وقفات تدبرية في سورة السجدة - (23) وقفات تدبرية

منذ 2015-06-15

النبي صلى الله عليه وسلم أرسل للخلق جميعًا بشيرًا ونذيرًا، بخلاف بقية الأنبياء كل واحد منهم لقومه خاصة.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [السجدة من الآية:23]، لما كان مقصود السورة نفي الريب عن تنزيل هذا الكتاب المبين في أنه من عند رب العالمين، ودل على أن الإعراض عنه إنما هو ظلم وعناد بما ختمه بالتهديد على الإعراض عن الآيات بالانتقام.. 

وكان قد انتقم سبحانه ممن استخف بموسى عليه السلام قبل إنزال الكتاب عليه وبعد إنزاله، وكان أول من أنزل عليه كتاب من بني إسرائيل بعد فترة كبيرة من الأنبياء بينه وبين يوسف عليهما السلام، وآمن به جميعهم وألفهم الله به وأنقذهم من أسر القبط على يده، ذكر بحالة تسلية وتأسية لمن أقبل وتهديدًا لمن أعرض، وبشارة بإيمان العرب كلهم وتأليفهم به وخلاص أهل اليمن منهم من أسر الفرس بسببه (البقاعي).

ذكر الله سبحانه في القرآن أنه أعطى موسى التوراة في عشرة مواضع، لكن في الآية التي معنا أسلوب مختلف يتطابق ويتناسق مع مادة وغرض سورة السجدة وهو اليقين، فقال سبحانه: {فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} [السجدة من الآية:23].

والفرق بين التوراة والإنجيل: أن التوراة فيه شرائع وأحكام، أما الإنجيل فقد نزل متممًا للتوراة وفيه مواعظ وحكم، والقرآن كتاب عظيم شامل جمع الله فيه الشريعة والمواعظ والحكم والقصص والأخبار، ونبأ ما بعدنا والنار والجنة والأحكام في الدنيا، فهو كتاب مفصل كما قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام من الآية:38]، فيها إشارة أنك يا محمد عليه الصلاة والسلام كما أنزلنا الكتاب على موسى وتعرض للأذى فإنك ستتعرض للأذى الذي تعرض له، لأننا أنزلنا عليك الكتاب، وفيها تنبيه وتوجيه وتثبيت وتسلية.

من هداية الآية: أن طريق الدعوة إلى الله وهداية الناس محفوف بالمكاره والصعوبات والابتلاءات، فلا بد من الصبر وتحمل المشاق وعدم اليأس والقنوط والتراجع.

سأل رجل الشافعي فقال: "يا أبا عبد الله! أيما أفضل للرجل أن يمكَّن أو يُبتلَى؟". 
فقال الشافعي: "لا يمكن حتى يبتلى، فإن الله ابتلى نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا صلوات الله وسلامُه عليهم أجمعين، فلما صبروا مكَّنَهم، فلا يظن أحدٌ أن يخلص من الألم البتَّهَ" (جامع المسائل لابن تيمية). 

إن الداعية إلى الله ومعلم الناس الخير، يعمل بوظيفة الأنبياء وهي من أفضل القربات سيما في وقت الفتن.
عند تعرض المسلم عمومًا والداعية خصوصًا إلى محنة وابتلاء، ينبغي عليه أن يستذكر ويتأمل بسير من قبله من الأنبياء والصحابة وأتباعهم، إذ فيها تسلية وتثبيت لتجاوز الصعوبات.

لقاء القدوات من الرموز والعلماء والدعاة وطلاب العلم والقادة مهم جدًا سيما في أوقات الفتن والظروف العصيبة، ومما يبعث اليقين في النفس ويجدد العزيمة والنشاط، فقصة موسى مع بني إسرائيل من أكثر القصص ذكرًا في القرآن، ومع ذلك ليست المسألة مجرد سماع أخباره بالقرآن، بل ستراه وتلقاه فيزداد اليقين!

وفائدة لقاء القدوات: التناصح والتشاور، وتثبيت بعضهم البعض، وتذكيرهم بأحوال من قبلهم، وتحقيق الصبر والتسلية، ورفع معنويات الجماهير، واختيار الأنفع والأفضل للأمة. 

يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن: «أولياءُ اللهِ تعالى الذين إذا رُؤوا ذُكِرَ اللهُ تعالى» (صحيح الجامع).

قال جعفر: "كنت إذا وجدت من قلبي قسوة نظرت إلى وجه محمد بن واسع نظرة، وكنت إذا رأيت وجه محمد بن واسع حسبت أن وجهه وجه ثكلى" (صفة الصفوة). 

النبي صلى الله عليه وسلم أرسل للخلق جميعًا بشيرًا ونذيرًا، بخلاف بقية الأنبياء كل واحد منهم لقومه خاصة.
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

14/6/2015

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أيمن الشعبان

داعية إسلامي، ومدير جمعية بيت المقدس، وخطيب واعظ في إدارة الأوقاف السنية بمملكة البحرين.

  • 1
  • 0
  • 4,523
المقال السابق
(20)
المقال التالي
وقفات تدبرية في سورة السجدة (25)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً