استقبال القلب لموعظة القرآن

منذ 2015-07-10

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}.


عجيب أمر هذا الأعرابي!
روى البيهقي في الشعب بسنده إلى الأصمعي، قال: "أقبلت ذات يوم من مسجد الجامع بالبصرة، فبينا أنا في بعض سككها إذ أقبل أعرابي جلف جاف على قعود له، متقلدًا سيفه وبيده قوس، فدنا وسلم، وقال: ممن الرجل؟ 
فقلت: من بني الأصمع، فقال لي: أنت الأصمعي؟ قلت: نعم، قال: من أين أقبلت؟ قلت: من موضع يتلى كلام الرحمن فيه.. 

قال: أو للرحمن كلام يتلوه الآدميون؟ فقلت: نعم يا أعرابي، فقال: أتل علي شيئًا منه. 
فقلت: انزل من قعودك، فنزل وابتدأت بسورة الذاريات ذروا حتى انتهيت إلى قوله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات:22]، قال الأعرابي: هذا كلام الرحمن؟ قلت: إي والذي بعث محمدًا بالحق إنه لكلامه، أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم..

فقال لي: حسبك، فقام إلى ناقته فنحرها بسيفه، وقطعها بجلدها وقال: أعني على تفرقتها، فوزعناها على من أقبل وأدبر، ثم كسر سيفه وقوسه، وجعلها تحت الرملة، وولى مدبرًا نحو البادية، وهو يقول: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} يرددها فلما تغيب عني في حيطان البصرة.. 

أقبلت على نفسي ألومها، وقلت: يا أصمعي، قرأت القرآن منذ ثلاثين سنة ومررت بهذه وأمثالها وأشباهها، فلم تتنبه لما تنبه له هذا الأعرابي، ولم يعلم أن للرحمن كلامًا، فلما قضى الله من أمري ما أحب، حججت مع هارون الرشيد أمير المؤمنين فبينا أنا أطوف بالكعبة إذا أخبرنا بهاتف يهتف بصوت رقيق: تعال يا أصمعي، تعال يا أصمعي، قال فالتفت، فإذا أنا بالأعرابي منهوكًا مصفارًا، فجاء وسلم علي، وأخذ بيدي وأجلسني وراء المقام، فقال: اتل من كلام الرحمن ذلك الذي تتلوه فابتدأت ثانيا بسورة الذاريات، فلما انتهيت إلى قوله: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} صاح الأعرابي، وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا، قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا.. 

ثم قال: يا أصمعي، هل غير هذا للرحمن كلام؟ قلت: نعم يا أعرابي، يقول الله عز وجل: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَاْلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات:23]، فصاح الأعرابي عندها وقال: يا سبحان الله! من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف؟ أفلم يصدقوه بقوله حتى ألجؤوه إلى اليمين قالها: ثلاثا وخرجت نفسه".
‫‏
قلت صدق الله القائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57].

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو حاتم عبد الرحمن الطوخي

باحث شرعي - داعية و إمام بوزارة الأوقاف المصرية

  • 0
  • 0
  • 4,484

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً