حساب القرآن للاكتشافات
ينص القرآن أن ثمة أزواج وعوالم وتفاصيل للخلق لا يعلمها الناس في هذا العصر، وأن ثمة غيب مجهول سيكشف لهم شيئًا بعد شيء ليروا مصداق ما أخبر تعالى..
عندما يخاطبك القرآن فإنه خطاب رب العالمين، وهذا الخطاب عميق الدلالة، ودلالاته على كونه خطابًا ربانيّ المصدر كثيرة، بل تفوق الحصر.. ومن هذه الدلالات هذا الاحترام للمسافة الزمنية التي ستأتي بعد عصر نزول القرآن، والعلوم التي سـتكتشف، والتطور الحضاري المادي الذي سيكون..
وهذا في آيات نصت بألفاظها عن أُفق مادي سيكشف عنه الناس، وأن هذا الأفق معمول حسابه فيما أخبر تعالى، لنعلم نحن كذلك أنه معمول حسابه في التشريع الرباني.
- يقول سبحانه: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} [يس:36].
فينص القرآن أن ثمة أزواج وعوالم وتفاصيل للخلق لا يعلمها الناس في هذا العصر، وأن ثمة غيب مجهول سيكشف لهم شيئًا بعد شيء ليروا مصداق ما أخبر تعالى.. وهذا الإطلاق يشمل عالم النبات وعالم الحيون، بل وعالم الجماد.. فهنا آفاق كثيرة اندرجت تحت هذه الجملة من الآية الكريمة، بل وللآية أُفق غير محدود فهي تشير إلى بقاء عوالم وحيوات غير معروفة لنا، فتبقى عملية البحث مستمرة مع اليقين بعدم الاستقصاء.
- ويقول تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل:8].
فنصت الآية كذلك على أن ثمة تطور في وسائل المواصلات وما يستخدمه الناس، فالله تعالى يخلق ما يشاء بما يرتب تعالى من الأسباب، فيخلق ما يشاء بغير واسطة، ويخلق ما يشاء بما يدبر من الأسباب وبما يأمر به الملائكة، ويخلق ما يشاء بما يلهم البشر ويعلمهم..
فما يُفتح على الإنسان من العلوم هو تعليم من الله تعالى، لأنه هو الذي هيأ أسبابه وخلق وسائله وقدّر معرفته وألهم الناس به، فالله تعالى نسب إلى نفسه تعليم خلقه الكتابه {وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ} [البقرة من الآية:282]، ونسب تعالى لنفسه تعليم خلقه الصناعة {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ} [الأنبياءمن الآية:80]، يعني تعليم صناعة الدروع، كما يعلم تعالى عباده العلم الشرعي {اتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة من الآية:282].
- وعلى هذا فقد تحدى تعالى عباده ووعدهم بالبرهان على أن ما أنزله وأرسل به رسله، أنه هو الحق فقال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت من الآية:53]، وهو نص كذلك على أن هناك ما سيكتشف، وأعطى تعالى مجالين عظيمين واسعين لهذه الاكتشافات ومجالاتها: الأنفس البشرية عضويًا ونفسيًا، والآفاق كلها بإطلاق، وهما أوسع مجالين أمام الإنسان، وهو تحد لا يصدر إلا من إله تكلم بهذا الكتاب، ويملك الخلْق والأقدار والمستقبل.. وكل تطور بشري لم يخرج عن علمه وتدبيره وملكه، بل هو الذي أذن به تعالى وأخبر به قبل وقوعه، وشرع الشرائع اللائقة بهذا التغير.. فيا لخسارة من حاده وعاداه ببعض ما أعطاه، وتعاجب بما فتح من علم ليصد عن سبيله ودينه وشرعه..
بينما في المقابل يزداد المؤمن إيمانًا وهو يتلقى من ربه، ويرى مصداق خبره وتوكيد إيمانه، وصحة منهجه، يرى مصداق هذا كل لحظة، وكل يوم، يراه في كل نفس، وفي ثنيات الآفاق، وفي كل مخلوق.. فيرى مصداق الحق وهو سائر إلى ربه تعالى؛ ويرى شاهد الحق دائمًا مطابقًا لما في قلبه، فيصير صدّيقًا يرى الغيب شهادة، في حين يزداد أعداء الله عتوًا وكفرًا.. فسبحان من أنزل كتابًا مقروءًا، وخلق كتابًا مفتوحًا، وجعل ما خلق مصدقًا لما تكلم به.. فالحمد لله رب العالمين.
- التصنيف: