القرآن تدبر وعمل (2)

منذ 2015-06-18

جاء في كتاب: (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية) لابن حجر العسقلاني رحمه الله وبرقم 4009 و4010 قال:

"وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ، ثنا يَحْي بَن ُزَكَرِيَّا، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ، عَن ْقَيْسٍ، قَالَ: قَالَ خَالِدُبْنُ الْوَلِيد ِرَضِيَ الله عَنْه: لَقَد ْمَنَعَنِي كَثِيرًا مِنَ القراءة الْجِهَادُ فِي سبيل الله تعالى".

"وَبِه ِقَالَ خَالِد ٌرَضِي َالله عَنْه: مَا لَيْلَةٌ يُهْدَى إِلَى بَيْتِي فِيهَاعَرُوسٌ أَنَا لَهَا مُحِبٌّ، أَوْ أُبَشَّرُ فِيهَا بِغُلَام ٍبِأَحَبّ َإِلَيّ َمِن ْلَيْلَةٍ شَدِيدَةِ الْجَلِيد ِفِي سَرِيَّةٍ مِن َالْمُجَاهِدِينَ أُصَبِّحُ بِهَا الْعَدُوَّ". (انتهى كلام ابن حجر).

وقد جاءت المسألة في مسند أبي يعلي الموصلي برقم 7188 بالجزء الثالث عشر ص 143 بإسناد صحيح.
كما أخرج ذلك الأثر ابن عساكر وابن أبي شيبة في مصنفه.

سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه من الجيل القرآني والرعيل الذين أشرقت بالقرآن نفوسهم، وعظمت خواطرهم، وعلت هممهم، والذين حين خاطبهم الوحي:

{أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَد َفِي سَبِيلِ اللَّهِ لَايَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، الَّذِين َآمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ، يُبَشِّرُهُم ْرَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيم ٌمُقِيمٌ، خالِدِين َفِيها أَبَدا ًإِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التوبة:19-22].

فقهوا مراد الله ومحبوبه منهم. ولم يكن هذا الجيل الذي كان يعيش القرآن ولا يعيش على القرآن، ليهتز أمام نوائب الدهر وأحداث الليال الجسام، التي كثيرا ما يصنعها النماريد والأقزام.

وكم قبروا في قبر التجاهل كثيرًا مما يبدع الأقزام في صناعته ليستحوذوا على ألباب واهتمام أصحاب الرسالات وطلّاب الآخرة وطلائع الإنقاذ، لإشغالهم عن الأهداف العليا والسامية للقرآن، والتي على رأسها إخراج العباد من عبادة الطواغيت والمستبدين إلى عبادة رب العباد، ونشر العدل والسلام والحرية التي يفئ في ظلها الناس إلى خير معاشهم ومعادهم.

إن الذي تذرف مآقيه العبرات وهو يضم المصحف إلى صدره يناجيه: ما شغلني عن كثير تلاوة حروفك إلا العمل بإقامة حدودك؛ لهو ذلك الموفق الذي حمل القرآن بشرف، واتبع هداه كما أمره خالقه ومولاه.

لا تجعل من القرآن مصدر وجاهتك وتحقيق ذاتك، وإن كنت لامحالة مقصرا معتذرا؛ فليكن اعتذارك بالعمل بالقرآن عن التقصير في تلاوة القرآن. وأعلم أن المحظوظ عمرو بن ثابت ابن واقش رضي الله عنه تبوأ منازل الشهداء في الجنة ولم يسجد لله سجدة!، وتقلّد بلعام بن باعوراء رتبة الكلب بعد دهر من حمله الآيات واسم الله الأعظم.

انشغل بالقرآن كما يسر الله لك ولا تحمل هم أناس هم في معية الله وكنفه ومعتصمين في محنتهم ببابه، إن كانوا مخطئين فقد اصطفاهم بواسع رحمته ليطهرهم من المعايب، وإن كانوا محسنين فقد خصهم برفع درجاتهم.
إن أعظم ما تقدمه لنفسك، ولأخيك المسلم بصفة خاصة، وأخيك الإنسان بصفة عامة؛ هو أن تقيم القرآن في نفسك، وتتحرك به جوارحك، وتنشغل به خواطرك، وأنت مسافر في طريقك إلى رب كريم، يقيل العثرات ويعفو عن الزلات، ويُذهب الكثير من السيئات بالقليل من الحسنات، وذلك ذكرى للذاكرين.
هذا حديث حامل الفقه إلى من هم -يقينًا- أفقه منه.

وعن تجربتي مع القرآن وسماعي له ممن كان يتلوه كاملًا عن ظهر قلب في ست ساعات! أمثال فضيلة الشيخ الراحل محمد عبد العزيز الصاوي الفيومي رحمه الله، أما نحن فلم نستطع تسميعه كاملًا في أقل من عشر ساعات، فالحديث عن هذه التجربة وما لنا عليها من ملاحظات بعد المراجعات؛ فهذا يأتي لاحقًا في مقالنا القادم من ذات السلسلة (القرآن تدبر وعمل) بعد شهر رمضان إن شاء الله.

تقبل الله منا ومنكم وكل عام أنتم بخير وعافية.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

حسن الخليفة عثمان

كاتب إسلامي

  • 1
  • 0
  • 3,213

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً