إلا مشرك أو مشاحن!

منذ 2015-06-06

أكثر ما يطهر القلب من الحسد، وينقي النفس من شوائب الحقد والكراهية، الخير للغير هو إدراك الإنسان لمعنى القاعدة القرآنية الجامعة: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}.

لعل أعجب ما في الحديث الحديث المبهر الذي ذكر فيه هذا الاستثناء تلك المغفرة الشاملة، التي تتبدى في هذه الكلمات الجامعة: «يَطَّلِعُ اللهُ إلى خَلْقِه ليلَ النِّصْفِ من شعبانَ فيغفِرُ لجميعِ خلقِه إلا مُشْرِكٍ أو مُشاحِن» (صحيح الترغيب).

تأمل مرة أخرى ذلك الشمول والعموم المذهل في قوله: «فيغفر لجميع خلقه»!
ذلك التعميم الذي يجعل المرء في حالة من الانبهار بتلك المغفرة الواسعة، من إله جليل قال عن نفسه: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم من الآية:32].

يزيد تلك الدهشة أن هذه المغفرة على عمومها لم يذكر عمل معين مرتبط بها، بل جعلها الله كهدية وعطية في هذه الليلة الكريمة من ذلك الشهر، الذي قال عنه النبي أنه: «شهر يغفل عنه الناس»! (حسنه الألباني في صحيح النسائي:5356)، فقط ثمة شرطين ينبغي أن يتحققا في من تشملهم تلك المغفرة الواسعة، شرط في حق الله، وشرط في حق عباده، إيمان بالله، وسلامة صدر، وترك للشحناء والبغضاء والحقد والغل والكراهية.

في رواية أبي ثعلبة الخشني بإسناد حسنه الألباني يقول الحبيب النبي: «إذا كان ليلةُ النصفِ من شعبانَ اطَّلَعَ اللهُ إلى خلْقِه فيغفرُ للمؤمنينَ، ويُملي للكافرينَ ويدعُ أهلَ الحِقْدِ بحقدِهم حتى يدَعوه»، هي مغفرة شاملة أيضًا كما في الرواية الأولى لكن الاستثناء لأهل الشرك والكفر، وهذا مفروغ منه متحقق بقول الله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء من الآية:48]، ثم استثناء أهل الحقد والشحناء والتدابر والتباغض.

ويا لها من مشاعر بائسة قاسية، فبخلاف كونها تحرم المرء من هذه الفرصة السنوية للمغفرة المجانية، فإن هذا الحاقد المشاحن يحيا حياة بائسة حقًا! إن صدر الحاقد دائمًا ما يكون ضيقًا حرجًا مليئًا بالحزن، يمزقه اللهاث المسعور ويسيل لعاب طمعه على ما فُضل به غيره، و هو لا يرتاح أبدًا؛ لأنه يرى أن الكل لا يستحقون ما هم فيه! بينما هو وحده من يستحق! ولو أنه انشغل بأداء ما عليه واجتهد، ثم ترك النتائج لمن يخفض ويرفع، ومن بيده الضر والنفع لارتاح وأراح.

أما لو ظل يمد عينيه إلى ما تمتع به غيره من عرض الدنيا الزائل، فإنه سيظل في ذلك العذاب طويلاً، إلا لو جرب يومًا أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وهو بالمناسبة شعور أجمل بكثير من الحقد والكراهية والشحناء..

وبدلا من سيطرة تلك المشاعر على نفسه لدرجة تجعله يبغض ذلك المحقود عليه فإن عليه أن ينشغل بما ينفعه ويصلح حاله، لعله يرزق نقاء السريرة وسلامة الصدر، التي لا يعادلها شيء، والتي هي من أعظم وأجل النعم، وهي معيار الأفضلية كما صح أيضًا عن الحبيب صلى الله عليه وسلم حين سألوه: "أيُّ الناسِ أفضلُ؟ فأجاب: «كلُّ مخمومِ القلبِ، صدوقِ اللسانِ»، قالوا: صدوقُ اللسانِ نعرفُهُ، فما مخمومُ القلبِ؟ قال: «هو النقيُّ التقيُّ، لا إثمَ عليهِ، ولا بغيَ، ولا غلَّ، ولا حسدَ»".

أما أكثر ما يطهر القلب من الحسد، وينقي النفس من شوائب الحقد والكراهية والخير للغير، هو إدراك الإنسان لمعنى القاعدة القرآنية الجامعة: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16]، فإن أدرك العبد أن ربه وحده هو من يخفض ويرفع، ويعطي ويمنع، وأن مطالبه مهما كانت بعيدة وصعبة المنال، فلا يأتي بها إلا هو، فعلى ماذا يحسد؟! ولماذا يحقد؟!

حينئذ -وحينئذ فقط- يكون الأمر مستويًا عنده وتهون الدنيا في نظره، ولا يعدل بسلامة صدره شيئًا
اجعل عبارة: "يَأْتِ بِهَا اللَّهُ" مبدأ حياتك ثم أتبعها بالبذل والعمل والأخذ بالأسباب، دون النظر لما في أيدي الناس، وصدقني ستنعم ويسلم صدرك من أسقام الحقد وأدران الغل، وأوجاع الحسد، ويُستبدل كل ذلك بالطمأنينة والرضا وحب الخير للغير، ثم دع عنك الشحناء والتدابر واعف واصفح واغفر، وافعل كل ذلك امتثالًا لقول ربك: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور من الآية:22]، فأجبه: "بلى يا رب نحب أن تغفر لنا".

قلها وردد ذلك الدعاء الماتع: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر من الآية:10]، افعلها اليوم لتأتي عليك الليلة بعد قليل وأنت مؤمن سليم الصدر، وحينئذ أبشر بتلك المغفرة الشاملة، التي لم تكن بفضل ربك من أولئك المحرومين منها، مغفرة ‫‏ليلة النصف من شعبان‬، تلك التي ينالها الجميع إلا مشرك أو مشاحن.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 15
  • 0
  • 33,281

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً