كيف نرد على المنصرين

منذ 2015-03-26

لقد بدأ المنصرون حرباً جديدة، وشبابنا غير مسلح إلا بأغاني الفيديو كليب، وصور الفنانين ونجوم الكرة، فإذا ما فاجأهم أحد هؤلاء الأوغاد بشبهة جعله يترنح كريشة في مهب الريح، وما لم نتخذ رد الفعل السريع والمناسب فلا تبكوا على ضياع شبابكم وأبنائكم، ولا تسألوا عنهم إذا دهسهم قطار التنصير!

ليست العربات والحافلات فقط هي المفخخة لكن الكلمات أيضاً يمكن أن تكون مفخخة، وإذا كان عدد الضحايا في حالة السيارة المفخخة لا يتجاوز العشرات؛ ففي حالة الكلمات المفخخة يتجاوز الآلاف بل الملايين, وإذا كان الدم الذي يسيل على الأرض هو خلفية المشهد المأساوى للسيارة المفخخة؛ فإن الدين والوطن والتاريخ هو الذي يسيل على الأرض ويتبعثر في الهواء في مشهد الكلمات المفخخة.

لقد جاء الإسلام والعالم يومئذ مشوه الملامح، سكب الجميع على وجهه ماء النار؛ ففقد الإنسان هويته ووجهه الحقيقي، كان الإنسان يترنح وهو يلفظ أنفاسه ما بين مجوسية ملحدة لا تعبد إلا النار، ويهودية منحلة تدعى انتظار المخلص، وتزعم أنها الشعب المختار، ووثنية ضالة جعلت من الإنسان إلهاً، ومن خرافات تعدد الآلهة عقيدة، في ظل فراغ روحي, والروح لا تعرف الفراغ فلابد أن تعتنق ديانة ما.

جاء الإسلام والرياح تعصف بالجميع، جاء بخارطة النجاة، وأعاد للإنسان ذاكرته المفقودة، جاء الإسلام كالسحاب الذي يحمل الأمطار إلى الأرض القاحلة، فاخضر المشهد، وتغنت مفردات الكون لما تعرفت على ذاتها.

لقد وجد الإنسان نفسه التي أخفتها جراثيم الوثنية في سراديب الضلال، ووجد الإنسان إلهه الحقيقي الذي حاول المنتفعون أن يحجبوه عن عباده، ووجد الإنسان طريقه بعد أن اغتيلت خارطته، القرآن كلام الله أسكت الألسنة المزيفة، وأخرس الأساطير الباطلة، وصاغ إنساناً جديداً، فقامت دولة أدهشت الجميع، ولم يستفق المدهوشون والمحرفون إلا والإسلام في حجراتهم بين أولادهم وبناتهم وزوجاتهم, لقد وجدوا الإسلام وجهاً لوجه في بيوتهم، اعتنقه الكثيرون، وقبلوا وجهه كما يقبل الابن أباه بعد طول سفر، لم يستطع أحد من هؤلاء أن يقف أمام كلمة الله، لم يكن ثمة شيء إلا التشويه والسب واللعن، كانوا يتناقلون الأخبار في أوروبا في عصور تخلفهم وانحطاطهم - والتي تعرف بعصور الظلام Dark ages - عن محمد بأنه كذا وكذا، وأن القرآن كذا وكذا، وأن المسلمين قتلة، ومصاصو دماء، لقد فعل البابوات ذلك خوفاً على مصالحهم الشخصية؛ لأنه في ظل الإسلام يتساوى الجميع، ويصبح البابا رجلاً عادياً كبقية الناس، ولا يمكن لهؤلاء - الذين عبدوا الشهرة والمنصب من دون الله - لا يمكن لهم أن يقبلوا ذلك، فليس ثمة شيء غير التشويه.

ومع الاحتكاك والحروب الصليبية فوجيء هؤلاء المخدوعون بأن المسلمين شرفاء نبلاء، أصحاب حضارة وثقافة متميزة، فتغيرت الكثير من الأفكار والرؤى لديهم، غير أن الحقد الذي عشش في نفوس المنتفعين ألجأهم إلى وسائل جديدة لمحاربة الإسلام، فلجؤوا إلى التشكيك والطعن في الإسلام أملاً في أن تضعف جذوته في قلوب أتباعه، وتخبو أنواره في قلوبهم، وساعتها يمكن القضاء عليهم، وهذه هي مهمة التنصير الآن، إما تنصير المسلم - أو على الأقل رده عن دينه - فلا يهتم به ولا يدافع عنه.

وعلى الرغم من أن القرآن حذرنا من ذلك فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران: 100]؛ غير أن ذاكرة المسلمين أصابتها سهام هؤلاء المسمومة فأخذ الوعي والهوية والتاريخ يتسرب من خلال تلك الثقوب، وأوشك المسلمون على فقدان الذاكرة.

الكلمات المفخخة الآن في مخادعنا، وفوق أسرتنا، وخلال حوائطنا عبر الفضائيات والإنترنت، حقول الألغام تحت أقدامنا فما العمل؟

إن دخول معركة ما بغير سلاح هو الجنون بعينه، لكنا لم ندخل المعركة, المعركة هي التي فاجأتنا في غرف نومنا، وكنا نخاف نزول حمام السباحة فباغتنا محيط هائل، وطوفان رهيب؛ يكتسح أكواب الشاي والمقاعد التي نجلس عليها، لابد من التسلح إذن وإلا أغرقنا الطوفان.

لقد بدأ المنصرون حرباً جديدة، وشبابنا غير مسلح إلا بأغاني الفيديو كليب، وصور الفنانين ونجوم الكرة، فإذا ما فاجأهم أحد هؤلاء الأوغاد بشبهة جعله يترنح كريشة في مهب الريح، وما لم نتخذ رد الفعل السريع والمناسب فلا تبكوا على ضياع شبابكم وأبنائكم، ولا تسألوا عنهم إذا دهسهم قطار التنصير!

هذه رسائل مختصرة لبيان شبهات هؤلاء القتلة، والرد عليها لتكون سلاحاً فعالاً في يد أبنائنا، ولتكون دافعاً لهم على مراجعة مواقفهم، فلقد بدأت مرحلة الفرز قال تعالى: {مَا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 179]، وتأمل في هذه الآية العجيبة هذا الانتقال المفاجئ من ضمير الغائب {يذر المؤمنين} إلى المخاطب {على ما أنتم عليه} ولم يقل على ما هم عليه، إنه عنصر المفاجأة والمباغتة في التمحيص بدون سابق إنذار، وبدون توقع، ولذلك قال - سبحانه - {وما كان الله ليطلعكم على الغيب}.

أخي المسلم انتبه لقد اتبعوا منهجاً غير علمي في تشويه الحقائق، لكني لن أذكر هنا ملامح هذا المنهج الجرثومي وعناصره إلا بعد الانتهاء من هذه الرسائل.

يريدون تأليه عيسى من خلال القرآن؛ كيف؟

يقولون لك: إن القرآن قال عن نفسه بأنه مصدق لما بين يديه من التوراة والإنجيل؛ نعم، والقرآن طالب بتحكيم الإنجيل {وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه} نعم، وإن كثيراً من علماء الإسلام قالوا: إن هذه الكتب هي كلام الله كما أنزلت: {لا تبديل لكلمات الله} سنقول: نعم مجاراة لهم، وأن عيسى ولد بمعجزة؛ نعم، وأنه يخلق ويحيى الموتى؛ نعم، يقولون لك: فلماذا لا تتبع كتبنا المقدسة التي نزل القرآن مصدقاً لما فيها، وفيها ألوهية المسيح والصلب وغير ذلك؟ فإن قلت لهم: لكن القرآن نفى هذه الألوهية المزعومة، والصلب المزعوم، يقولون لك: القرآن مليء بالأخطاء التاريخية والجغرافية والعلمية واللغوية، ويقولون لك: القرآن مليء بالخرافات التي تتعارض مع العلم، ويسوقون لك من الأمثلة المغلوطة ما قد يخدعك ويشوش عليك، ويفقدك اتزانك، وساعتها سيقولون لك: لماذا ترفض فكرة أن الله يتجسد، يا أخي لقد قال القرآن ذلك! ألم يتجل الله للجبل؟ ألم يتكلم الله من خلال شجرة الطور الأيمن مع موسى؟ فكيف يتجسد الله من خلال الجماد ويترك الإنسان الذي خلقه في أحسن تقويم؟ - وهذا قياس فاسد؛ لأن الشجرة كانت موجودة بالفعل ولم يتجسد الله شجرة، وكذلك الجبل -، عند ذلك تحدث الخلخلة لبعض الناس، والتخدير النصفي فيتقبل ما يلقى عليه، وقد وقع في الفخ وهو لا يدرى!

ما هذا الفخ؟

فخ أنه شكك في القرآن من خلال أخطائه المزعومة، وتناقضاته العلمية، ثم يريدك أن تؤمن بمعجزة عيسى، وأنه هو الله رغم أنك لم تؤمن بهذه المعجزة إلا من خلال القرآن؛ فما الحل؟

إنك حاورته من خلال خلفية إيمانك بمعجزة عيسى من نصوص القرآن وهذا خطأ منهجي، قل له: أنت تقول إن في القرآن أخطاء علمية، وخرافات تتعارض مع العلم، إذن هيا نحتكم إلى العلم، - واترك خلفيتك الإيمانية قليلاً-؛ العلم يرفض أن يولد إنسان ما من أنثى دون ذكر فكيف تريدني أن أقبل خرافة معجزة عيسى مع أن العلم يقول بأنها أم الخرافات؟

سيقول لك: إنها معجزة في الكتاب المقدس! قل له: أنا لا أمن بالكتاب المقدس؛ لأنه يتحدث عن خرافة ميلاد شخص بلا أب! يقول لك: لكن القرآن ذكر ذلك، قل له: نحن اتفقنا أن نحتكم إلى العلم؛ سيقول لك: إن عيسى كان يحيى الموتى، قل له العلم يرفض ذلك، سيقول لك وماذا كان عيسى إذن؟ فقل له بمقاييس علمك: كان دجالاً ومشعوذاً، ولا يوجد دليل علمي على ولادته إلا بطريقة غير شرعية، فسيخرس هؤلاء الذين يدعون الاحتكام إلى العلم، ويزعمون وجود خرافات في القرآن، وهم أكثر الناس إتباعاً للخرافة، وأصل دينهم بني على عدد من الخرافات من وجهة نظر العلم.

نحن لم نؤمن بمعجزة المسيح إلا من خلال القرآن؛ الكتاب الوحيد الذي يؤيده العلم، وخير لهم أن يؤمنوا به ليثبت لهم معجزة ولادة عيسى، هناك الكثير من الأمثلة ولكن لأنه ليس ثمة وقت فإنني أحاول فقط أن أضع لك أخي المسلم منهجاً للرد على هؤلاء.

يقولون لك: فلماذا سمانا القرآن أهل كتاب، ولماذا قال عن نفسه بأنه مصدق لما بين يديه من التوراة والإنجيل؟ ولماذا قال: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، ألسنا نحن أهل الذكر؟

فقل لهم: بلى أنتم أهل الذكر، لكنا لسنا نحن الذين سوف نسألكم، بل أبو جهل وأبو لهب، لأن المخاطب في الآية هم كفار مكة، لأن الحديث فيما قبلها وما بعدها موجه إلى هؤلاء المنكرين نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وكونه بشراً فقال لهم الله سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7].

يقولون لك: لكن فلاناً من المفسرين قال، وفلاناً قال، قل لهم: ليس لأحد قداسة إلا القرآن والنبي - صلى الله عليه وسلم -، يقولون لك: لكن القرآن يقول {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك} أي في حالة شك محمد فليسأل أهل الكتاب!! فقل له: وهذا أحد أمراضكم أنكم لا تعرفون لغتنا، وتريدون أن تعلمونا إياها، لو ذهبت أنا إلى لندن وقلت: إن الإنجليز لا يعرفون الإنجليزية فلا يمكن أن يقول الناس عني شيئاً سوى أنى مجنون! ففي علم البلاغة العربية الذي يقسم إلى بيان وبديع ومعاني؛ يوجد في الخطاب ما يسمى بالتعريض؛ وهو أن المخاطب ليس هو المقصود بالكلام، بل المقصود غيره على طريقة " الكلام لك يا جارة "، والمقصود بالكلام هنا هو أهل الكتاب الذين إذا سمعوا هذه الآية وسكتوا فمعنى ذلك أن هذا الرجل صادق، وفي ذلك حجة عليهم وعلى أهل مكة، وهم كذلك مقصودون لأنهم سيسألون أهل الكتاب بالفعل هل هذا الرجل صادق أم كاذب؟ وفي ذلك حجة للجميع، فإن قالوا المفسر الفلاني قال؛ فقل لهم ليس بحجة على القرآن، هو يقول فهمه هو وليس مقصود القرآن، لأن للنص مستويات دلالية متعددة.

يقولون: ولماذا سمانا القرآن أهل كتاب؟ فقل لهم: ليقيم الحجة عليكم؛ فلا عذر لكم لأنه لا يوجد في التوراة ولا الإنجيل ما يثبت ألوهية المسيح، ولا صلب المسيح.

أخي المسلم: لم تعرف قيمة نفسك بعد!! لقد اصطفاك الله مسلماً موحداً لا لكي تشرب الشاي وأنت مضطجع على فراشك، وكوب الشاي في يمينك، وربما سيجارة كذلك في يسارك، وإذا كان نبيك - صلى الله عليه وسلم - قد أبى أن يتنازل في مقابل وضع الشمس في يمينه، والقمر في يساره، فما بالك أنت تنازلت هكذا ببساطة دون مقابل، أو على الأقل بمقابل تافه جداً لا يتناسب مع قدرك الحقيقي، أتحسب أنك شيء حقير؟ كلا لم تخلق السماوات والأرض إلا من أجلك أنت، من أجل أن تعفر وجهك لله الواحد فهل فعلت؟

كم مثلك عاشوا من قبل؟ وكم مثلك سيعيشون من بعد؟ هل تحس منهم من أحد، وكذلك أنت لن يشعر بك أحد، وحينما توضع هناك في تلك البقعة البعيدة عن أهلك وأحبائك لن يكون لك من ملجأ إلا الله، هل تشك أنك ستوضع وحدك في مكان ما؟ ساعتها لن تتمنى أن ترى راقصة أو ممثلة ممن أفسدوا عليك دينك وسيفسدون عليك آخرتك، ساعتها تتمنى أن تجعلهما تحت قدميك! ليس ثمة وقت، المطلوب منك شيء بسيط جداً أن تكون مسلماً لا كلمة ولكن إحساس ومشاعر، ليس مطلوباً منك أن تنزوي أو تغلق الباب لأن الطوفان الآن في بيتك، وفوق موائدك ومقاعدك، المطلوب منك أن تتسلح إيماناً وفكراً حتى لا تتزعزع، إنهم يلقون بالشبهات والشكوك في كل شيء، في خيوط ملابسك، وفي صنبور مياهك، ويحشونها في مخدات نومك، لا تندهش قد تجيد العوم في حمام السباحة لكن إياك أن تلقي بنفسك في المحيط لأنك قد تبتلع في لحظة خاطفة، والمحيط الآن في بيتك؛ من فضائيات وإنترنت، فلابد من التسلح إذن.

كيف شككوا في القرآن؟

قاموا بوضع كتاب يسمى هل القرآن معصوم؟ ادعوا فيه وجود أخطاء تاريخية وجغرافية وعلمية وحتى لغوية! - تصور - وبطريقة الأفاعي استطاعوا تحويل الكلمة التي تدل على معجزة استطاعوا تحويلها إلى خطأ لغوي، أو تاريخي، أو علمي، لكن قبل ضرب الأمثلة لابد أن لا تعطيهم الفرصة لاصطيادك؛ كيف؟

لابد أن تحترم ذاتك، وتعلم جيداً أنك لست مؤهلاً للرد بنفسك قال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]، ولابد أن تعلم كذلك أن ما تعلمته ليس هو كل العلم، فإذا فوجئت بشيء على خلاف ما تعلمته فليس لأنه خطأ؛ ولكن لأنه في دائرة أوسع من دائرتك، مثال على ذلك أنت تعلمت حروف الجر وأن ما بعدها مجرور؛ فإذا جاءك جاهل من هؤلاء وقال لك: يوجد خطأ في قوله تعالى {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10] بفتح لام أسفل لا بكسرها باعتبارها مجرورة! فاعلم شيئين: أولاً: أنه جاهل، وثانياً: أنك لا تعلم هذه النقطة، لا تخجل من قول لا أعرف وخصوصاً في هذا الزمن الذي صار رموزه ونجومه هم من دمروا القيم والأخلاق! قل: سأسأل، وحينما تسأل تعرف أن هناك في النحو ما يسمى بالممنوع من الصرف، وأنه يجر بالفتحة لا بالكسرة، وأن له صوراً متعددة ،وشروطاً كذلك، وقس على ذلك ما ادعاه هؤلاء الجهلة من أخطاء في كافة الاتجاهات الأخرى.

مثال آخر: يقولون إن في القرآن أخطاء تاريخية قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [الأنعام: 74]، ويقولون من المعروف تاريخياً أن أبا إبراهيم يسمى تارح لا آزر،فماذا تفعل إذن؟ هل ستقول له ما قاله بعض المفسرين من أن آزر كان عمه، وهو الذي تولى تربيته، ويجوز أن يسمى العم والداً؟ لا تفعل ذلك ودعك من أقوال المفسرين فليست كلها حقاً، ولم يدخل علينا هؤلاء إلا من أخطاء وتجاوزات بعض المفسرين، ليس معنى ذلك استبعاد كل أقوالهم، وإنما غربلتها وفحصها فليس المفسر معصوماً، ولكن استخدم المنهج الآخر في الرد، وكن واثقاً من نفسك، ومن كلام ربك، هو أن تنفي أنت أن اسم أبى إبراهيم تارح، وقل له بل آزر، فإن اعترض وقال: إنه مخالف لكتابه المقدس، فقل له: ومن قال لك إن كتابك المقدس حجة، هذا خطأ من كتابك المقدس، وقل له أيضاً: وإن شئت أن أعطيك عشرات الأمثلة على خطأ كتابك المقدس فعلت!!، وسنكتب رسالة موجزة لأخطاء الكتاب المقدس هذا تكون سلاحاً فتاكاً في وجه هؤلاء.

مثال آخر: مريم أم المسيح يقولون إن القرآن أخطأ وجعل مريم أم المسيح جعلها أخت موسى، وأن موسى بن عمران أما مريم فهي ابنة يهو قايم، عندها قل له: لا مريم ابنة عمران وليست ابنة يهو قايم، وما في كتابكم المقدس هو الخطأ، وسنثبت ذلك لاحقاً في رسالة أخرى.

المهم لا تجعله ينطلق من قاعدته الباطلة أن كتابه هو الحق، ومن خلاله يحاكم القرآن، بل من خلال قاعدتك أنت: القرآن هو الحق، وهو المهيمن، وهو المرجع الذي يحاكم غيره، وابدأ أنت في إثبات الأخطاء في كتابه من خلال كتابه الذي يؤمن به، فإذا ثبت خطؤه فلا يمكن الاستشهاد به! كيف حولوا الإعجاز العلمي إلى خطأ لغوي؟ في سورة الكهف: يقولون يوجد خطأ لغوى في هذه الآية: {لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً} [الكهف: 25]؛ قالوا: إن تمييز العدد ثلاثمائة يجب أن يكون مفرداً، فالقواعد تقول: ثلاثمائة كتاب لا كتب، لذلك يجب أن يقال ثلاثمائة سنة لا سنين، فالقرآن أخطأ! تصور!

ألم أقل لك إنه أسلوب الأفاعي؛ تذكر أنك تعلمت في دائرة ضيقة، وأن هناك دوائر أوسع، القرآن هو الذي يحاكم اللغة وليست اللغة هي التي تحاكم القرآن، كيف؟ أولاً: سنين ليست تمييزاً بل هي عطف بيان (بدل)، لأن ثلاثمائة منونة وشرط التمييز هنا أن يكون مضافاً إليه، وأن يكون ما قبله غير منون. وثانياً: الآية هنا إعجاز علمي باهر كيف؟ القرآن يتحدث عن فتية ناموا نوماً ليس عادياً بل نوماً خارقاً ( 309 سنة)!

لكن هل حينما استيقظوا علموا أنهم ناموا هذه المدة الزمنية؟ كلا.. بل كانوا يعتقدون أنهم ناموا يوماً أو بعض يوم، إذن القرآن هو الوحيد القادر على إثبات شيئين نسبيين بلفظة واحدة! فيثبت المدة الزمنية كحقيقة، ويثبت إحساسهم بمدة أخرى زمنية على خلاف الحقيقة، فاستخدم العدد ثلاثمائة الدال عليها كعدد فقط وليس كإحساس، لذلك حذف التمييز ثم جاء بالبدل سنين لبيان أنها سنوات وليس لحظات، ليس هذا فحسب بل قال كلمة عدداً أي عدداً فقط وليس إحساساً.

ثم أضاف إعجازاً علمياً جديداً عندما ذكر كلمة وازدادوا ولم يقل ثلاثمائة سنين وتسعاً ما فائدة ازدادوا؟ وعلى من تعود على المدة؟ لا لأنه لم يقل ازدادت بل تعود على الفتية النيام (ولبثوا)، لماذا؟

لبين أن هذه المدة بتقويمهم الرومانى أو الميلادي 300 وبتقويمكم القمري العربي 309، فالمدة ثابتة لذلك لم يقل ازدادت؛ لكن الذي يختلف هو التقويم؛ فقال: ازدادوا، أرأيت كيف حولوا الإعجاز إلى خطأ؟!

من شبهاتهم السخيفة كذلك - وكل شبهاتهم سخيفة - اعتراضهم على قوله تعالى: {وقطعناهم اثنتى عشرة أسباطاً } في الآية: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 160]، وقالو: أن تمييز اثنتي عشرة هنا يجب أن يكون مفرداً نكرة اتباعاً للقاعدة، ولأنهم لا يعرفون العربية تماماً مثل عدم معرفتهم للوطنية، فنقول لهم: ومن قال إن كلمة اثنتي عشرة هنا تمييز؟ (راجع ما قلناه في سورة الكهف في قوله تعالى: ثلاثمائة سنين)، لو قال القرآن بقولكم أنتم هنا لذهب المعنى المراد توصيله، وقبل بيان ذلك نبين الآيات القرآنية التي جاء فيها التمييز بعد العدد - مراعاة لفهم هؤلاء - نبدأ أولاً بجملة في نفس الآية، وبالتحديد الجملة التي تليها مباشرة {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً}، هنا تعرب عينًا تمييز، لأن عدد العيون اثنتا عشرة، وفي سورة يوسف: {إذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4] أحد كوكباً تعرب تمييز لأنهم عدد إخوة يوسف، وهكذا في بقية الآيات، أما هنا فكلمة أسباطاً ليست تمييزاً بل هي بدل من اسم محذوف تقديره فرقة، وقد فات هؤلاء الجهلة وجود كلمة اثنتي المؤنثة وليس اثني المذكرة لبيان جهلهم، لكن لماذا حذف القرآن التمييز وجاء بالبدل؟ السياق من خلال السياق (ولا تنس أبداً السياق) راجع ما قلناه في رسالة "من أين تأتي المشكلة"؟ الآية هنا تتحدث عن انتشار بني إسرائيل في الأرض في عهد محمد - صلى الله عليه وسلم - (راجع الآيات التي قبلها) فقال تعالى: {الَذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157]، ثم: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158] ثم: {وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 159] ثم: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 160]، أرأيت سياق الآيات؟ إنها تتحدث عن شيئين في وقت واحد عن الكثرة العددية، والتمزق والتشتت في الأرض بعد السبي البابلي، وبعد تدمير الرومان لهيكلهم سنة 71 ميلادية، فلو استخدم القرآن كلمة سبطاً لما كان هناك كثرة، ولا كان هناك تمزق وتشتت، فحذف التمييز ووضع البدل، فهل يسمع القرآن كلام هؤلاء الجهلة، ويضيع المعنى إرضاء لجهلهم؟

  • 2
  • 1
  • 1,903

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً