الرحلة إلى أمريكا من سيد قطب إلى جمال مبارك

منذ 2015-06-02

مصير كل من ارتحل لأمريكا اختلف عن البداية التي بدأ بها، فسيد قطب أعدم، ونازلي فقدت ابنتها مقتولة، ومصطفى أمين سجن بتهمة التجسس لأمريكا، والسادات اغتيل، والبرزاني مات بالسرطان! فهل هذه لعنة أمريكا على كل من ارتحل إليها؟ في هذا التقرير نستعرض الرحلة إلى أمريكا وآثارها المختلفة بالنسبة لعدد من المشاهير..

كتبت هذه المقالة في 2009 وأعيد نشرها الآن عسى أن يستفيد القارىء منها في وقتنا الحالي..
لعبت الرحلة إلى الولايات المتحدة دورًا مهما في واقعنا المعاصر؛ فهي كانت مصدرًا للإلهام الإسلامي بعد رحلة سيد قطب وصافيناز كاظم إليها، وهي مجال لممارسة الحرية الشخصية في أوسع صورها في رحلة الملكة نازلي إليها، وهي نموذج للحرية السياسية في رحلة مصطفى أمين، بينما كانت لهيكل والسادات والبرزاني وغيرهم قوة سياسية لا بد من الاهتمام بها والاستفادة منها، وانتهاءً برحلات جمال ابن الرئيس مبارك والتي كانت آخرها هذا الشهر تمهيدًا، ربما لرحلة أبيه الرئيس مبارك في الشهر القادم.. 

لكن مصير كل من ارتحل لأمريكا اختلف عن البداية التي بدأ بها، فسيد قطب أعدم، ونازلي فقدت ابنتها مقتولة، ومصطفى أمين سجن بتهمة التجسس لأمريكا، والسادات اغتيل، والبرزاني مات بالسرطان! فهل هذه لعنة أمريكا على كل من ارتحل إليها؟ في هذا التقرير نستعرض الرحلة إلى أمريكا وآثارها المختلفة بالنسبة لعدد من المشاهير..

سيد قطب أرسلت وزارة المعارف -التعليم حاليًا- سيد قطب في بعثة لمدة عشرين شهرًا إلى الولايات المتحدة في نهاية أربعينيات القرن الماضي، واختلف الكثيرون حول سبب هذه البعثة فرأى البعض أن البعثة كانت مجرد عطف من وزير المعارف حينذاك (إسماعيل القباني) على سيد قطب وتقديرًا من الوزير لمواهب الرجل، بينما رأى شقيقه محمد قطب أن الغرض من البعثة كان إبعاد سيد قطب عن مصر، باعتباره كان يمثل إزعاجًا للسراي والأغنياء المسيطرين على البلاد في ذلك الوقت، وكانوا قد سحبوا رخصة مجلته (الفكر الجديد) أولًا، ثم أقفلوا في وجهه كل وسائل النشر.

ويرى آخرون أن أمريكا كانت تعدُّ نفسها لوراثة إنجلترا في مستعمرات ما وراء البحار، ولذلك كانت تسعى لتجنيد مجموعة من قادة الفكر والسياسة ليكونوا جنودًا لها يمهدون لاستعمارها، واختاروا سيد قطب ليكون أحد هؤلاء العملاء، ورجح كثيرون وجود أهداف خفية في ابتعاث سيد قطب إلى أمريكا وقالوا أن سيد كان واعيًا بها، ومما يدل على ذلك ما رواه الأستاذ أحمد عبد المجيد، صاحب كتاب (الإخوان وعبد الناصر)، الذي ذكر أن سيد قطب حدثه شخصيًا، أنه كتب لرجال ثورة يوليو 1952م، مذكرة مطولة وقدمها لهم عن موقف المخابرات الإنجليزية والأمريكية معه أثناء رحلته لأمريكا..

وبعد عودة سيد قطب لمصر سجل مشاهداته وآراءه بشأن الولايات المتحدة في كتاب صغير سماه "أمريكا التي رأيت" وكان سيد قطب أمينًا عندما سماه بهذا الاسم المحايد، وقد سجل فيه مشاهدات رحلته إلى أمريكا، وعبر هذا الكتاب عن نقلة مهمة في حياة سيد قطب، هذه النقلة سببتها رحلة أمريكا، كان اتجاه سيد قطب للفكر الإسلامي قد بدأ قبل سفره لأمريكا عندما كتب كتاب "العدالة الاجتماعية في الإسلام" الذي كتبه قبل رحلته لأمريكا بشهور قليلة، لكن رحلة أمريكا عمقت فيه الاتجاه والقناعة الإسلامية، لقد عايش سيد قطب الواقع الاجتماعي الأمريكي، وكانت ملاحظاته شاملة لأشياء كثيرة.. 

ومن تلك الملاحظات والتحليلات انتهى سيد قطب إلى أحكام نقدية متنوعة، وألصق صفة البدائية بالذوق الفني والإنساني لدى عامة الأمريكيين، تلك الصفة التي لا يتردد كثير من الأمريكيين في إلصاقها بالشعوب الأخرى لا سيما الشعوب الإسلامية، لكنه ذكر أن لأمريكا قيمة حقيقية، يمكن أن تنتفع به الشعوب الأخرى قائلًا: "إن البشرية تملك أن تستفيد كثيرًا من إبداع العبقرية الأمريكية في مجالات الصناعة والإنتاج والإدارة، ولكنها تخطئ كثيرًا، وتعرِّض قيمها الإنسانية الموروثة للضياع إذا ما جعلت من المثل العليا الأمريكية مثلها العليا في الشعور والسلوك"، هذا هو الانطباع العام الذي خرج به سيد قطب من أمريكا، وقاده لمزيد من الإيمان بالقيم الإسلامية، وللبحث عن قيادة جديدة للبشرية، أرادها أن تخرج من العالم الإسلامي..

ولم يقتصر أثر رحلة سيد قطب إلى أمريكا على هذا، بل تطور هذا الأثر ليظهر في كتاباته التي بدأت تخرج من مرحلتيها الأدبية والتقليدية لتكتسي بالمزيد من الثورية مرورًا بكتابه "معركة الإسلام والرأسمالية" وانتهاء بـ"معالم في الطريق"، الذي يعتبر التطور الفكري الأخير عنده والذي ربما أعدم بسببه، وفي "معالم في الطريق" يقول سيد قطب: "إن قيادة الرجل الغربي للبشرية أوشكت على الزوال، لا لأن الحضارة الغربية قد أفلست ماديًا أو ضعفت من ناحية القوة الاقتصادية والعسكرية، ولكن لأن النظام الغربي قد انتهى دوره لأنه لم يعد يملك رصيدًا من القيم يسمح له بالقيادة، لا بد من قيادة تملك إبقاء وتنمية الحضارة المادية التي وصلت إليها البشرية، عن طريق العبقرية الأوروبية في الإبداع المادي، وتزود البشرية بقيم جديدة جدة كاملة بالقياس إلى ما عرفته البشرية، وبمنهج أصيل إيجابي في الوقت ذاته. والإسلام وحده يملك تلك القيم وهذا المنهج"، ولا شك أن هذا الكلام كان حصادًا من خبرة رحلته الأمريكية. 

الملكة (نازلي) أما الملكة نازلي فقد كانت الزوجة الثانية للملك فؤاد، وفور موت الملك فؤاد سلكت نازلي سلوكًا يتجاوز كل التقاليد الملكية والشعبيية، وفي أول رحلة مع ابنها إلى أوروبا ألقى عليها (أحمد حسنين باشا) شباكه، ويذكر أحد رجال فاروق في مذكراته: "إن قدميه ساقتاه إلى سطح السفينة فإذا به يفاجأ بحسنين ونازلي في حالة استرخاء لا يكون إلا بين العشاق"! لم تدرك الملكة الأم مسئوليتها في حماية العرش وفتحت الباب أمام شهواتها لتنطلق بلا ضوابط ولا قيود.. 

كانت لا تتردد في القول بأنها عاشقة محرومة، وأنها في حاجة إلى الحب، وعندما ضيق فاروق على شهواتها في مصر سافرت إلى الولايات المتحدة، وهناك سألها مصطفي أمين: "متي تعودين إلى القاهرة؟"، فأجابت: "عندما يعود فاروق إلى عقله"، ويروي مصطفي أمين أنه كان على رئيس الوزراء (محمود فهمي النقراشي) السفر إلى نيويورك لعرض مشكلة مصر على مجلس الأمن وسأله الملك فاروق: "هل أنت مستعد لهذه المهمة الصعبة؟ فأجاب: "كل شيء تمام وأنا مستعد لأي مفاجأة، ولكن هناك شيئًا واحدًا غير مستعد له، هو وجود والدتك الملكة في أمريكا، لأنني أخشى أن تفعل فصلاً باردًا بينما أعرض قضية مصر هناك"! 

وعندما تساءل فاروق عما يمكن أن تفعل، قال النقراشي: "أخشي أن تذهب إلى كباريه وترقص، أو تدلي بتصريح أو تقول عبارة لا تتفق مع جلال الموقف الذي نحن فيه"، فطلب منه الملك أن يعيد أمه إلى مصر، ولكن النقراشي عبر عن عدم قدرته على ذلك، وفي سنواتها الأخيرة تركت الملكة نازلي الإسلام واعتنقت الكاثوليكية، وقد أثرت على ابنتيها اللتين عاشتا معها في أمريكا (فايزة، وفتحية) فتحولتا هما أيضا عن الإسلام، وفتحية بالذات ماتت مقتولة، قتلها رياض غالي، ثم أطلق الرصاص على نفسه وانتحر، ورياض غالي هذا كانت سيطرته قد وصلت على نازلي إلى حد أنها قالت: "إنها إذا أرادت أن تختار بين صداقتها لرياض غالي وأمومتها لفاروق فإنها ستختار صداقة رياض غالي"، فهل كانت رحلة ملكة مصر السابقة لأمريكا مجرد وسيلة لمغامراتها الرعناء، أم كانت هذه الرحلة سببًا لهذه المغامرات؟ 

(مصطفى أمين) رفض والد مصطفى أمين أن يدرس مصطفى الصحافة في مصر، فسافر مصطفى إلى الولايات المتحدة لدراسة العلوم السياسية في عام 1935، وظل هناك حتى عام 1938، حيث حصل على الماجستير وطوال سنوات رحلة مصطفى أمين الأمريكية لم ينقطع عن الصحافة في مصر، فقد ظل يراسل جريدة (المصري) ومجلة (آخر ساعة)، ويقول مصطفى أمين عن أثر رحلته الأمريكية: "كان أكثر ما انبهرت به في أمريكا هو الحرية، فكرة الحرية وكيف يستطيع أي إنسان أن يقول رأيه في كل شيء وأي شيء حتى في رئيس الجمهورية، فإنه يستطيع أن يهاجم رئيس الجمهورية من دون أن يسجن، كنت بالضبط كالذي جاء في بلد يبحث عن نسمة، نسمة صغيرة من الحرية، فإذا بي أعيش في بلد يتنفس الحرية". 

ويستمر مصطفى أمين في ذكر أثر رحلته لأمريكا فيقول: "لعل أكبر الدروس التي استفدت منها صحفيًا هو أنني تعلمت أن الصحافة المستقلة تنجح أكثر من أية صحافة، وأن ولاءها الوحيد يجب أن يكون لوجهة النظر المستقلة فقط"، ولكن حرية الصحافة ليست كل ما أخذه مصطفى أمين من رحلته لأمريكا، فقد توثقت علاقات مصطفى أمين بأمريكيين بعضهم دبلوماسيين وبعضهم غير ذلك، مما تسبب في اتهامه من قبل أجهزة عبد الناصر بالتجسس لصالح أمريكا، والحكم عليه بالسجن المؤبد قضى منه 9 سنوات خلف القضبان من عام 1965 إلى عام 1974 عندما أفرج عنه السادات بموجب عفو صحي.

(محمد حسنين هيكل) الكاتب الكبير محمد حسنين زار الولايات المتحدة في شهر أكتوبر عام 1952، وعاد منها في أواخر شهر يناير عام 1953، ورغم بعد هذه الأحداث إلا أن هيكل يشعر حتى الآن بالدهشة لتركه القاهرة ومسرح الأحداث فيها في ذلك الوقت، كما يذكر هيكل أن هذه الفترة من أجمل ما حدث له في حياته، وقد دار حول الكرة الأرضية بذهابه إلى أمريكا عن طريق أوروبا، وعودته إلى القاهرة عن طريق آسيا. 

ويسرد هيكل أحداث زيارته الأولى لأمريكا قائلاً: "لقد كان شاغلي الأساسي هو الانتخابات الأمريكية، حيث أزيحت الحرب العالمية بكل آثارها، وظهر قائد جديد ليتولى صراع مرحلة الحرب الباردة، ذلك هو (أيزنهاور)، وقد اتضح للعالم كله أنه يقبل على قيادة من نوع آخر"، ويشير هيكل إلى المهمة الثانية من زيارته لأمريكا، وهي الاتصال مع الولايات المتحدة ومساعدة (على صبري) في مهمته، بعد أن رأى وليم فاستر وكيل وزارة الدفاع الأمريكية أنه يمكن هناك عقد صفقة سلاح بين مصر وأمريكا.. 

ويضيف هيكل أن الإطلالة المهمة التي نظر بها من خلال زيارته لأمريكا هي نظرة أمريكا للشرق الأوسط خاصة للإدارة الجديدة، حيث بدا واضحًا أن أمريكا تقوم برسم سياسة جديدة للشرق الأوسط، ووضح أن الشرق الأوسط أصبح منطقة مفتوحة وأصبح جبهة الدفاع الأمريكية في المرحلة المقبلة ضد المد الماركسي، وفي هذه الزيارة قابل هيكل العالم الشهير أينشتاين الذي أخبره بأنه يهودي صهيوني، وأرسل عبر هيكل رسالة شفهية إلى قادة ثورة يوليو بالتساؤل عما إذا كانت لديهم الرغبة في السلام مع إسرائيل؟ وإن كانت هذه هي زيارة هيكل الأولى لأمريكا فإنها لم تكن الأخيرة، إذ تردد بعدها كثيرًا عليها في العديد من المهمات السياسية أو الصحفية. 

(صافيناز كاظم) بدأت رحلة صافيناز كاظم الفكرية في الخمسينيات منذ أن تخرجت من كلية الآداب قسم الصحافة بجامعة القاهرة، واشتغلت بهذه المهنة ولمع نجمها وذاع صيتها، وحينما وجدت في نفسها حبًا للفن العالمي سافرت إلى أمريكا عام 1960م لتدرس الفن والأدب العالمي، وعادت عام 1966م ومعها ماجستير في المسرح، ولكنها بدلًا من أن تنحاز للثقافة الغربية عادت لتتجه للفكر الإسلامي..! 

تقول صافيناز كاظم: "حدث لي تطور فكري ونمو في التزامي بالإسلام، أنني كنت دائمًا مسلمة والإسلام ركن أساسي في البيت الذي نشأت فيه، لكن في بداياتي الأولى ولأن التغريب كان شديدًا في الخمسينيات والستينيات فكان لا بد أن نطلع على الأدب العالمي، ولم يكن هذا خطأ فكان لا بد أن نطلع على الأدب العالمـي فنشتاق إلى تراثنا، وهذا التطور لم يأت فجأة، فرحلتي لأمريكا جعلتني أدرك أن تراثهم وجذورهم هي الفكر الإغريقي والحضارة الإغريقية". 

وتضيف صافيناز: "عندها قلت لنفسي إنني لم آت من هنا وتساءلت في نفسي: فمن أين أتيت؟ وهذا دفعني إلى العودة لقراءة تراثي العربي الإسلامي، وأول ما عرفت كان سيد قطب حيث عرفته في أمريكا فقرأت كتابه: (العدالة الاجتماعية في الإسلام) باللغة الإنجليزية"، وتؤكد صافيناز: "كان لا بد أن أقرأ أدبيات ديني، وشعرت أنني حينما أعود إلى مصر سأبحث عن ذلك". 

(مصطفى البرزاني) أما مصطفى البرزاني مؤسس الحزب الديمقراطي الكردستاني فقد دخل في صراع مسلح من أجل إقامة دولة مستقلة للأكراد في العراق في بدايات القرن العشرين، وخلال قيادته للحركة الكردية تقلب البارزاني في تحالفاته مع أطراف عديدة لدعم حركاته المسلحة، وبقيت علاقته بإسرائيل من أكثر العلاقات وأوثقها، ويفسر البعض تحالفات البرزاني بأنه عندما فشل في الاعتماد على الاتحاد السوفيتي السابق فقد فكر في البديل، وبحث عن طريق يوصله إلى الولايات المتحدة الأميركية، واقتنع أن الطريق إلى الولايات المتحدة تمر بإسرائيل، وقام البرزاني بعدة زيارات لإسرائيل كان أولها في العام 1968، وبعدها أصبح باب الولايات المتحدة مفتوحًا أمامه على مصراعيه..

وانتعشت علاقاته بالولايات المتحدة حتى وقع معها اتفاقية عام 1972، والتي تقوم أمريكا بموجبها بمساندة حركته، إلا أنه في عام 1975 عقد العراق اتفاقية مع إيران أنهت طهران بموجبها دعمها لحركة البرزاني، وقيل أن (كيسنجر) نفسه الذي وقع الاتفاقية مع (مصطفى البرزاني) في 1972 قد ساند عقد اتفاقية إيران مع العراق على حساب الأكراد، مما اعتبره الأكراد خذلانًا أمريكيًا لهم وللبرزاني شخصيًا، وانهارت قوات البرزاني وبدأ من جديد رحلة لجوء إلى أميريكا قبل أن يموت في 1 مارس 1979 بأمريكا بسبب مرض السرطان. 

(البابا شنودة الثالث) عرض البابا شنودة الثالث زيارة الكنائس القبطية بالولايات المتحدة الأمريكية، فسمح له السادات بذلك، وطلب السادات من سفير مصر في واشنطن أن يكون مرافقًا للبابا في اللقاءات الهامة، وغطت مجلة الكرازة -وهي مجلة الكنيسة القبطية في مصر- أخبار زيارة البابا إلى واشنطن، وكانت عناوين العدد رقم 17 الصادر بتاريخ 29 أبريل 1977 استقبال حافل لقداسة البابا في نيويورك -أول بابا للإسكندرية يزور الولايات المتحدة الأمريكية- الصحف الأمريكية تنشر أخبار الزيارة في صفحاتها الأولى قداسة البابا يلتقي بالرئيس كارتر في البيت الأبيض بواشنطن، الرئيس كارتر يتحدث عن رحلة العائلة المقدسة إلى مصر.. 

وقد حضر سفير مصر في واشنطن الدكتور (أشرف غربال) لقاء بابا الأقباط مع الرئيس الأمريكى كارتر، كما حضر اللقاء (الأنبا صمؤيل) أسقف الخدمات العامة ومسؤل الكنيسة القبطية عن العلاقات العامة الدولية وقال كارتر لشنودة: "إن الرئيس السادات قال له أنه معجب بالبابا شنودة"، وقال كارتر أيضًا: "أنه سمع أن عدد الأقباط سبعة ملايين"، وتطابقت وجهه نظر البابا مع ما قاله كارتر من أن عدد الأقباط فعلاً 7 مليون وليس 2 مليون وثلث كما سجلت إحصائيات الحكومة، ومنذ زيارة بابا الأقباط الأولى لأمريكا تعددت زيارته لها ما بين زيارات عمل بصفته رئيسًا لكل الكنائس القبطية في العالم بما في ذلك أقباط الولايات المتحدة وما بين زيارت للعلاج. 

وقد سببت علاقات البابا بأمريكا جدلًا كثيرًا بسبب النشاط الواسع والضاغط لأقباط المهجر في الولايات المتحدة، خاصة ضد النظام الحاكم في مصر وقد تسببت تحركاتهم ومظاهراتهم ضد الرئيس السادات عام 1981م أثناء زيارته لأمريكا في توتر العلاقة بين السادات والبابا شنودة، انتهى بعزل السادات شنودة من منصب البابوية وتعيين لجنة تشرف على المنصب، ولم ينتهي هذا الوضع إلا بعد مصرع الرئيس السادات بفترة، واتهم العديدون الباب شنودة باستعمال أقباط المهجر خاصة في أمريكا كورقة ضغط ضد النظام في مصر بهدف تحقيق مكاسب، وربما هذا ما دعى الكنيسة للإعلان مؤخرًا عن رفضها للمظاهرات التي ينوي الأقباط تنظيمها في أمريكا أثناء الزيارة المقبلة للرئيس مبارك الشهر القادم. 

أنور السادات! تولى الرئيس السادت الحكم والعلاقات بين مصر وأمريكا مقطوعة، فسعى عبر قنوات سرية عدة للاستفادة من الولايات المتحدة في حل الصراع العربي الإسرائيلي، وتكللت مساعي السادات هذه بزيارة الرئيس الأمريكي نيكسون لمصر في عام 1974.. 

وبعدها وفي نفس العام زار السادات الولايات المتحدة لأول مرة في حكمه، ومنذئذ تعددت زيارات السادات لأمريكا حتى صار يزورها كل عام بناء على نصيحة سفيره المخضرم في أمريكا أشرف غربال، ولهذه النصيحة قصة ذكرها أشرف غربال الذي كان مكلفًا من السادات بإعداد دراسة عن كيفية الاستفادة من العلاقات الأمريكية المصرية، وقد خلص غربال إلى أهمية أن يزور رئيس مصر الولايات المتحدة مرة كل عام يقابل فيها قيادات الكونجرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري والشخصيات البارزة في مراكز البحوث ورجال الإعلام، وعدد من كبار رجال الأعمال وقادة جماعات الضغط هناك، كي يحافظ على علاقة قوية بين رئيس مصر وسائر القوى المؤثرة في سياسات الولايات المتحدة.. 

حسني مبارك! وقد سار الرئيس مبارك على هذه الطريقة في زيارة الولايات المتحدة مرة كل عام بعد توليه الرئاسة، وحتى إدارة جورج بوش الابن الذي ساءت في عهده علاقة الرئيس مبارك بالإدارة الأمريكية بدرجة ما، وحينئذ أناب مبارك أحمد نظيف تارة وعدد من الوزراء ورجال الأعمال تارة أخرى، فضلًا عن دور نجله جمال في هذه الزيارات..

ولكن للرئيس مبارك قصص مع زيارة أمريكا أبرزها ما ذكره الدكتور أيمن نور في إحدى مقالاته عن أخر زيارة زارها مبارك لأمريكا في عهد الرئيس السادات، حيث ذكر أن نائب رئيس الجمهورية حسني مبارك عندما زار الولايات المتحدة قبيل حادث المنصة، وقال السادات لأشرف غربال احضر مع مبارك كل مقابلاته في أمريكا، وأرسل غربال للسادات أنه حضر مع مبارك جميع مقابلاته عدا مقابلته الوحيدة مع مدير الـ"CIA"، وغضب السادات وعبر عن غضبه بشدة لنائبه حسني مبارك لدى عودته من أمريكا، لكن لم يلبث السادات أن قتل وتولى مبارك الحكم.

ويستعد الرئيس مبارك لزيارة أمريكا الشهر القادم كسالف عهده قبل توتر علاقاته الشخصية مع جورج بوش الابن، وقد قيل الكثير عن هذه الاستعدادات من قبيل إطلاق صراح أيمن نور، وتصريح بعض قادة الحزب الوطني بإمكانية السماح للإخوان بحزب رسمي، والحديث عن الإصلاحات السياسية والاقتصادية، لكن ربما أهم ما تم في مجال الإعداد لزيارة الرئيس مبارك للولايات المتحدة كان زيارة نجله جمال لأمريكا هذا الشهر. 

جمال مبارك وقصة رحلة جمال مبارك لأمريكا فيها العديد من جوانب الإثارة، وأول هذه الجوانب هو أنه زار أمريكا كثيرًا، لكن أشهر هذه الزيارت وأكثرها إثارة للجدل زيارته السرية لها في مارس 2006، عندما اكتشفتها مراسلة الجزيرة بالصدفة أثناء وجودها في البيت الأبيض، وفي هذه الزيارة قابل جمال مبارك كل من الرئيس بوش نفسه وكوندليزا رايس وزيرة الخارجية وآخرين..

وهاجت الدنيا في مصر وماجت بسبب هذه الزيارة التي ليس لها وصف دستوري باعتبار جمال مبارك لا يحتل أي منصب حكومي، وأيضا بسبب سريتها، واعتبرها الكثيرون دليلًا واضحًا على عملية توريث الحكم الذي يجري الإعداد لها على قدم وساق حسب رأيهم، وقدمت المعارضة في مجلس الشعب استجوبات عدة للحكومة، ومع ذلك لم تلق أي إجابة شافية.

وجاءت زيارة جمال مبارك الأخيرة والتي جرت في مارس أيضًا لكن عام 2009 لتثير مزيدًا من الجدل حول احتمالات نقل الحكم في مصر من الرئيس مبارك إلى ابنه جمال، وأيضًا حول الدور الحقيقي الذي يقوم به جمال مبارك داخل منظومة الحكم في مصر، واعتبر الكثيرون أن هذه الزيارة تأتي تمهيدًا لزيارة الرئيس حسني مبارك، ولتسوية عدد من الملفات الساخنة العالقة بين البلدين، أو على الأقل تهدئتها، وهنا يرد سؤال هام هو ما القدرة أو المكانة التي يتمتع بها جمال مبارك لدى أمريكا كي يقوم بهذا الدور؟ 

وإذا كان الرئيس السادات اعتاد على زيارة أمريكا في إبريل من كل عام، وتبعه في هذا التقليد الرئيس مبارك فلماذا زار جمال مبارك أمريكا في مارس 2006 وفي مارس 2009، هل يريد أن يرسي تقليدًا جديدًا بأن يزور أمريكا في مارس من كل عام قبيل زيارة الرئيس؟ 

وإذا كان هذا معتادًا في بعض الأنظمة بأن يقوم نائب الرئيس أو رئيس وزرائه بزيارة ممهدة لزيارة الرئيس فهل يشغل جمال مبارك منصب النائب الفعلي للرئيس، أو منصب رئيس الوزراء؟ لكن أهم سؤال هو عن النتيجة المتوقعة لرحلة جمال مبارك لأمريكا على حياته السياسية والفكرية بصفة عامة، وهذا سؤال لم تظهر إجابته بعد.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

عبد المنعم منيب

صحفي و كاتب إسلامي مصري

  • 6
  • 2
  • 13,820

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً