رُدّوا فعادوا إلى أسوأ ما اعتادوا!

منذ 2015-05-05

دراستي في حقل التربية واهتمامي بتعديل السلوك من خلال نظريات التعلم ورسالة التعليم، تفرض لزوم النصح والتوجيه رغبةً في الإصلاح ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ومهما بلغ الاعوجاج في السلوك ولو بلغ حد الفجور فلا ينبغي لنا أن نقنّط الناس من رحمة الله..

بينما كنت أشاهد عبر قناة الجزيرة ركام وأطلال مدرسة الأطفال والمركز التعليمي بحي سيف الدولة في حلب بسوريا، حيث قُتل بهما بين ثمانية إلى عشرة أطفال وامرأة جراء قصف قوات بشار الأسد للمبنيين بالبراميل المتفجرة، في حين أصيب العشرات باختناق جراء قصف آخر ببراميل تحوي غاز الكلور في ريف إدلب أيضًا علي يد النظام المدعوم من كتائب الأذرع الإعلامية، التي لم تعد تحركها إلا آلام شركاءهم في القبور من موتى ورُفات الأرمن، أما جثث الأطفال السوريين الأحياء فليس لها في مشاعرهم مكان ولا في أجندة حشودهم التي يحشدونها للحرب على تركيا متسع.

وبينما أقلّب المصادر وجدت خبرًا يبدو أن الأذرع الصحفية والمرئية تواصت على تصديره، كلٌ بما تتيح له ملكاته وموهبته واحترافه المهني، فاخترت للمطالعة أكثرهما وأعلاهما إخلاصًا واحترافًا في آداء الدور والرسالة، والذين يبدو أنهما المهندسان للموضوع صحفيًا وإعلاميًا، ذلك الخبر هو فسحة ونزهة رمز نظام مبارك -أو من كان الرئيس الفعلي لنظام مبارك- خلال الفترة الأخيرة من حكمه، وتجوّله في منطقة الأهرامات الأثرية بصحبة زوجته وطفلته التي هي في عمر الأطفال الذين تم قصفهم بالبراميل المتفجرة في سوريا في ذات وقت الجولة أو الفسحة.

الخبر في الذراع المطبوع أو المقروء جاء مجاورًا لخبر آخر نصه: "ربة منزل تتهم عاملًا باغتصابها فى المسجد، ونيابة الزاوية الحمراء تحبسهما"، وقد جاءت تفاصيل الخبر والإسهاب فيه بما حوّل المسجد إلى ماخور دعارة، يُمَارس فيه الزنا بين العامل الموظف به والسيدة التي ادعت اغتصابها كذبًا على الرجل، بما يذكّرنا بقصة وحكاية فاطمة يوسف ضد ضابط الشرطة، وقد تأكدت النيابة من أن هذه السيدة كانت تمارس الزنا برضاها مع العامل في المسجد فأمرت بحبسهما على ذمة ارتكاب الفعل الفاضح..

ثم جاءت بعض التعليقات للّجنة المخصصة للتعليق على الأخبار من قبل الذراع، لتربط بين الحادث والحجاب والإسلام بشكل لا تستطيع استيعابه ولا فهمه، إلا إذا كانت لديك عبقرية مثل عبقرية الذي يهزي بشعار الموت لأمريكا الموت لإسرائيل، وهو مقتنع أن الناس تصدقه في ذلك وأنه ليس الحليف الثاني سرًا لأمريكا وإسرائيل.

وقد نجح الذراع باقتدار في تحويل المساجد لحظيًا إلى مواضع تمارس فيها الرذيلة، وتحويل الحياة الشخصية للصوص والقتلة إلى انفرادات إيجابية تستدعي الاهتمام وجذب الانتباه.

أما الذراع الذي كان أكثر حرفية في إخراج المشهد فهو الذي أنهى تعليقه على الجولة بقوله: "على العموم زيارة سعيدة"، بعد وصلة تمثيل ذكرتنا بسيناريوهات "البيت بيتك" سابقًا في إعداد الوريث لوراثة العرش وسيناريو استلام الحكم، والذي رغم إحكامه فقد داسته الأحذية والأقدام في ميدان التحرير في الخامس والعشرين من يناير.

دراستي في حقل التربية واهتمامي بتعديل السلوك من خلال نظريات التعلم ورسالة التعليم، تفرض لزوم النصح والتوجيه رغبةً في الإصلاح ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ومهما بلغ الاعوجاج في السلوك ولو بلغ حد الفجور فلا ينبغي لنا أن نقنّط الناس من رحمة الله، غير أنني حين تأملت الطريقة التي اختارها المخلوع مبارك ورموز نظامه وأسرته الذين قصّ علينا اللواء جمال البنا تفاصيل حياتهم، حقائقها ودقائقها، ليعودوا بها إلى الناس وإلى الضحايا الذين سقطوا على أيديهم، والطريقة التي تم تقديمهم بها إعلاميًا من خلال الأذرع الإعلامية، فقلت في نفسي ألم يكن ثمة أسلوب ومنهج آخر غير هذا الفجور؟

ثم تذكرت مشهد إمساك الوريث بالمصحف خلف القضبان أثناء المحاكمة! فتذكرت حديث القرآن الكريم في مشهد من مشاهد الآخرة عن صنف من الخلائق الذين كانوا يسخرون بالجملة من مسألة الدين والتدين، وشأنهم حين نزلت بهم النازلة وحلت بهم القارعة فيهرولون إلى إظهار التدين والإيمان وطلب الإمهال والعودة لتصحيح ما سلف من أخطاء وأوزار، غير أن الذي خلقهم وهو أعلم بهم منا يخبرنا عن حالهم لو أتاح لهم هذه الفرصة ماذا سيفعلون، وذلك في قوله عز وجل: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:28].
وهذا الحديث عن الحساب في الآخرة؛ أما الآن ونحن في الدنيا؛ فكيف بالذين رُدّوا فعادوا إلى أسوأ ما اعتادوا!

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

حسن الخليفة عثمان

كاتب إسلامي

  • 1
  • 0
  • 838

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً