إحياء - (267) سُنَّة عدم قول أنا

منذ 2015-03-19

سُنَّة عدم قول أنا هي سنة عظيمة تحفظ للبيوت حرمتها وأمنها، ففيها يُعرِّف الطارق أو الزائر بنفسه بشكل واضح وصريح، ليعلمه صاحب البيت بلا شك..

تشتمل السُّنَّة النبوية على آداب عظيمة تُنَظِّم حياة الناس، والالتزام بهذه السُنن يحفظ المسلمين من شرور كثيرة، ومشاكل جمَّة؛ ومن هذه الآداب أدب الاستئذان عند الدخول إلى بيوت الناس، ولا بُدَّ أن يكون الاستئذان واضحًا وصريحًا بحيث يُعطي صاحب البيت فرصة القبول أو الرفض للزيارة؛ لذلك فإذا طَرَقَ أحدُنا الباب فقال صاحب البيت: مَنِ الطَّارِقُ؟ فلا ينبغي لأحدنا أن يردَّ بقوله: أنا! لأن ذلك الردَّ لم يكشف -في الأغلب- عن شخصية الطارق؛ وبالتالي قد يضطرُّ صاحب البيت إلى أن يفتح الباب وهو لا يدري كنه الزائر، أو يُرهق نفسه بالتخمين والظنِّ..

لذلك كان من سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُعَرِّف الطارق بنفسه عند الاستئذان؛ فقد روى البخاري عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِي، فَدَقَقْتُ البَابَ، فَقَالَ: «مَنْ ذَا؟» فَقُلْتُ: أَنَا. فَقَالَ: «أَنَا أَنَا»، كَأَنَّهُ كَرِهَهَا". فالأَوْلَى هنا أن يقول جابر رضي الله عنه: "أنا جابر. ولذلك كَرِه رسول الله صلى الله عليه وسلم قولَ جابرٍ رضي الله عنه: "أنا" مُجَرَّدَةً هكذا..

وقد وردت في السُّنَّة النبوية مواقف أخرى عَرَّف الطارق فيها نفسه فَقَبِل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مما يؤكِّد أن هذا هو السُّنَّة، فقد روى الحاكم -وقال الذهبي: صحيح- عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه، قَالَ: "كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ يَقْرَأُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟» فَقُلْتُ: أَنَا بُرَيْدَةُ، جُعِلْتُ لَكَ الْفِدَاءَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ. قَالَ: «لَقَدْ أُعْطِيَ هَذَا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ»".

وروى البخاري عن أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنها، قَالَت: "ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟» فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ". فهذا التعريف بهذا الوضوح هو السُّنَّة، ولو كان الاسم ليس كاشفًا عن كنه الطارق فإنه ينبغي له أن يُعَرِّف نفسه بالصفة، فيقول اسمه كاملاً، أو يُضِيف وظيفته؛ بحيث تُصبح الصورة واضحة لصاحب البيت فيفتح عندها الباب أو يرفض الزيارة كما يشاء، وهذا هو الذي يحفظ للبيوت حرمتها وأمنها، فما أعظمها من سُنَّة!

ولا تنسوا شعارنا قول الله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور:54].

راغب السرجاني

أستاذ جراحة المسالك البولية بكلية طب القصر العيني بمصر.

  • 15
  • 0
  • 4,640
المقال السابق
(266) سُنَّة الدعاء للمريض
المقال التالي
(268) سُنَّة التيسير

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً