العولمة

منذ 2015-03-26

ساهمت العولمة الاقتصادية في زيادة حدة المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية في أنحاء العالم، وأدت الحواجز التجارية الجديدة، وتكرر الأزمات الاقتصادية والمالية، واتساع الفجوة بين الشمال والجنوب، إلى وضع الدول الآسيوية والإفريقية؛ في موقف صعب مخافة التهميش.

ساهمت العولمة الاقتصادية في زيادة حدة المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية في أنحاء العالم، وأدت الحواجز التجارية الجديدة، وتكرر الأزمات الاقتصادية والمالية، واتساع الفجوة بين الشمال والجنوب، إلى وضع الدول الآسيوية والإفريقية؛ في موقف صعب مخافة التهميش.

العولمة:

تطور الفكر الاقتصادي في الحقبة الأخيرة من الزمان تطوراً كبيراً ليصل في نهاية القرن العشرين - بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ونهاية النظم الاشتراكية - إلى سيطرة فكر اقتصادي واحد على العالم ألا وهو الفكر الرأسمالي، فالعولمة باختصار هي تعميم النظام الرأسمالي على كل أرجاء المعمورة، يقول الدكتور حسن حنفي - أستاذ الفلسفة في جامعة القاهرة -: "العولمة هي ليست فقط تغريب العالم بمعنى أن ينتشر الغرب من المركز إلى المحيط، إلى الأطراف، وليست فقط أمركة لأن أمريكا هي التي تتصدر العالم الآن باعتبارها القطب الوحيد الموجود، ولكنها أخطر من ذلك؛ فهي سيطرة اتجاه واحد، رأي واحد، فكر واحد، قانون واحد".

ويؤدي هذا الفكر إلى أنه لا سبيل إلى النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي إلا عبر تدويل الأعمال (أو العولمة)، وأنه لا مفر من ترك الأموال والمنتجات، والأعمال والناس؛ لتتحرك بحرية من دولة إلى أخرى دون قيود، وبناء على هذا الفكر تمت الموافقة على الاتفاقية العامة للتعريفة والتجارة (GATT) وهي ما يطلق عليها (الجات)، وبمقتضى هذه الاتفاقية تمنح الحرية لتدفق السلع ورؤوس الأموال والأعمال بين الدول، وعلى الدول أن تخفض الرسوم الجمركية، والضرائب، والقيود؛ على الأعمال، والتجارة، ورؤوس الأموال، ولذا يعرِّف الدكتور إسماعيل صبري عبد الله العولمة فيقول أنها: "التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة، أو انتماء إلى وطن محدد، أو لدولة معينة، ودون حاجة إلى إجراءات حكومية"(1).

النتائج المتوقعة للعولمة:

وبعد هذه المقدمة السريعة عن العولمة نستطيع أن نتوقع مجموعة من النتائج التي ستأخذ مكانها في الواقع نتيجة لانتشار هذا الفكر الجديد، وأبرز هذه النتائج هي:

1- اندماج أسواق العالم في حقول التجارة العالمية، والاستثمارات المباشرة، وانهيار الحواجز السياسية والجغرافية أمام حركة التجارة العالمية، وخضوع جميع دول العالم لقوى السوق العالمية.

2- تبادل شامل بين مختلف أطراف الكون يتحول العالم بموجبه إلى محطة تفاعلية موحدة للإنسانية بأكملها (نموذج القرية الكونية التي تربط بين الناس والأماكن ملغية للمسافات، ومقدمة للمعلومات بشكل شامل بلا قيود).

3- لن يكون هناك مستهلك محلي بل سيقبل الناس على شراء سلع تم تصميمها في مكان، وتحصيل خاماتها من مكان آخر، وتصنيعها في مكان ثالث، وتجميعها في مكان رابع، حتى تصل إلى المستهلك بشكل أرخص وأجود في مكان خامس.

4- الانخفاض الحاد في تكاليف النقل والاتصالات السلكية واللاسلكية.

5- تزايد دور التجارة الإلكترونية ونسبتها إلي إجمالي التجارة العالمية.

6- الدول النامية وشركاتها ستتلقى صدمات قوية من الدول والشركات المتقدمة، وهذه الأخيرة لديها الإمكانات الأفضل لإنتاج أرخص وأجود، وهي تزيح من طريقها الشركات الأقل كفاءة، وهذا يقودنا إلى النقطة التالية وهي:

7- النمو غير المتكافئ، والتركز في الثروة، وازدياد التفاوت في توزيع الدخل: سواء كان ذلك على مستوى الدول حيث ستزداد الدول الغنية غنى، وستزداد الدول الفقيرة فقراً، أو كان على مستوى الأفراد داخل الدولة الواحدة، حيث ستتركز الأموال والثروات في أيدي فئة قليلة، وتتآكل الطبقات الوسطى لحساب الطبقات الفقيرة.

8- تدخل الدول الأقوى في شئون الدول الأخرى، وهذا التدخل لن يتم من خلال وزارات الخارجية والدفاع ولكن من خلال وزارات الاقتصاد والتجارة.

9- سيطرة الشركات متعددة الجنسيات على التجارة العالمية، ولن تستطيع الحكومات حماية شركاتها الوطنية.

كيف يمكن التكيف مع العولمة؟

بعد هذه الآثار الخطيرة للعولمة علينا نحن كعرب وكمسلمين أن نحسن التكيف مع التغيرات الواقعة في العالم، وأول واجب على المنظمات العربية والإسلامية التي تود أن تعمل في ظل العولمة أن تتقبل فكرة المنافسة، وأن تعلم أن منظمات وشركات عالمية ستأتي في عقر دارها لمنافستها، وعليها أن تعلم أيضاً أن السوق المحلية سينفتح أي أنها ستكون في منافسة مع كل شركات العالم، وبالتالي فأهم واجب على أي منظمة هو بناء ميزة تنافسية تتميز بها على غيرها من المنظمات، وتؤهلها للبقاء في السوق التنافسي، والنجاح محلياً وعالمياً.

وعلى المنظمات أن تنفتح على الممارسات الفعالة في الإدارة، وأن تكون مستعدة لاستخدام هذه الممارسات الحديثة لتتمكن من بناء ميزة تنافسية، ولذا يجب أن يكون المدير العالمي الجديد شديد التميز في امتلاك الصفات التالية:

1- النفاذ في عمق الرؤية المستقبلية والتخطيط الاستراتيجي، والقدرة على اكتشاف نقاط القوة والضعف، والفرص والتهديدات؛ لتحديد التوجه الاستراتيجي الصحيح.

2- القدرة على الابتكار، وتوليد الأفكار الجديدة.

3- القدرة على إدارة التغيير بكفاءة.

4- القدرة على التعامل مع المعلومات والتكنولوجيا الحديثة والتطوير الدائم.

5- القدرة على الاهتمام بالجودة الشاملة.

فإذا اتصف المدير بهذه الصفات صار مؤهلاً لسمة العالمية، ونأمل له نجاحاً باهراً في ظل المنافسة العالمية الشديدة التي تزداد حدتها يوماً بعد يوم، فابدأ من اليوم بتزويد نفسك بالعلم والمهارة اللذان يؤهلانك للعالمية، وضع دائماً نصب عينيك قول الله - تعالى -: (وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب)، وستصل بإذن الله إلى غايتك، وإلى المشاركة في صناعة نهضة شاملة لأمتنا العربية والإسلامية.

وإلى أن نراك وأنت تحقق حلمك وحلم أمتك؛ لك منا أطيب التحية، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الهوامش:

(1) إسماعيل صبري عبد الله، الكوكبة الرأسمالية العالمية في مرحلة ما بعد الإمبريالية، مجلة الطريق العدد 4 تموز/ آب 1997 ص 47.


موقع مفكرة الإسلام

  • 0
  • 0
  • 3,177

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً