البعد الصليبي لشركة بلاك ووتر (1)
وليس من الغريب أن تكون شركة بلاك ووتر ذات أصول صليبية نظرًا لما ارتكبته من وحشية ودموية في أي مكان دخلت فيه أو أوكلت لها فيها أية مهمة، وهذا يعود بنا إلى أسلوب الوحشية والهمجية نفسه الذي ارتكبته الجيوش الصليبية على مد التاريخ، وما أشبه الليلة بالبارحة.
وليس من الغريب أن تكون شركة بلاك ووتر ذات أصول صليبية نظرًا لما ارتكبته من وحشية ودموية في أي مكان دخلت فيه أو أوكلت لها فيها أية مهمة، وهذا يعود بنا إلى أسلوب الوحشية والهمجية نفسه الذي ارتكبته الجيوش الصليبية على مد التاريخ، وما أشبه الليلة بالبارحة.
تعود جماعة فرسان مالطا الدينية التي ينتمي إليها أغلب المرتزقة في شركة بلاك ووتر إلى العصور الوسطى حيث نشأت في جزيرة مالطا وعرفت باسم فرسان القديس يوحنا الأورشليمي، وقد انبثقت عن الجماعة الأم الكبيرة المشهورة باسم (فرسان المعبد) التي كان لها شهرة أيام الحروب الصليبية، وكان أفرادها دائمي الإغارة على سواحل المسلمين، خاصة سواحل ليبيا وتونس لقربهما من مالطا، بدأ ظهور فرسان مالطة عام 1070م كهيئة خيرية أسسها بعضُ التجار الإيطاليين لرعاية مرضى الحجاج المسيحيين في مستشفى قديس القدس يوحنا قرب كنيسة القيامة ببيت المقدس، وظل هؤلاء يمارسون عملَهم في ظل سيطرة الدولة الإسلامية، وقد أطلق عليهم اسم فرسان المستشفى تمييزاً لهم عن هيئات الفرسان التي كانت موجودة في القدس آنذاك، مثل فرسان المعبد والفرسان التيوتون، والمؤكد أنهم ساعدوا الغزو الصليبي فيما بعد.
وكان عدد الحجاج المسيحيين إلى مدينة القدس قد تزايد في بداية القرن الحادي عشر لاتجاه بعض التجار الإيطاليين إلى الحصول على حق إدارة الكنيسة اللاتينية من حكام المدينة المسلمين، وكان يلحق بهذه الكنيسة مستشفى للمرضى والحجاج يسمى مستشفى "قديس القدس يوحنا"، كذلك استطاع تجار مدينة "أمالفي" 1070م تأسيس جمعية خيرية في بيمارستان قرب كنيسة القيامة في بيت المقدس للعناية بفقراء الحجاج، ومن اسم المستشفى أطلق عليهم اسم فرسان المستشفى (Hospitallers) التي حرفت إلى (الاسبتارية) في اللغة العربية، ولم يلبث أولئك (الاسبتارية) أن دخلوا تحت لواء النظام الديري البندكتي المعروف في غرب أوربا، وصاروا يتبعون بابا روما مباشرة بعد أن اعترف البابا (باسكال الثاني) بتنظيمهم رسميًا في 15 فبراير 1113م، وهكذا أصبح نظامهم يلقى مساندة من جهتين: تجار (أمالفي)، وحكام (البروفانس) في فرنسا.
بعد هزيمة الصليبيين في موقعة حطين عام 1187م على يد صلاح الدين الأيوبي هرب الفرسان الصليبيون إلى البلاد الأوربية.
وبسقوط عكا 1291م وطرد الصليبيين نهائيًا من الشام اتجهت هيئات الفرسان إلى نقل نشاطها إلى ميادين أخرى؛ فاتجه الفرسان (التيوتون) نحو شمال أوربا حيث ركزوا نشاطهم الديني والسياسي قرب شواطئ البحر البلطيكي، ونزح (الداوية) أو فرسان المعبد إلى بلدان جنوب أوربا وخاصة فرنسا حيث قضى عليهم فيليب الرابع فيما بعد (1307-1314م).
أما فرسان الهوسبتالية فقد اتجهوا في البداية إلى مدينة صور ثم إلى قبرص، ومن قبرص استمروا في مناوشة المسلمين عن طريق الرحلات البحرية، ومارسوا أعمال القرصنة ضد سفن المسلمين، إلا أن المقام لم يطب لهم هناك، فعمد رئيسُهم (وليم دي فاليت) للتخطيط لاحتلال (رودس) وأخذها من العرب المسلمين وهو ما قام به أخوه وخليفته (توك دي فاليت) في حرب صليبية خاصة (1308-1310م) ليصبح اسم نظام الفرسان الجديد يسمى (النظام السيادي لرودس).
في 25 من إبريل 1530م أصبح النظام يمتلك مقرًا وأقاليم جديدة أدت إلى تغيير اسمه في 26 من أكتوبر 1530م إلى "النظام السيادي لفرسان مالطا" ومنذ ذلك الوقت أصبحت مالطا بمنزلة الوطن الثالث لهم، ومنها استمدوا اسمهم "فرسان مالطا" واستطاع رئيسهم (جان دي لافاليت) أن يقوي دفاعاتهم ضد الأتراك العثمانيين مصدر خوفهم، وأن يبني مدينة (فاليتا - عاصمة مالطا حاليا) التي أطلق عليها اسمه، وكان مما ساعد على ترسيخ وجودهم في مالطا وقوع معركة (ليبانتوا) البحرية 1571م بين الروم والأتراك مما أبعد خطر الأتراك ووفر لنظام الفرسان جواً من الهدوء.
وقد تميز هذا النظام منذ إقامته في مالطا بعدائه المستمر للمسلمين وقرصنته لسفنهم حتى كون منها ثروة (ينفقون منها حاليا على الأعمال الخيرية!) ولا سيما في الحصار التاريخي 1565م الذي انتهى بمذبحة كبيرة للأتراك، كما توسع النظام كثيرًا حتى إن الملك (لويس الرابع عشر) تنازل له في 1652م عن مجموعة من الجزر في (الأنتيل).
مقر فرسان مالطا اليوم وأهم أعضائها:
يقع المقر الرئيس للمنظمة حاليًّا في العاصمة الإيطالية روما، ويحمل اسم "مقر مالطا"، ويرأس الدولة (البرنس أندرو برتي) الذي انتخب عام 1988م ويعاونه أربعة من كبار المسئولين ونحو عشرين من المسئولين الآخرين.
وقد عقدت منظمات الفرسان الصليبية اجتماعًا في جزيرة مالطة في أوائل ديسمبر 1990م، هو الأول من نوعه، منذ أخرجهم نابليون بونابرت منها، قبل حوالي قرنين من الزمان، وكان الاجتماع مثيراً للغاية -كما قال روجر جيورجو أحد أولئك الفرسان الذين اجتمعوا بالجزيرة-، وبلغ عدد الحاضرين حوالي خمسمائة، معظمهم من القساوسة، ينتمون إلى اثنين وعشرين دولة.
ولوحظ أن الفرسان الصليبيين المجتمعين رأوا هذا اللقاء خطوة باتجاه إحياء وإنعاش تلك المنظمة الكاثوليكية ذات الجذور الصليبية، وقد روت صحيفة هيرالد تريبيون الأمريكية تفاصيلَ هذا الاجتماع في حينه قائلةً: "إن الفرسان توافدوا على الاجتماع، وقد ارتدى كل واحد منهم ملابسَ كهنوتية سوداء، يزينها صليبٌ أبيض مزدوج الأطراف، ورأس الجلساتِ الأستاذُ الأعظم الذي يقود المنظمة، وهو أسكتلندي سبق أن عمل في حقل التدريس، اسمه أندروبيرتي (60 سنة) وهو أول بريطاني يرأس المنظمة منذ عام 1277م، كما أنه الرئيس الثامن والسبعون للمنظمة منذ تأسيسها، ويحمل رتبة كاردينال، ويرأس مجلسًا يتألف من ستة وعشرين فارسًا يساعدونه على تسيير شؤون المنظمة، وتدعمه أمريكا بقوة ".
يقدر عدد أعضاء منظمة فرسان مالطة بحوالي عشرة آلاف، في حين يقدر عدد المتطوعين الذين يعملون معهم بحوالي نصف مليون شخص، منهم زهاء مائة ألف في فرنسا وحدها، ومثلهم في ألمانيا الغربية، والولايات المتحدة الأمريكية، وغير المتطوعين في الولايات المتحدة وحدها ألف وخمسمائة فارس، وقد انضم إلى عضويتها عدد من أصحاب الملايين خصوصًا أن نشاطهم الحالي يختص بالمستشفيات مما يغري بالتبرع لهم.
وكشف الباحث الأيرلندي سيمون بيلز، والباحثة الأمريكية ماريسا سانتييرا -اللذان تخصصا في بحث السياق الديني والاجتماعي والسياسي للكنيسة الكاثوليكية الرومانية- عن أن أبرز أعضاء جماعة فرسان مالطا من السياسيين الأمريكيين رونالد ريجان وجورج بوش الأب والابن رؤساء الولايات المتحدة، وهم من الحزب الجمهوري، كما يشير موقع فرسان مالطا إلى أن من بين الأعضاء البارزين في الجماعة بريسكوت بوش وهو الجد الأكبر للرئيس الحالي جورج بوش الابن.
ولا يمكن -كما يؤكد الباحثان- انتزاع تصريحات الرئيس بوش عقب هجمات 11 سبتمبر من هذا السياق حين أعلن شن "حرب صليبية" على الإرهاب، وذلك قبيل غزوه لأفغانستان عام 2001م.. وكذلك تصريحات دونالد رامسفيلد عندما اعتلى منصة البنتاجون ليلقي واحدة من أهم خطبه كوزير للدفاع في عهد الرئيس جورج بوش.. حيث أعلن رامسفيلد الحرب وهو يلقي كلمته واقفاً بين جموع من كبار الشخصيات والمقاولين العاملين لصالح الجيش من الشركات مثل إنرون، وجنرال ديناميكس.
قال رامسفيلد: "إن القضية اليوم هي وجود عدو يمثل خطرًا وتهديدًا لأمن الولايات المتحدة الأمريكية"، وأضاف: "إن هذا العدو يعطل الدفاع في الولايات المتحدة، ويعرض حياة الرجال والنساء الذين يؤدون الخدمة للخطر". وتابع -مخاطبًا الموظفين الجدد العاملين معه-: "قد تعتقدون أنني أصف أحد آخر الطغاة الموجودين في العالم.. لكني أقصد ذلك الخصم القريب منا.. إنها بيروقراطية البنتاجون".
وبعد ذلك دعا رامسفيلد إلى تغيير كبير في إدارة البنتاجون، وحل النموذج الجديد القائم على القطاع الخاص محل البيروقراطية القديمة لوزارة الدفاع.
ولم يستغرق الأمرُ كثيراً من رامسفيلد ليستفيد من هذه الفرصة التي قدمتها له أحداث 11/9 لكي يضع حربه وخططه التي أعلن عنها موضعَ التنفيذ السريع، إذ تعتمد سياسةُ البنتاجون الجديدة على الخطط السرية والأسلحة الحديثة المعقدة، وعلى الاعتماد بقوة على المقاولين من القطاع الخاص وهو ما أصبح يعرف بـ(تعاليم رامسفيلد).
وفعلاً.. فإن "بصمة" رامسفيلد برزت من خلال أحدث الحروب؛ إذ ساعد مقاولو القطاع الخاص في جميع نواحي الحرب بما في ذلك المعارك القتالية.
المصادر:
1- سفارة بلا دولة، تقرير: محمد جمال عرفة.
2- بوش أمريكا يقود الحرب الصليبية بقوات فرسان مالطة، بقلم: ماجدي البسيوني.
3- شبكة وموقع النبأ.
4- موقع ويكيبيديا.
5- موقع الإسلام اليوم.
إسراء علي البدر
- التصنيف:
- المصدر: