الدعاء على المنافقين والظالمين
في السنة ما أرشدنا إليه نبينا بما ندعو به على الظالم «وَانصُرنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي، وَأَرِنِي مِنْهُ ثَأْرِي» (راوه البخاري في الأدب المفرد)، وأما الدعاء على الظالم بالضلال وعدم الهداية، فهذا لا يجوز، لأوجه عدة ذكرها العلماء..
بعض الناس من شدة غضبه على إنسان لنفاقه مثلاً، أو ممالئته للطغاة يدعو عليه بالضلال، وأن لا يوفق لتوبة، كمن يدعو على أحد علماء الدين بسبب غوايته بمثل ما ذكرت، وإن كان في القلب لوعة وفي الحلق غصة بسبب ما أفسد أمثال هؤلاء الشباب، وأضلوا العباد، إلا أننا ملزمون بشرع ومتدينون بدين فليس الأمر بهوى ولا تشهي..
وربما تطور الأمر ببعضهم فقذف هذا الظالم، وهذا لا يجوز أصلاً، إنما حديثي عن أمر آخر ألا وهو الدعاء عليه بزيادة الضلال وأن يموت على ضلالة، وقد رخص الله سبحانه للمظلوم أن يدعو على ظالمه، لينتصف منه في الدنيا قبل الآخرة، فيشفِي شيئًا من غيظه، ويستعجل بعضًا من حقه.
قال الله تعالى: {لَاْ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيْعًا عَلِيْمًا} [النساء:148].
قال ابن عباسٍ في الآية: "لا يحب الله أن يدعو أحدٌ على أحدٍ، إلا أن يكون مظلومًا، فإنّه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله: {إِلّا مَنْ ظُلِمَ}، وإن صبر فهو خيرٌ له" (انظر: تفسير ابن كثير).
وفي السنة ما أرشدنا إليه نبينا بما ندعو به على الظالم «البخاري في الأدب المفرد)، وأما الدعاء على الظالم بالضلال وعدم الهداية، فهذا لا يجوز، لأوجه عدة ذكرها العلماء..
» (راوه1- الدعاء بزيادة الضلال والغواية طلب لاستمرار الكفر أو الظلم أو المعصية، والواجب على المسلم كره المعصية والسعي في تطهير الأرض منها، وليس في زيادتها واستمرارها.
2-وهو من الاعتداء في الدعاء الذي جاء ذمه في الكتاب والسنة الصحيحة.
يقول الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55].
قال بعضُ السلف في معنى {الْمُعْتَدِينَ}: "هم الذي يدعون على المؤمنين فيما لا يحلُّ، فيقولون: اللَّهمَّ اخزِهم، اللَّهمَّ الْعَنْهم" (تفسير البغوي).
قال الحسن : "قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، من غير أن يعتدي عليه" (تفسير ابن كثير).
قال شيخ الاسلام ابن تيمية: "وعلى هذا فالاعتداء في الدعاء: تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات، وتارة يسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة.. ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله" (مجموع الفتاوى).
قال النووي في (الأذكار):
"لو دعا مسلمٌ على مسلمٍ فقال: اللهم اسلبه الإيمان؛ عصى بذلك. وهل يكفر الداعي بمجرد هذا الدعاء؟ فيه وجهان لأصحابنا، حكاهما القاضي حسين من أئمة أصحابنا في الفتوى، أصحهما: لا يكفر، وقد يحتج لهذا بقول الله تعالى إخباراً عن موسى عليه السلام: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا} الآية. وفي هذا الاستدلال نظر وإن قلنا إن شرع من قبلنا شرع لنا".
ونقل صاحب الفواكه الدواني عن الإمام القرافي قوله:
"الدعاء على الظالم له أحوال: إما بعزله لزوال ظلمه فقط، وهذا حسن.
وثانيها: بذهاب أولاده وهلاك أهله ونحوهم ممن له تعلق به، ولم يحصل منه جناية عليه، وهذا ينهى عنه لأذيته من لم يمُنَّ عليه.
وثالثها: الدعاء بالوقوع في معصيةٍ: كابتلائه بالشرب أو الغيبة أو القذف، فينهى عنه أيضًا؛ لأن إرادة المعصية للغير معصية.
ورابعها: الدعاء عليه بحصول مؤلماتٍ في جسمه أعظم مما يستحقه في عقوبته، فهذا لا يتجه أيضًا، لقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة من الآية:194]"، والله أعلم.
- التصنيف: