أحضان المحبين
(حضن جماعي) تعجز كل الحروف أن تصف حلاوته، أقرأُ فيه أرقى معاني الحب في الله، وكأن قلوبنا هناك معهم، عندما كانت قلوبهم تنبِض في صدورهم الشريفة؛ فتفيض حبًّا للحبيب صلى الله عليه وسلم، وصلتنا حرارة الشوق إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنهم بين أيدينا الآن، وكأنهم في معانينا ومبانينا وأرواحنا وكلماتنا، وكأننا نحن فيهم، وكأنهم هنا، نتنفس بأرواحهم الطاهرة، ونشعر بحرارة أنفاسهم حولنا، أحببناهم لحبِّهم لنبي الله صلى الله عليه وسلم، تمنّينا لو أننا بينهم وأنهم بيننا! اشتقنا يا رسول الله، اشتقنا لنورك ورحمتك ورؤيتك وجوارك وهيبتك، اشتقنا لوجهك.
بعض الناس يحنُّ إلى حِضن أمه، وبعضهم يبحث عن حِضن أبيه، وبعضهم يحلم بأحضان وأحضان، وهناك من يشتاق إلى حضن الحبيب صلى الله عليه وسلم.
ثمة سكينةٌ ورحمة في غار حراء، بعيدًا عن الناس، حيث كان الجبل يحتضن هذا الغار بوجل وإشفاق، والغار يحن فيحتضن حبيبنا صلى الله عليه وسلم، فيحتويه وهو يتأمل، ويتعبد، ويتفكر في ملكوت الخالق سبحانه!
نزل جبريل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وترددت كلمات "رتِّل ترتيلاً... اقرأ"
وكررها الحبيب على الحبيب ثم احتضنه بشدة، والنبي يرتجف! ويرتجف! والموقف جلل، واللحظات رهيبة، ثم أخيرًا تركه ليقول: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]؛ فنزلت أول آيه بعد حضن كريم من مَلَك عظيم لأشرف خلق الله صلى الله عليه وسلم، الذي أحبه جبريل؛ لأن الله يحبه "حضن عظيم".
وينتهي ذلك الموقف، ويختفي جبريل، فيسرع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته مرتجفًا! مرتعدًا! يتصبب عرقًا! فارًّا إلى حضن زوجته!
زمِّلوني، زملوني..
فتضع أمُّنا الطاهرة خديجة عليه أغطية الصوف، وتمسح العرق عن جبينه، وتحتضنه لتشعره بالأمان؛ فكان حضنًا آخرَ من زوجة شريفة لزوجها؛ لتطمئنه، وتشعره بالأمان، لنبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم "حضن شريف".
غزوة مؤته، عندما كان زيد بن حارثة رضى الله عنه يقاتل حتى استشهد، وانطلق جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه من بعده، فأخذ الراية، وظل يقاتل حتى قطعت يمينه، وسالت الدماء، فرأى الراية تَكاد تسقط؛ فأصرَّ أن يُعزَّها ويرفعها، وضمَّها، واحتضنها بشماله، فقُطعت شماله، فانكبّ عليها وضمّها واحتضنها بعضدَيْه، حضن عظيم لراية التوحيد بللته دماء الشهيد الطاهرة، حضن بقلب أحب النبي وأحبه النبي صلى الله عليه وسلم "حضن شهيد".
ووصلت أخبار استشهاده للنبي صلى الله عليه وسلم، فأسرع لبيته باحثًا عن أبناء جعفر رضي الله عنه، واحتضنهم وضمهم إليه، وقبَّلهم وهو يبكي "حضن رحيم".
غزوة أحد، إنه أبو دُجانة، الفارس الشجاع، والشاب القوي، والصحابي الجليل، ها هو يربط رأسه بعصابة حمراء، ويسير مُتبخترًا بين الصفوف، يقاتل بشجاعة، شاهرًا سيفه، تراه فيُعجِبُك وتعجبُك مهارتُه، بل أنت ستحبه، وها هو القتال يشتد، وقد أصيب النبي صلى الله عليه وسلم، وسالت الدماء على وجهه، وأقبل لحمايته خمسة من الأنصار، فقُتلوا جميعًا، فركض أبو دجانة وشق الصفوف، واحتضن النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل من ظهره ترسًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يحميه بجسده وظهره وكتفيه، ويتحمل الطعنات، ويكتم الأنَّات! غيرَ مبالٍ بدمائه التي أغرقت ظهره الذي أصبح كظهر القنفذ، وقد ملأته السهام، وهو منحنٍ يحمي بدنه الشريف ببدنه، وروحه فداء لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم "حضن جميل".
"نحري دون نحرك يا رسول الله"!
قالها أبو طلحة، رافعًا رأسه، محاولاً أن يطيل رقبته ما أمكن ليحمي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يحتضن بذراعيه أكتاف رفاقه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم يحلقون حوله عندما حاصرهم المشركون، وأرادوا أن يؤذوا النبي صلى الله عليه وسلم.
(حضن جماعي) تعجز كل الحروف أن تصف حلاوته، أقرأُ فيه أرقى معاني الحب في الله، وكأن قلوبنا هناك معهم، عندما كانت قلوبهم تنبِض في صدورهم الشريفة؛ فتفيض حبًّا للحبيب صلى الله عليه وسلم، وصلتنا حرارة الشوق إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنهم بين أيدينا الآن، وكأنهم في معانينا ومبانينا وأرواحنا وكلماتنا، وكأننا نحن فيهم، وكأنهم هنا، نتنفس بأرواحهم الطاهرة، ونشعر بحرارة أنفاسهم حولنا، أحببناهم لحبِّهم لنبي الله صلى الله عليه وسلم، تمنّينا لو أننا بينهم وأنهم بيننا! اشتقنا يا رسول الله، اشتقنا لنورك ورحمتك ورؤيتك وجوارك وهيبتك، اشتقنا لوجهك.
اللهم إننا نسألك أن تحشرنا معه وخلفه، وتحت لوائه، اللهم إنا نشهدك أننا نحبهم ونحبه صلى الله عليه وسلم.
- التصنيف: