نظرات في فروق الصوم
أوجب الله تعالى الإخلاص شرطًا أساسيًا لقبول أي عبادة يتقرب بها العباد إليه عز وجل، لأنه الواحد في ذاته لذا فهو أغنى الشركاء عن الشرك، ولهذا كانت حاجة العبادات والطاعات وسائر القربات إلى الإخلاص كحاجة الجسد إلى الروح، فعين العارفين معقودة على الإخلاص في العمل، وعين العوام معقودة على مظهر العمل، همّ العارفين رؤية الخالق وهم العوام رؤية الخلق، هؤلاء صاموا ابتغاء مدح الله لهم في الملأ الأعلى، وأولئكم صاموا ابتغاء مدح الناس في الحياة الدنيا، فشتان بين الفريقين، وشتان بين أهل السعادة وأهل الشقاوة.
بسم الله الرحمن الرحيم..
رغم أن الصوم هو إمساك المسلم عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الشمس حتى غروبها، إلا أن هناك العديد من الفروق في جوهره ومظهره ميزته إلى أنواع عديدة يختلف بعضها عن بعض، ويتفاضل بعضها على الآخر، فشتان بين صوم العبادة وصوم العادة، وفرق بين صوم رمضان وصوم الكفارات، وعلى صعيد صحة الأبدان هناك فرق بين الصوم الإسلامي والتجويع الطبي، لذا كان الواجب على المسلم الوقوف على مثل هذه الفروق كي يسلم له صيامه من الآفات، ويتيقن أن في شرع العليم الخبير من الخير والحكمة ما لا يجده في شرع البشر.
صوم العبادة وصوم العادة:
أوجب الله تعالى الإخلاص شرطًا أساسيًا لقبول أي عبادة يتقرب بها العباد إليه عز وجل، لأنه الواحد في ذاته لذا فهو أغنى الشركاء عن الشرك، ولهذا كانت حاجة العبادات والطاعات وسائر القربات إلى الإخلاص كحاجة الجسد إلى الروح، فعين العارفين معقودة على الإخلاص في العمل، وعين العوام معقودة على مظهر العمل، همّ العارفين رؤية الخالق وهم العوام رؤية الخلق، هؤلاء صاموا ابتغاء مدح الله لهم في الملأ الأعلى، وأولئكم صاموا ابتغاء مدح الناس في الحياة الدنيا، فشتان بين الفريقين، وشتان بين أهل السعادة وأهل الشقاوة.
وشواهد هذه القاعدة عديدة من الكتاب والسنة، قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110]، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5]،
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (2).
» (1)، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عنوعن أبى أمامة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
»، فأعادها ثلاث مرات، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » ثم قال: « » (3).وكان صلى الله عليه وسلم يقول عند تلبيته للحج: «
وللإخلاص في الصوم تأثير عجيب، فالقلب إذا امتلأ بالإخلاص صام عن الشركيات المهلكة والاعتقادات الباطلة، والوساوس السيئة والنوايا الخبيثة، وبصلاح القلب يصلح الجسد كله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» (5).
فتصوم العين عن كل ما يحرم النظر إليه، فإطلاق البصر إلى ما لا يحل يحرك في المرء الشهوة الكامنة، ويوقع العبد في الغفلة واتباع الهوى، ويطفئ نور الإيمان والبصيرة في القلب، وكذلك يصوم اللسان عن الخوض في الباطل، كالغيبة والنميمة والفحش والبذاء واللعن والسخرية من الخلق، وغيرها من آفات اللسان المهلكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» (6).
وقال صلى الله عليه وسلم: «
» (7)، وكذلك تصوم الأذن بكف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه كالغناء والفحش والبذاء، لأن كل ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه..أما صوم العادة فهو صوم ليس لله تعالى فيه نصيب، وله العديد من المظاهر، فمن الناس من يتناول الصوم من الوجهة الاجتماعية، كمن يصوم لكونه وسط رفاق سفر أو غربة، فيتحرج أن يفطر وهم صائمون، وكحرج رب الأسرة أن يراه أولاده وزوجته مقطرًا، أو كمن اشتهر بالفسق والفجور، فهو يحب الصوم في هذا الشهر الكريم ليقال عنه (صائم)، وتتحسن فكرة الناس عنه، والبعض يتناول الصوم من الوجهة النفسية فهو يتشاءم من الفطر في هذا الشهر المبارك..
والبعض يتناول الصوم من الوجهة الصحية، كبعض النساء اللاتي يجدن في الصوم فرصة للتخلص من عناء الوزن الزائد، والهروب من متاعب السمنة المفرطة، والآخرون يمثل لهم الصوم فترات راحة من بلاء التدخين أو اضطرابات المعدة والقولون وغيرها، لكن كل هذه المظاهر هي عين الرياء التي لا يقبل الله من صاحبها صرفًا ولا عدلاً، قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:103-104]، لذلك نقول لمن لم يكن خالصًا لا تتعنى فالله أغنى الشركاء عن الشرك.
ويقول صلى الله عليه وسلم: «
» (8). صوم الفرض وصوم الكفارة:
قسم الفقهاء الصوم إلى نوعين رئيسيين: "الصوم الواجب، والصوم المندوب".
والصوم الواجب ينقسم إلى:
أ- واجب بإلزام الشرع ابتداءً:
كصوم رمضان وصوم الكفارة لمن أفطر بالجماع في نهاره، وكفارة الظهار والقتل وكل منهما شهران متتابعان.
وكفارة اليمين وفدية حلق الرأس في الإحرام وكل منهما ثلاثة أيام، وفدية التمتع والقران وكل منهما عشرة أيام.
وجزاء الصيد في الحرم وهو تقويم البدنة بالدراهم والدراهم بطعام (الحنطة) فيصام بدلاً عن كل مُد يوم.
ب- ما يجب بالالتزام وهو صوم النذر، وقد نزله الشارع منزلة ما ألزمه ابتداء من الواجبات..
والصوم المندوب هو ما قام به العبد تطوعًا من غير إلزام الشرع له تقربًا لله تعالى، ورغبة في فضله وكفارة للذنوب
- صوم الكفارات الواجبة:
صوم الكفارة لمن جامع في نهار رمضان: أجمعت الأمة على تحريم الجماع على الصائم في نهار رمضان، وعلى أن الجماع يبطل الصوم سواء أنزل أم لا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل، فقال: يا رسول الله هلكت. قال: « » قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تجد رقبة تعتقها؟» قال: لا. قال: « » قال: لا. قال: « » قال: لا.
قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك، أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق فيها تمر -والعرق: المكتل- قال: «
» فقال: أنا. قال: « » فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها -يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من بيتي، « »" (9).صوم كفارة الظهار: الظهار مشتق من الظهر، وهو قول الرجل لزوجته: "أنت علي كظهر أمي"، والظهار كان طلاقًا في الجاهلية، فأبطل الإسلام هذا الحكم، وجعل الظهار محرِمًا للمرأة حتى يُكَفر زوجها، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ . فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ۚ ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المجادلة: 3-4].
صوم كفارة القتل، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء:92].
صوم كفارة اليمين، وهذا لمن لم يجد الإطعام، قال تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة:89].
صوم فدية حلق الرأس في الإحرام، وهو ثلاثة أيام، لقول تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة من الآية:196]، قال مجاهد: كل شيء في القرآن (أو) نحو قوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} فهو مخير، وما كان {فَمَن لَّمْ يَجِدْ} فهو على الولاء، أي: على الترتيب.
صوم المتمع والقارن لمن لم يجد الهدي في الحج، لقوله تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة من الآية:196].
صوم جزاء الصيد في الحرم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [المائدة:95].
صوم النذر: وهو نوعان:
- نذر تبرر: ومن صوره أن يلتزم قربة كالصوم في مقابلة حدوث نعمة أو اندفاع بلية، كقوله: « » فإذا حصل المعلق به لزمه الوفاء بما ألزم نفسه به..
- والنوع الآخر هو نذر اللجاج والغضب: وهو أن يمنع نفسه من فعل أو يحثها عليه بتعليق التزام قربة بالفعل أو بالترك، كمن يقول: "إن فعلت كذا فلله علي صوم أسبوع"، والملتزم بالنذر إن نذر واجبًا فلا يصح نذره، لأنه واجب بإيجاب الشرع له، كمن نذر صوم رمضان لا يصح نذره، وإن نذر مستحبًا كنوافل الصوم لزمه بلا خلاف.
الصوم الإسلامي والصوم الطبي -التجويع-:
يقوم التجويع الطبي على امتناع المريض عن الطعام فقط دون الماء لفترة من الزمن تطول أو تكثر، وتعتمد فكرته على حقيقة مقدرة الطاقة المختزنة في الجسم على إمداد الإنسان، بالحياة والحركة قترة تتراوح من شهر إلى ثلاثة شهور.
وهناك أوجه اتفاق واختلاف بين الصيام الإسلامي والصيام الطبي -التجويع المطلق- تجعل من الأول الطريقة المثلى للحصول على أكبر قدر ممكن من الفوائد المرجوة، ويمكن إيجازها في النقاط التالية:
1- يتفق الاثنان في تحقيق هدف مشترك، هو: إراحة الجسم من هضم الغذاء وإتاحة الفرصة لاستهلاك المدخر منه، وطرح السموم المتراكمة فيه وتنشيط عمليات الاستقلاب الحيوية، لكن الصيام الإسلامي يمتاز باستطاعة كل المكلفين الأصحاء في شتى الأقطار والأزمان بأدائه فهو سهل ميسور وليس فيه أية أخطار على الجسم، أما الصوم الطبي فلا يستطيعه الناس جميعا وهو قهر شديد للنفس ويمثل مشقة وعنتا للجسم ولا يقبل عليه إلا من طغى عليه المرض فيصوم محاطا بالأطباء والممرضين وأجهزة الإسعاف.
2- للتجويع الطبي أخطاء لا توجد في الصوم الإسلامي، فالجسم يحرم أثناء التجويع الطبي من إمداده بالأحماض الأمينية والدهنية الأساسية، وتتجمع كميات كبيرة من الأحماض الدهنية في الكبد نتيجة لتحلل الدهن المختزن في أنسجة الجسم بمعدلات كبيرة، فيترسب الدهن بكثرة في خلايا الكبد ليصاب بحالة (تشمع الكبد) التي تؤدي إلى اضطراب وظائفه، وهذا بفضل الله لا يحدث في الصيام الإسلامي، حيث يحصل الجسم على الأحماض الأمينية والدهنية الأساسية في وجبتي الفطور والسحور، ويقوم الكبد بتركيب البروتينيات والمواد الدهنية والفسفورية بمعدل كاف لعملية تصنيع البروتين الشحمي (Lipoprotien) منخفض الكثافة جدًا، وهو المركب الذي يسهل نقل الدهون من الكبد حتى لا تتجمع بكميات كبيرة فلا يحدث التشمع الكبدي.
والحرمان من الأحماض الأمينية والدهنية يؤدي إلى خلل في الجسم، فلا تتكون بعض البروتينات والهرمونات والأنزيمات الهامة بالإضافة إلى تهدم المزيد من الخلايا، وخصوصًا في العضلات لإنتاج الأحماض الأمينية واستخدامها في تصنيع الجلوكوز، كما أنه في حالة التجويع تحدث أكسدة كثيفة للأحماض الدهنية الكبدية مما ينتج عنه كميات كبيرة من الأجسام الكيتونية التي
تؤدي إلى حموضة شديدة بالدم.
3- يحدث توازن لدورتي البناء والهدم أثناء الصيام الإسلامي، وذلك بتناول الطعام في المساء والامتناع عنه أثناء النهار ويصب في مجمع الأحماض الأمينية كمية كبيرة من هذه الأحماض القادمة مع الغذاء مما يساعد على التجديد السريع للخلايا ومكوناتها وتوفير القدر اللازم منها لإنتاج جلوكوز الدم أثناء النهار وتوفير الأحماض الأمينية الحرة في بلازما الدم.
4- وجود كمية مخزونة من البروتين في خلايا الكبد بواسطة التضخم (Hypertrophy) وفرط التنسج (Hyperplasia) بعد وجبتي الفطور والسحور يجعل الجسم قادرًا على تكوين البروتينات الحيوية اللازمة كبروتينات البلازما وعوامل تخثر الدم والبروتين اللازم لنقل الحديد، وفيتامين ب-12 وهذا لا يتوفر بكميات كافية أثناء التجويع الطبي مما يسبب سيولة في الدم وتورما في الجسم وانخفاضًا في الأجسام المضادة، وظهور أعراض نقص فيتامين ب-12 وبعض المعادن الحيوية الأخرى.
5- في الصوم الإسلامي يحدث مزيد من إنتاج اليوريا من الأمونيا المتكونة من الأحماض الأمينية بعد تناول الغذاء في المساء ولا يحدث أي خلل في التوازن النيتروجيني أثناء النهار، نتيجة لتخزين الكبد لكمية من البروتين في خلاياه بعد وجبتي الفطور والسحور.
6- في الصيام الإسلامي يتخلص الجسم من الدهون بطريقة طبيعية آمنة، ولا يحدث تشمع الكبد كما في التجويع الطبي كما تنشط عمليات الكبد الحيوية، فيقوم بتصنيع البروتين والمواد الدهنية الفسفورية.
أكرم بالصوم عبادة شرعها العليم الخبير ففيه رضا ربنا والخير لديننا ولدنيانا ولأبداننا فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش والمصادر:
(1) رواه مسلم – كتاب الزهد والرقائق رقم 5300.
(2) رواه الطبراني عن أبي الدرداء 3018 في ضعيف الجامع.
(3) رواه النسائي – كتاب الجهاد 3089.
(4) رواه ابن ماجة عن أنس (صحيح) حديث 1302 في صحيح الجامع.
(5) رواه البخاري عن النعمان بن بشير – كتاب الإيمان رقم 50.
(6) رواه البخاري عن أبي هريرة – كتاب الصوم رقم 1770.
(7) رواه مسلم عن أبي هريرة – كتاب الصوم رقم 1941.
(8) رواه أحمد عن محمود بن لبيد. (صحيح) حديث 1555 في صحيح الجامع.
(9) رواه البخاري – كتاب الصوم رقم 1800.
بستان الواعظين: ابن الجوزي.
فقه الصوم وفضل رمضان: د/ سيد العفاني.
الصوم بين الظاهر والحقيقة: د/ خالد النجار.
- التصنيف: