حين تُستثمر الفرحة
ومن العلاج النافع الناجع، النصح الفردي، والجلسة التربوية مع من ظهرت منه المخالفة، أو ذلك السلوك الشائن فهو من أفضل أنواع العلاج، فالنصح في العلن نوع من التوبيخ، والنصح في السر هو: العلاج والتوجيه.
قبل بدء العام الدراسي ذهبنا إلى السوق لإحضار ما يحتاجه الأبناء والبنات من لوازم الدراسة، وذلك استعدادًا لبدء عام دراسي جديد.
عُدنا والجميع مُحَمَّلٌ بما يحتاجه من الملابس، والحقائب، والدفاتر والأقلام وتوابعها، ودخلنا المنزل، فاجتمع الجميع على ما تم إحضاره، وتوزعوا ما يلزمه التوزيع، وبعدها أخذ كل واحد من البنين والبنات يجهز لوازمه، والفرحة غامرة المُحيا، بادية المطلع.
بل بعض الصغار أخذ في لُبْسِ ثياب المدرسة وحمل الحقيبة وهو فخور بذلك مسرورًا، ويتجول بها في المنزل يعرضها للكبير ويتعاظم بها على الصغير في براءة ظاهرة، ونشوة حاضرة. وأكثرهم سرورًا وحبورًا من سيدخل المدرسة حديثًا، فهم فِرحُون مُغْتَبِطُون، تجدهم يعرضون ما معهم على الجميع بفرح وسرور، بل بعضهم قد ينام ولوازم الدراسة عند رأسه، ومنهم من يحدث نفسه بحُلُمِ الدراسة، ومقاعدها، وهنا تكثر الأسئلة: متى أذهب إلى المدرسة؟
وفي هذه الأثناء تأملت هذه المواقف، وقلت في نفسي: هل المعلمون والمعلمات يستشعرون مثل هذه الفرحة؟! وهل يمكن لهم أن يستثمروها؟!
أيها المعلم الفاضل، والمعلمة الفاضلة، أنتم بحق من يستحق التكريم والإجلال، والتوقير والاحترام، كيف لا؟ وأنتم تقومون بأشرف رسالة، وأعظم مهمة، إنها مهمة الرسل عليهم السلام، فأنتم من يبنى العقول، وَيُهَذِّب السلوك، ويقضي الوقت الطويل في عمارة الأبناء والبنات، فلكم منَّا الدعاء الوافر: بأن الله لا يحرمكم الأجر، ويُعظِمَ لكم المثوبة وحسن الذكر.
في أول أيام الدراسة ينطلق الجميع لمحاضن التربية والتعليم في وقت واحد، يجتمع الجميع بداخل صرح تعليمي عملاق، الجميع ينظر إليه بأنه مَجْمَعُ العلمِ والقيم، والمُثُلِ والآداب، فالرذائل والنقائص محرم عليها الدخول إليه، والولوج فيه، وإن تسللت لواذًا كان الطرد لها علاجًا.
وفي هذا اليوم يدخل جميع الطلاب والطالبات وفرحة الدخول تغمرهم مع رهبةِ وهيبةِ اللقاء، فهي فرحة ممزوجة برهبة وهيبة، لكن بالمعلم الناصح، والمربي الناجح تزول تلك الرهبة، وتنضبط تلك الهيبة، وذلك عندما يرى الجميع محيا ذلك المعلم والمعلمة بسَّامًا، والرحمة والشفقة على وجههم ظاهرة، ومحبة الخير من تصرفاتهم بادية.
آهٍ... ما أجمل تلك الابتسامة من معلمينا يوم كنا في سن الطلب، هي ابتسامة غير متكلفة، لكنها بنت في النفوس أواصر العلاقة والمحبة، وشحذت الهمة في الرغبة للتعلم والدراسة.
أخي المعلم، أختي المعلمة، لا تحتقروا ابتسامة اللقاء، فهي بلسم التواصل مع طلابكم وطالباتكم؛ ومع هذه الابتسامة ليكن الفأل والتفاؤل هو شعاركم، والدعوة الصادقة هي خطابكم، واللمسة الحانية هي طريقكم للقلوب. انظروا إلى أبنائكم وبناتكم بعين الرحمة والشفة، وحب الخير لهم، بعيدًا عن نظرة الفوقية، والوظيفة الرسمية، والأنظمة الوضعية.
أخي المعلم، وأختي المعلمة، أبناؤكم وبناتكم ليسوا بحاجة للتعنيف والترهيب، فهم لم تجتمع قلوبهم على التدبير والتخطيط، ولا يعرفوا حمل الحقد والغل، فهم بسطاء في الغالب، حركاتهم ببراءة، وكلامهم ببساطة، يحمل على ذلك حب المرح، وأحيانًا كثيرة لا يستشعرون المواقف والأقوال، فنصيحتي: أن لا يحملكم قول بعضهم، وتصرف أحدهم على الإغلاظ في القول، والتعنيف في الخطاب فماهم إلا عجائن في أيديكم، أنتم بُنَاتُها وصُنَّعُها، فلا يحملنكم موقف من المواقف على هدم البناء، وتقويض ما تشيد منه، فتُحرق البسمة، وتذهب الفرحة، وتنقطع بعد ذلك أواصر المحبة والإجلال، فيقل حصول الفائدة والاستفادة بعد ذلك أو تنعدم.
أيها المعلم والمعلمة، كل شيء قد ينساه المتعلم ممن علمه إلا الكلمة الجارحة، فهي تَخُدُ أُخدودًا في الفؤاد، قد لا يكون الزمان كفيل بدفنه، فكم من كلمة جرحت، وعبارة قتلت، ولفظة أفسدت؛ قد ينساها القائل ولكنها تبقى في نفس سامعها حارة حاضرة.
أيها المعلم والمعلمة، إن زرع الهيبة في نفوس الطلاب والطالبات لا تكن بالغلظة والشدة بل بالرحمة والرأفة، والتمكن من المادة العلمية، وبذل الوسع في إيصالها، هذه هي التي تبني الهيبة والوقار في قلوب الأبناء والبنات، لا كما يظن بعضهم أنها: القسوة والشدة، والعقاب والتأنيب هي من تبني الهيبة، وتحفظ المكانة. صحيح قد تكون في نظر المعلم والمعلمة لها أثر في ضبط المتعلم لكنه ضبط وقتي، واحترام يزول، وهذه مزلة قدم أربأ بكم أن تكونوا من أهلها.
أيها المعلم والمعلمة، قد يصدر من بعض المتعلمين مخالفات وسلوك لا تليق في قاعة التعلم، مما يُضر بسير الدرس، ويشوش على المتعلمين، فهنا لا يحملنكم حرصكم على إتمام الدرس، وإنهاء العرض على استخدام أسلوب مع المخالف قد يكون ضرره أكبر من نفعه، إننا هنا بحاجة مع التعليم إلى التربية والتوجيه، فقد يكون المتعلم المخالف بحاجة للتربية والتوجيه أكثر من حاجته للمادة العلمية التي تطرح عليه.
ومن العلاج النافع الناجع، النصح الفردي، والجلسة التربوية مع من ظهرت منه المخالفة، أو ذلك السلوك الشائن فهو من أفضل أنواع العلاج، فالنصح في العلن نوع من التوبيخ، والنصح في السر هو: العلاج والتوجيه.
فيا أيها المعلم الجليل، ويا أيتها المعلمة الفاضلة، لا تكونوا سببًا لحرق تلك الفرحة، وقتل البسمة، بل استغلوها واستثمروها. كم من طالب وطالبة كان أعظم سبب نجاحه هو: استثمار معلمه أو معلمته لطاقته، وإمكاناته فوظفت التوظيف الصحيح فكان لذلك الأثر البالغ، والنجاح الباهر لذلك الطالب أو الطالبة.
وأخيرًا، إن الحِمَل عظيم، والأمانة جليلة، فمن استشعرها بحق، وحملها بصدق كان ناجيًا، ومن قصر فيها كان والعياذ بالله خائنًا، أعاذني الله وإياكم من الخيانة.
أسأل الله أن يجعلنا من أهل البر والإحسان، والصدق وحسن البيان، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.
- التصنيف: