يحدثونني في شأنه وينهونني أن أسمع منه حتى قلت والله لا أدخل المسجد إلا وأنا ساد أذني..
قال: فعمدت إلى أذني فحشوتهما كرسفاً -القطن- ثم غدوت إلى المسجد فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً في المسجد قال: فقمت منه قريباً وأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله، قال: فقلت في نفسي: والله إن هذا للعجز! والله إني امرؤ ثبت ما يخفى علي من الأمور حسنها ولا قبيحها، والله لأستمعن منه فإن كان أمره رشداً أخذت منه، وإن كان غير ذلك اجتنبته"، وسمع وأكرمه الله بالإسلام.
والعبرة من القصة هو أن تُعمل عقلك، غيره فعل ما أمره به رجال قريش فكان مصيره أنه مات على الكفر لمجرد أنه لم يُعمل عقله، أو ليس لك عقل كرمك الله به على سائر المخلوقات ليعرض عليك الكلام تصدقه أم تكذبه؟! لماذا لا تُعمل عقلك في ظل الأكاذيب التي ملئت الدنيا من حولنا، وأصبحت من قلة تشغيل عقلك تصدق الكاذب وتكذب الأمين؟!
ألم تر كيف هدى الله سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما فكر بعقله، بأن من خلق هذا الكون لا يصح أن يأتي على فترات، ففكر قليل إلى أن هداه الله، فلما جن عليه الليل رأى كوكبًا فلما أفل قال لا أحب الآفلين، فلما رأي الشمس بازغة قال هذا أكبر هذا ربي فلما أفلت قال إني برئ مما تشركون، إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، فكر قليلاً قبل الحكم، فكر قبل الاعتقاد، فكر قبل السير خلف من تظن أنهم على حق، وانظر حولك واسأل نفسك أنت مع من، هل تمشي في الطريق الصحيح أم لا..
لا تسمح لأحد أن يجعلك كقطعة الشطرنج يحركها كيف ما يشاء، وتسير خلفه معتقد أنه على الصواب، انزع قطعة القطن من أذنيك واخلع النظارة السوداء التي تلبسها، وضع كل ذلك تحت قدمك لكي تعلو فوق أحقادك التي دفعتك لتنحاز نحو جهة دون آخرى، ثم انظر لنفسك بينك وبين نفسك، هل أنا على الحق؟ هل أنا على الصواب؟
لا تتبع القطيع ولو كانوا كُثر، ولا تنخدع بكل منافق عليم اللسان، ولا تخدعك قلة سالكي الحق، واستفت قلبك في أمور كثيرة ولكن بشرط أن تكون صادق مع نفسك، لأن من مصائب الذنوب أن تطمس على القلب فتجعله لا يرى الحق ويصفق للباطل، عليك أن تراجع حساباتك، عليك أن تنظر للأمور بنظرة مختلفة، اسمع لمن خالفك بقلب واعي، اجعل نيتك هو ظهور الحق، ادعو الله كثيرًا بأن يُرنا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يُرنا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
إلى لقاء آخر بإذن الله.
- التصنيف: