الصيام امتلاك للقوة المتكاملة

منذ 2015-06-24

فهذا الاصْطفاءً والاخْتيار قد جمع الحُسْنَ من جانبيه، الخاص ببسطة في العلم والجسد، وهذا معناه وحدة التكامل بين الجسم المقرونٍ بالروح في جهادِ النفسِ ونضالِها المستمر بالحياة.

إنَّ حياة الصائمين حياةٌ حافلةٌ بالجِهاد والنِّضال الذي هو من صفاتِ الأقوياء، مَن تحلَّوْا بامْتلاكِ أسباب القُوَّة الماديِّة والمعنويَّة، في تكامل يصِلُهم بإدْراكِ معاني الانتصار الحقيقيً الذي يخَلِّدِ بصمَاتِِه المشرقة على صفحاتِ حياتهِم ووجودِهِم الإنسانِي، الذي من شروطَِه الالتزام والوفاء لحكمه سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7].

إنَّ الصِّيام يمنح الصَّائمين قوَّةً متكامِلة، وتوازُنًا يهَيْمِن على حَواسِّهم ويُضْعِف طاقتها المُفْرِطَة في الإقبالِ على الشَّهوات، فيتغلَّبون عليها في نضالٍ يمتدُّ إلى بقِيَّة الفصول والشهور التي يتعرَّض فيها إيمانُهم إلى الزِّيادة والنُّقصان، ويتقلَّب عمَلهم بين الشِرَة والفَترَة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكل عمل شرة وإن لكل شرة فترة فمن كانت شرته إلى سنتي فقد أفلح ومن كانت شرته إلى غير ذلك فقد أهلك» (صحيح ابن حبان:11).

وهذا النِّضال يؤهِّلُ الصَّائمين لما يليقُ بمقامِهِم الرَّفيع من التّشريفِ الإِنْساني وحَمْلِ أمانةِ الاسْتخلاف {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72]، حتى يُدْركوا أن حياتَهُم هي أَكْرَم من أن تسقُط في مُنْحدَرِ الطَّمَع، وأَشْرَف من أن تَسْتَعْبِدَها احْتياجاتٌ يمكِنُ السَّيطرة عليها والانْشِغال عن التَّفكير فيها، باسْتِجْلابِ ما يرتقي بقِواهُم الذَّاتِيَّة لتحقيق السَّلام النَّفسي، والتَّحَرُّر من قيودِ المادَّة المُبَذِّرَة للطَّاقات.

وحتى يدركوا بأن الصيامَ جِهادٌ لا يفوز فيه إلا الأقوياء، الذين تشبَّعوا بالحقيقَة الإيمانِيَّة، وجنَّدوا لها قَِِواهُم المادِّيَّة والمعْنَوِيَّة، وسَعَوا لتحقيقِ مقاصِِدِ الصيام، أما الذين اقْتصَروا على قوَّتهِم المادية فيكونُ انتصارُهُم محدودًا، وينْتهي بطُغْيانِ قِِوََى الباطِل على قِوَى الحق، وبيانُ ذلك أنَّ الله جلَّ وعلا حينَ ذكرَ طالوتَ قال: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة:247]، فهذا الاصْطفاءً والاخْتيار قد جمع الحُسْنَ من جانبيه، الخاص ببسطة في العلم والجسد، وهذا معناه وحدة التكامل بين الجسم المقرونٍ بالروح في جهادِ النفسِ ونضالِها المستمر بالحياة.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

صفية الودغيري

كاتبة إسلامية حاصلة على دكتوراه في الآداب - شعبة الدراسات الإسلامية.

  • 3
  • 0
  • 1,844

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً