طالبي بحقك

منذ 2008-11-08

من سلسلة : إليك يا كل الدنيا:


1- طالبي بحقك


حبيبتي: أقمتِ الدنيا ولم تقعديها تطالبين بحقك مرددةً: أن لك الحق في نصف الدنيا، وإنني لا أ عارضك في المطالبة بحقك ،بل إنني أيضاً أطالب لك بحقك ، وأشجعك على نيل حقك لأنك - في نظري - لست نصف الدنيا، بل أنت الدنيا، كل الدنيا، لكن أرجوك أن تعرفي ما هو حقك ، ثم طالبي بحقك ، طالبي بحقك في الحياة، لا بحقك في الهروب من الحياة، طالبي بحقك في الوجود، لا بحقك في الهروب من الوجود، طالبي بحقك في عمل مشرف يليق بقدرك وبأنوثتك وحنان قلبك ورقيك حسك، عمل يفيد بنات جنسك، ويفيد دينك ووطنك، إذا ما نادى نداء الواجب لوطنك، أو اضطرب في الحياة أمرك، وتخلى عنك زوجك، أو مات عنك أبوك، وتخلى أخوك، و جحدك ولدك، طالبي بحقك في أن تعرفي حقك، طالبي بحقك في أن يعود إليك كل حقك، وتعودين أنت إلى وضعك، تتوجين عرش مُلكك في بيتك، مملكتك ومكمن عزك ومجدك، فإنك تستحقين أن تتوجين عرش الدنيا ....يا من أنرت علينا الدنيا ...يا كل الحب .. يا كل العطف ..... يا كل الدنيا.

حبيبتي : اسمعيني بشغاف قلبك لا بصيوان أذنك ، ولا بتلافيف عقلك، فلقد شوشوا على استقبال عقلك، وعكروا صفاء ذهنك ،طالبي فعلاً بحقك ولكن في سيطرتك على قلب زوجك، طالبي بحقك في أن تعودي إلى قلب ولدك، فكم كانت أمهاتنا في عقولنا ووجداننا ولكن الآن أين وضعك؟ وما حجمك؟ كنّ يرضعننا حبهن في كل لحظة، ويدفئننا في كل همسة ولمسة وكنا نبادلهن حباً بحب منذ أن كنّا في المهد إلى أن نصل إلى اللحد، وما بعد اللحد، أما أنت الآن فقد اقتطعوا لك من عامهم يوماً حتى لا ينساك ولدك ولا تنزوين بين الأيام، أو تتوهين وسط الزحام، ثم يجدونك بين الركام، عودي يا حبيبتي رغم الظروف فوق الآلام، واشرئبي فوق الزحام، عودي إلى مكانك في أعلى القمة، فوق كل الأمة، وهذا يتحقق بعودتك إلى ملء قلب ووجدان ولدك، وإلى تربعك على عرش قلب زوجك، وعندها ستملكين زمام أمرك، وتملكين كل الدنيا .... يا كل الدنيا.

عرفتك أول ما عرفتك أُماً تضمني وقد تركني الناس، لا أنام إلا على صدرك، لا يُسكتني إلا لُقم ثديك، أعطيتني الحياة، وهيأتيني لها .... وأرضعتني إكسيرها، أرضعتني عصارة خيرك وأرضعتني معها خلاصة فكرك وعظيم تجربتك .. علمتنني كيف آخذ حقي وعلمتني متى أُسامح خصمي، وعلمتني كيف أُرضي ربي، وعلمتني كيف أسير على دربي ، علمتني الحب , وعلمتني الصبر , علمتني البسمة , وعلمتني الغضبة , وعلمتني المشية , وعلمتني الوقفة، علمتني متى أُعطي ومتى أمنع , علمتني متى أوافق، وعلمتني متى أعارض ، وهاأنذا بعد أن صلب عودي واشتد ساعدي اعتمدت بعد الله على نفسي، تركتكِ لا جحوداً لعطفك، ولا عدم اعتراف بفضلك، ولكن هذه الحياة تجعل الإنسان يتطلع إلى الأمام، وأن كان مشدوداً إلى الوراء ... ينظر إلى الغد وإن التفت بين الفينة والفينة إلى الأمس، تشرأب أعناقه إلى أعلى، وإن كانت جذوره منجذبة إلى أسفل، يهتم بفروعه وهو لا ينسى أبداً أصوله، فأصولنا منكِ، ودماؤنا منك، ونجاحنا منكِ، يا من بك واجهنا الدنيا، يا كل الحب، وكل الحنان .. يا كل الدنيا.

وأول ما فتحت عيني، لأنظر لمن حولي غير أمي، رأيتك على حياتي تطلين، ومن خلف أمي تنظرين، وبعيونك الصغيرة ترقبين، ترقبيني وتلاحظيني، تداعبيني وتسامريني، تلاعبيني وتساعديني ،فإذا غلبتك تشجعيني، وإذا غلبتني تواسيني، وكبرنا معاً يا أختي وكنت تكبريني، وإذا أخطأتُ - بلطفٍ - كنت تقوميني، وبطيب قلبك تسامحيني، وبعطفك وحنانك تغمريني، وإذا قَسَتَ علي أمي تُلاطفيني، وإذا عاتَبَتْني تُدلليني، وإذا قابَلتْني مشكلة في حياتي تُعلميني، وإذا أصابتني مصيبة تصبريني، سِري إليك أحكيه، وعن الجميع كنت أخفيه، حدثتك عما خجلت أن أحدث فيه أمي، فعلمتني ما لم تتطرق إليه أمي، فكنتِ أنتِ كأمي، وفي قلبي مكانتك بعد أمي، فلقد رأيتك أول ما رأيت الدنيا، وعانقتك تشبثاً بالدنيا، وأحببت في عينيك الدنيا، فقد كنت لي كل الماضي وكل الحاضر، وكل الدنيا ، يا حبيبتي، يا أمي الثانية، يا كل الدنيا.

وفي طريق حياتي المضنية التقيت، بك ثانيةً ، لكنك هذه المرة بسمةً حانيةً، حبيبةً غاليةً، عطوفةً دانيةً، تبادلني حباً بحب، وعطفاً بعطف، وشوقاً بشوق، فتظلليني بحبك، وتطوقيني بخوفك، وتشاركيني برأيك، وتسامحيني بعفوك، إذا أخطأت في حقك، فكنت لي شريكة أحلامي ... وملاذ أفكاري ... وملهمة وجداني، صبرتِ على عيوب أخلاقي وسعدتِ بالمكارم منها، وتجاوزتِ عن شذوذ أفكاري وتبنيت الحكيم منها، عشت الحياة معي حلوها ومرها، حزنها وفرحها، ضيقها وفرجها، واعتصر قلبك، ولكن لم يتفوه لسانك، وأصبحت أماً لأبنائي، تتفاني في إسعادهم وإسعادي، تذوبين تحت أقدامهم وأقدامي، تسهري لراحتهم وراحتي، ونسيتِ بين أحلامنا أحلامك، وذابت وسط آلامنا آلامك واندثرت بين أحزاننا أحزانك، فكنت أمام أبنائك خير قدوة، وكنت خلفي خير دافع وأقوى قوة،وسرنا في طريق الحياة تلفنا المودة والرحمة، وسعدنا جميعاً بكِ.. فلقد ملأت علينا الدنيا ... يا كل الحب وكل العطف يا كل الدنيا.

ثم منحني الله إياك، لكن هذه المرة أنت من صلبي، قطعة من لحمي، همك هو همي وقبل ما يؤلمك يؤلمني، تناديني بأحلى نداءٍ إلى قلبي .. أقبلك فتهدأ نفسي وأداعبك فيسعد قلبي ..ملأت علينا الدنيا حباً وبهجة، يا كل الدنيا، تطيرين بجناحيك كالنسمة الرقيقة، فنضمك بعيوننا الحالمة الرفيقة، تودعيني بقبلة عند خروجي، وتستقبليني بفرحة عند رجوعي، ثم أتابعك بعيون قلبي تكبرين, وعن الطوق تشبين فأفرح بك كما تفرح بك أمك .. ولكننا ما زلنا نحمل همك، أفرح بك وأنت تكبرين ومن نصر إلى نصر تعبرين , ونجاح بعد نجاح تحققين، أتباهى بك بين الناس وأشير إليك بكل حماس .. هذه ابنتي .. هذه ابنتي .. وأسعد في قرارة نفسي ولا أدري هل سعادتي لأنك قد نجحت في ترقي سلم الحياة , أم أن سعادتي لأنني قد نجحت في إخراجك للحياة .. فلقد خرجت لها ... رصينةً عاقلة متدينةً محصنة .. واعيةً فاهمة .. يُشار إليك بالبنان , ويمدحك كل لسان ... فأفرح .. وتزداد فرحتي .. فقد صنعت ابنتي ...... والآن أراك تشبين عن الطوق وتكبرين، ومن دائرتي تخرجين ومن حوزتي تقفزين، ومن قيودي تتحررين، وأشعر بك منها - برقة- تتخلصين، فأتغاضى وأنا حزين .. اترك لك الحبل على غاربك كي تتقدمين، وآمركِ أن تنطلقين، مرسلاً قلبي خلفك كي تأمنين، ليحميكِ من كل خائنٍ لعين، يحميك من الناس أجمعين , ويدفع عنكِ أي ضرٍ حزين ، يرفرف عليك من بعيد حتى لا ترين، فتتأففين وتضجرين، فيظلك وأنت لا تشعرين، ويدعو لك وأنت لا تسمعين .. يعتصر خوفاً عليك وألماً لفراقك، ولكن يناديك أن تتماسكين وللعقبات تقاومين ...فهذه هي الحياة يا بنيتي ...كما بدأنا تعودين...هذه هي الحياة يا حبيبتي تبدئينها طفلة، تملأ علينا الدنيا، ثم فتاة تملأ سمع وبصر الدنيا .. ثم أماً تحمل هم الزوج والولد والنجاح والفشل .. أي تحمل هم الدنيا يا من ملأت علينا الدنيا يا كل الفرحة يا كل الماضي والحاضر يا كل الدنيا.

فلقد تركتك يا أمي قوياً أريد أن أشق عباب الحياة أمامي ، وبالقلوب لا أبالي ...وارتميت في أحضانك يا زوجتي لنعيش أجمل الأيام وأحلى الليالي، والآن تتركيني يا بنيتي لتمخري من الحياة العباب، ولا تبالي بمن حجبهم عن عيونك التراب، وأنا أشجعك برغم شوقي وعظيم حبي ، ونحيب قلبي، لأن هذه هي الحياة الحالية، وأساندك لأن غير ذلك يعتبر أنانية.. ولكن لا تنسين أنك ابنة الإسلام مهما ملئوا عقلك بالكلام .. فبه تحيين وبنوره تسيرين ، وعلى هديه تخططين، و - كما أمرك - لزوجك تختارين، وبحب له تطيعين، ولحياتك ترسمين، ولأسرتك تديرين، وللإسلام تعملين، فاجعلي همك أن بالله وحده تؤمنين، وعليه وحده تتوكلين، و له سبحانه تعملين، وبَصْمتك على الحياة تتركين، حتى على الإسلام تموتين وللمولى بفخرٍ تقابلين، فعن الإسلام وعن ولدك وزوجك ووالديك ستُسألين، وعندها تنالي وننال معك رضا رب العالمين...

هل علمت الآن يا حبيبتي لماذا، وكيف، أنا معك ولست ضدك؟ هل علمت لماذا أطالبك وأقف معك وأنت تطالبين بحقك؟ لأنني منك وأنت مني، لأنني قطعة من كبدك وأنت من لحمي ودمي، لأنك ماضيّ وحاضري ومستقبلي، لأن حقك هو واجبي، وواجبك من حقي ، لأنني مسئول أمام الله عن حقك وعن واجبي نحوك ، فأنت مني وأنا منك، وأنا سندك وأنت ملهمتي، فمن منّا الأصل ومن منّا الفرع، لا تشغلي بالك ( فالدجاجة من البيضة، والبيضة من الدجاجة) فطالبي بحقك وأنا خلفك، لكن حقك في الحياة، حقك في مكانتك العالية في بيت زوجك، حقك في أن يقبل ولدك - في كل يومٍ - قدمك، حقك في أن يضمك بعيونه زوجك، حقك في أن تتوجي بالحب على عرش بيتك، طالبي بحقك أن يكون لك في الحياة دوراً يليق بعظمتك وتاريخك ومجدك، طالبي بحقك أن يعود لك ماضي عزك وعفافك وصونك، لا بأن يبتذلوك ويحطون من قدرك، ويرسمونك على السلع ليروجوها بجسدك، ويبرزون في الإعلانات مفاتن جسدك ، وأن يعينوك في الشركات لحسنك، ويلفظونك عند عوزك ، وفي عالم الأضواء يتلقفون جسدك، ثم في عالم النسيان يلقونك عندما تملأ التجاعيد وجهك ،حبيبتي طالبي بحقك وأنا أشد من أزرك ، طالبي بحقك فلقد أعطاك الإسلام كل حقك، طالبي بحقك في أن يعود الإسلام ليعيد إليك حقك، طالبي بحقك في تطبيق شرع ربك، وعندها سنهديك على طبق من النور حقك، فوالله لو فرشنا لك الأرض بقلوبنا ونظمنا لك عقداً بعيوننا ما وفيناك حقك .. فأنت الأم والحنان والعطاء والحضن الدافئ والقلب النابض... وأنت الأخت والعقل والحنان والمشورة.. وأنت الزوجة والملاذ والحضن والسعادة .. وأنت الابنة والحبيبة الغالية والنسمة الباقية ..فأنت الدنيا .. كل الدنيا .. يا من أنرت علينا الدنيا، وملأت علينا الدنيا ..يا كل الحب .. يا نبض القلب .. يا كل الدنيا .

دكتور عادل شلبي

استشاري القلب

المصدر: منقول
  • 0
  • 0
  • 5,370

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً