انثروا الحَب على رؤوس الجبال..
مرت الأمة الإسلامية بنكبات وأصبح الغرب يحقق مخططاته وأهدافه وبات يستحوذ على أي مصدر قوة للإسلام، وأصبحت تُشن الحملة تلو الحملة على الإسلام متحججة برعاية مصالح الشعوب تارة، أو باتهامها بالإرهاب أخرى، وأصبحنا نصبح ونمسي على ثياب من الذل ألبسنا إياها الغرب. ومن تلك الأزمات التي مرت بالأمة: قضية أراكان..
هكذا كانوا يعيشون الإسلام بمفهومه الشامل وعطائه اللامحدود ورحمته الشاملة حتى للحيوان، بل حتى للكفار، هكذا كانوا يعيشون شعور الأمة الواحدة والجسد الواحد والدين الواحد، كانوا يعيشون بحق قوله تعالى: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ} [الحجرات: من الآية 10]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» [متفق عليه]. فالإسلام جاء شاملاً متكاملاً في كل جوانبه؛ رحمة للعالمين، وملاذاً للخائفين، وهدى للبشرية أجمع.
وقد جاء بتحقيق العدل والمساواة بين الناس والربط بينهم برابطة قوية لا تنفك ولا تتزعزع، فلا فرق في الإسلام بين عربي وعجمي ولا أسود أو أبيض. الرابطة الوحيدة التي تربطهم هي الاسلام، فهم بذلك يصبحون كالجسد الواحد يؤازر بعضهم بعضاً، وينصر بعضهم بعضا. ولم يُبقِ الإسلام شاردة ولا واردة إلا عالجها ليحتمي الجميع بظل عدله ولينشر العدالة المنشودة لدى البشرية.
والمتأمل في الشريعة الإسلامية يرى أن العمل الإنساني الخيري من أهم مبادئ هذا الدين العظيم، إذ يحث الناس دوماً على تخليص الناس من النكبات وتقديم يد العون لتلك الشعوب المنكوبة بحرب أو فقر أو زلازل وفيضانات، وهذا يظهر جلياً في قصة مجتابي النمار الذين دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم وهم من مضر، بهم من الفاقة ما الله به عليم، قد دفعهم الجوع والفقر حتى ساقتهم أقدامهم إلى أكرم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، فلما رآهم أرحم الخلق تمعَّر وجهه ودخل بيته ثم خرج مضطرب الحال، فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم وخطب فيهم، فجاءه رجل من الأنصار بصُرَّةٍ كادت يده تعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى جمعوا ما يسد به حاجتهم، فتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد كانت الحكومات في ظل إمبراطورية الخلافة الإسلامية تنظم المساعدات الإسلامية، ففي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه اجتاحت الجزيرة العربية مجاعة مروِّعة، فأمر عمر حكام الولايات الأخرى بجمع الطعام وتنظيم القوافل الإنسانية، وقد أشرف بنفسه على التوزيع رضي الله عنه.
هكذا كان المسلمون فيما بينهم، كانت الأمة ترفل في ثوب المجد وتعيش شعور الجسد الواحد؛ حتى جاء هذا الاستعمار وحوّل الدولة الإسلامية الواحدة إلى دول باتت تحكمها الحدود وتفرق بينها المصالح الدولية والسياسية، وأصبحت كل دولة تستفرد بما لديها، وباتت الأمة متفرقة ذليلة منذ تلك اللحظة.
مرت الأمة الإسلامية بنكبات وأصبح الغرب يحقق مخططاته وأهدافه وبات يستحوذ على أي مصدر قوة للإسلام، وأصبحت تُشن الحملة تلو الحملة على الإسلام متحججة برعاية مصالح الشعوب تارة، أو باتهامها بالإرهاب أخرى، وأصبحنا نصبح ونمسي على ثياب من الذل ألبسنا إياها الغرب. ومن تلك الأزمات التي مرت بالأمة: قضية أراكان..
أراكان تلك البقعة المنسية تماماً والتي كانت في يوم من الأيام تحت أيدي المسلمين وحكموها قروناً طويلة حتى جاء الغزو البريطاني فضم أراكان إلى الهند ثم فصلها وأصبحت ضمن بورما يخضع المسلمون فيها للسلطة الوثنية التي تحكم البلاد.. ومن هنا بدأت المأساة ووقعت الكارثة، خاصة بعد قيام الحكم الشيوعي عام 1382هـ، فبات المسلمون تحت أيديهم وتصرفهم يمارسون عليهم أبشع أنواع التعذيب، ومنذ ذلك الحين والمسلمون هناك يعانون، يبحثون عمن ينصرهم فلا يجدون، يتلفتون إلى المسلمين فيرون أن كل دولة مهتمة بما لديها.
أصبحت تلك البقعة منسية تماماً حتى جاء يومنا هذا الذي جدد فيه البوذيون من عزيمتهم على القضاء على الإسلام والمسلمين، فمنذ ستة أشهر لا تسل ما الذي يحدث في أراكان..
مأساة وأيَّة مأساة!
شُرّد الآلاف.. وقُتّل واعتُقل المئات.. أُحرقت مئات المنازل.. هُدّمت عشرات المساجد والمدارس.. ضيقوا الخناق على المسلمين حتى يخرجوهم من البلاد ويستفردوا بخيرات المسلمين، وفي تلك الأزمة التي تمر بها أراكان استطاع قلة منهم الفرار بجسده، فركب البحر ولا يعلم أين مصيره، بين يديه بحر متلاطم الأمواج وأمامه المجهول، يستغيثون بالمسلمين فلا مجيب ويستنصرونهم فلا ناصر!!
باتوا مفرقين بين خيام اللاجئين في الحدود البنغالية وبين الغابات، وبات واجباً على الدول بذل الإغاثات والمعونات لهؤلاء. والأمة الإسلامية عموماً تعاني الضعف في الجانب الإغاثي، وضعفه جزءٌ من ضعف الدول نفسها، إذ إن في الدول الإسلامية دول كثيرة متضررة ومنكوبة تحتاج إلى إغاثات عاجلة وكبيرة.
ومن هذه المناطق منطقة أراكان وشعب أراكان، ذلك الشعب الذي يعاني من الإبادة من جهة البوذيين، ومن الموت من جهة أخرى، حيث مات المئات منهم متأثرين بالجوع والمرض، ونحتاج إلى تدخل عاجل وتحرك فوري للمنظمات الإغاثية الإسلامية لتمد يد المساعدة والعون لهذا الشعب المسلم.
ولا ننكر دور بعض المنظمات والجمعيات والدول التي قدَّمت وسعت إلى بذل المساعدات والإغاثات الإنسانية، ووقفت وقفة مشرفة مع قضية أراكان، ومنها:
المملكة العربية السعودية التي قدمت يد المساعدة والعون ونظمت قمة مؤتمر العالم الإسلامي لبحث حلٍّ لقضية أراكان، وخرجت من القمة بتوصية من الم?ك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله بالتبرع بخمسين مليون دولار لشعب أراكان المتضرر، فجزى الله خادم الحرمين خيراً.
وكذلك لا ننسى الدولة التي وقفت وقفة مشرفة لن ينساها شعب أراكان ولا أي مسلم، وهي تركيا، فقد أُطلقت في تركيا عدة حملات إغاثية للشعب الأراكاني، سواء على مستوى الجمعيات أو الشعب.. وكانت في مقدمة منظمي حملات الإغاثة: إدارة الكوارث والطوارئ التركية، حيث قدمت العديد من المساعدات والتبرعات.. ولا ننسى بقية الجهات التركية، ومنها: رئاسة الشؤون الدينية وهيئة الإغاثة والحريات وحقوق الإنسان التركية، إضافة إلى الهلال الأحمر التركي.
وهناك أيضاً بعض الجمعيات التي قدمت عونها للشعب الأراكاني، ومنها:
الهلال الأحمر القطري، وجمعية راف، وعيد، وقطر الخيرية، وجمعية التربية في البحرين، ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية، وجمعية فهد الأحمد الإنسانية الكويتية، ومؤسسة الإعمار السعودية، وبعض الجهات الماليزية والإندونيسية.. فجزاها الله عن أمة الإسلام خير الجزاء وجعل ما قدموه في موازين حسناتهم.
هذه بعض الجهود الإغاثية التي بُذلت لشعب أراكان، وهي وإن غطت بعض الحاجة إلا أنها ما زالت ضعيفة أمام الحاجة الملحة والأوضاع المزرية هناك، سواء في مخيمات اللاجئين، أو في داخل أراكان. وتحتاج الدول الإسلامية إلى أن تكثف جهودها وتتعاون فيما بينها لإغاثة هذا الشعب المنكوب وإعادة الحياة المسلوبة منه. ولا جدوى من انتظار الغرب والجمعيات الغربية أو استجدائهم، فبالله هل من ينتزع اللقمة من فمك يأتي ليطعمك من جديد؟!
تلك الدول التي تتغنى بحقوق الإنسان والجمعيات الحقوقية، ما هي إلا دول تبحث عن مصالحها تحت ثوب الحقوق والحريات، وإذا لم نتحرك نحن المسلمين لنغيث شعبنا فمن يغيثهم..؟
إذاً نحن بحاجة ماسة إلى تحرك دولي أو فردي لإغاثة هذا الشعب، ومن أساليب إغاثتهم:
1- الضغط على حكومة ميانمار للسماح بدخول الإغاثات داخل أراضي أراكان.
2- الضغط على الدول المجاورة، مثل بنغلاديش، لقبول اللاجئين ومنح التسهيلات اللازمة لوصول الإغاثات إليهم.
3- إنشاء جمعية عالمية رسمية لإغاثة أراكان وفتح فروع لها في أهم الدول الإسلامية.
4- صرف الزكوات وجمعها وإيصالها إلى أراكان.
5- توحيد جهود المنظمات والجمعيات الخيرية الإسلامية للعمل تحت جمعية واحدة، وهي الجمعية العالمية التي اقترح إنشاؤها.
6- التحريك الإعلامي للقضية وعمل حملات إغاثية على وسائل الإعلام.
وأخيراً:
هل من مغيث لهذا الأب الحزين، والأم الباكية، والطفل الذي تُغتال طفولته، والأخت التي يُنتهك عرضها..
هل مغيث لهؤلاء: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج: من الآية 40]. هذه نداءات وصرخات علّها تصل إلى مسامع مسلم يهبُّ غيرةً وحرقةً على حال أمته لنعود من جديد لنقود هذه الدنيا إلى الخير والصلاح. ما أحوجنا إخوتي في الدين إلى بذل ما نستطيع من أحاسيسنا وأموالنا ودمائنا لنعيد للأمة مجدها.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرفع الظلم والكبت والفقر والبلاء عن كل البلاد الإسلامية، وأن يمتّعنا بعودة الإسلام إلى عزه ومجده، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ملف خاص [الروهنجيا... جدار الصمت]
إبراهيم بن محمد صديق
- التصنيف: