اجتماع الأمم المتحدة لدعم المقاتلين الأجانب!
إن مؤتمر مدريد لم يكن لمكافحة ومنع تدفق المقاتلين الأجانب، بل كان لدعم تدفق المقاتلين الأجانب، وانضمامهم إلى صفوف داعش بفضل الكذب الذي تمارسوه على الشعوب من أجل حماية الطغاة والمستبدين.
بعد السقوط المدوي والانكشاف الفاضح لأكذوبة ما عُرف بـ"بمحور الممانعة "، وقصة القنبلة النووية الإيرانية، وأسطورة المقاومة الإسلامية لحزب الله، واستيقاظ الأمة مما كانت تغط فيه من نوم وثبات عميق، وتزييف لوعيها، وتضليل لعقلها، والذي تولى كبره قامات وأذرع ثقافية وصحفية وأدبية إيرانية الهوى السياسي، سُنّية المعتقد والمذهب، ذهبت بكثير من عقول وإدراك الأمة بعيدًا عن الجادة؛ كان لا بد من تدارك الأمر سريعًا وعاجلًا، وإيجاد البديل الجديد الذي يؤدي دور القديم، والذي يضمن للكبار تسلطهم وهيمنتهم، واحتلالهم للشعوب وسلب إرادتها، وتضبط به قواعد اللعبة في ضوء الأهداف الجديدة.. فلتكن داعش، وخلافة داعش.
ولنقول للمغلوبين على أمرهم، وللسذج والبسطاء الذين يصدقون أن (باراك أوباما) وأخاه (مالك أوباما) عضوان في التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، لنقول لهم: إن أمريكا التي محت (هيروشيما، ونجازاكي) في ساعات أو لحظات، وروسيا، والاتحاد الأوربي بكافة دوله، والصين، والإنس والجن غير قادرين على هزيمة داعش، وأن الحرب على داعش ستستغرق سنوات طويلة..
وأن التحدي الأكبر الذي يواجه الطيران الحربي الأمريكي والعالمي هو تلك الغمامة التي تُظلل وتخبئ الأرتال العسكرية الداعشية، التي يكون أولها في العراق وآخرها في الشام بمئات المركبات، عبر المئات من الكيلومترات، لكنها منصورة ومحروسة من العين التي حوّلت –لدقتها- الشيخ (أحمد ياسين) رحمه الله على كرسيه المتحرك إلى أشلاء بصاروخ منها، والتي حدّدت مخبأ (بن لادن) في باكستان وقتلته في دقائق، وألقت بجثته في البحر مراعاةً واحترامًا لحقوق الإنسان.
ما السياق القريب من الصواب الذي يمكن أن نضع فيه اجتماع الأمم المتحدة بمدريد، الذي عُقد لبحث سبل تدفق المقاتلين الأجانب للانضمام لصفوف داعش، حيث استمرت جلساته على مدار يومين كاملين 27/28 يوليو/تموز الماضي، والذي شارك فيه 48 وزيرًا للداخلية والخارجية من مختلف الدول و400 خبير.
أعتقد أن تصريحين هامين تصدرا عناوين الصحف، وأثارا اهتمام المتابعين بالساحتين الدولية والإقليمية في الآونة الأخيرة، يمكننا أن نقرأ في ضوئهما الأهداف الحقيقية من وراء هذا الاجتماع.
الأول: وهو لوزير الخارجية البريطاني (فيليب هاموند) أمام البرلمان في العاصمة لندن الثلاثاء 22 تموز/يوليو الماضي والذي قال فيه: "لا نرغب بسقوط نظام بشار الأسد، وإنما نريد مرحلة انتقال سياسي".
الثاني: ما تم إعادة تداوله من تصريحات لرئيس الأركان الأمريكي (جوزيف دانفورد) قال فيها: "العراق يمكن تقسيمه لدولتين فقط: للشيعة والأكراد".
* لم يتناول الاجتماع شأن ما بين (8 :10) آلاف مقاتل من ميليشيا حزب الله اللبناني، تقاتل على الأراضي السورية دفاعًا عن نظام الأسد، الذي أعلن الوزير البريطاني عدم رغبتهم في سقوطه، تلك الميليشيات التي سقط منها صرعى ما يزيد على الألف مقاتل وشيعت جثامينهم على فترات متباعدة وقال زعيمها حسن نصرالله: "سنقاتل في كل مكان في العالم بلا وجل ولا مستحى من أحد، سنقاتل بعيون مفتوحة".
قبيل كتابة هذا المقال كان قد بلغ عدد قتلى حزب الله اللبناني في سوريا 18 قتيلاً خلال ثلاثة أيام فقط، قتل منهم 5 عناصر يوم الجمعة الماضي في المعارك الدائرة بمدينة الزبداني بسوريا وقد استعرضت الميديا تسجيلًا مرئيًا للمرأة اللبنانية التي سقط ولدها في الأراضي السورية تدّعي فيه مفتخرة أنه قتل 17 من المعارضة السورية.
* لم يتناول الاجتماع آلاف المقاتلين الموجودين من الحرس الثوري الإيراني، والذين سقط منهم قيادات رفيعة المستوى هي من أبرز القيادات الفاعلة في الحرس الثوري على رأسهم اللواء (عبدالكريم غوابش)، الذي أعلنت إيران رسميًا مصرعه بتاريخ 13 تموز/يوليو على موقع وكالة (رهياب نيوز) الإيرانية، وأنه لقي مصرعه بالزبداني وهو من القيادات المقربة من اللواء (قاسم سليماني) قائد فيلق القدس، والذي لم يشر الاجتماع إلى أي دور له من قريب أو بعيد في الحرب الطائفية داخل العراق.
كما سقط من القيادات البارزة بالحرس الثوري من قبل العميد (جبار دريساوي) الذي قتل في حلب بسوريا في شهر أكتوبر من عام 2014.
* المؤتمر الذي عُقد لبحث مسألة المقاتلين الأجانب لم يُعرّف من هو المقاتل الأجنبي!
* المؤتمرون يقدرون عدد المقاتلين الأجانب المنضمين إلى صفوف داعش بـ(25 ألف) مقاتل من 100 دولة مختلفة؛ فيما تجاهلوا الآلاف القادمة من لبنان وإيران وباكستان وأفغانستان للقتال دفاعًا عن نظام بشار الأسد.
* لم يتم الإشارة من قريب أو بعيد إلى التجارب العربية؛ سواء بالمملكة السعودية ومشروع (المناصحة والرعاية) أو الجزائر ومشروع (الوئام المدني) أو مصر ومشروع (المراجعات والمصالحة) والتي تعتبر أبرز التجارب العالمية والإقليمية والتي امتد أثرها على الساحة الإقليمية كلها.
لا سيما فكرة المراجعات الفكرية بمصر بما لها وما عليها، والتي كان مهندسها الراحل (أحمد رأفت المصيلحي) رحمه الله، وتحويل أكبر الجماعات عنفًا إلى المسار السلمي السياسي، بل والذي يفهم الواقع أكثر بكثير ممن سبقوه في العمل السياسي؛ فيُعرض عن المنافسة على السلطة، ويكتفي بدور المشارك والداعم والمقدم للمصالح الوطنية العليا على مصالحه الحزبية والتنظيمية، مع حفاظه الواضح على ثوابته الأخلاقية السياسية، بما جعل سلطة الانقلاب في مصر ترفض تصنيفه كيانًا إرهابيًا ولا تُقدم على إلغائه وحله، في رسالة واضحة للغرب وآخرين، معلومة المعنى والمغزى.
* ماذا تقول داعش لعناصرها عن مثل هذا المؤتمر، وعن هؤلاء المؤتمرين؟
باختصار وبوضوح ستقول لهم:
* إن هؤلاء المجتمعين في مدريد اجتمعوا لدعم ومؤازرة بشار الأسد، الذي قتل مئات الآلاف من السوريين، نصفهم من النساء والأطفال ببراميل الموت وغاز الكلور السام.
* إن هؤلاء المجتمعين في مدريد اجتمعوا لتقسيم العراق إلى دولتين للشيعة والأكراد، ولدعم الحشد الشعبي الشيعي، ولدعم اغتصاب النساء السنّة في سجون العراق، ولدعم الحكم بإعدام 7000 سني موجودين بسجون العراق، لا يأبه بهم أحد، ولا يتحرك من أجلهم أحد.
* إن هؤلاء المجتمعين بمدريد اجتمعوا ليفعلوا برجال السنّة وبنساء السنّة وبأطفال السنّة ما فعلوه بهم في سربرنيتشا في البوسنة والهرسك وغيرها.
من أجل ذلك وغيره فنحن نقول وننصح بوضوح، لمن كان لهم من هؤلاء المؤتمرين بقية عقل، أو لا زال للحكمة في ساحاتهم مكان: إن مؤتمر مدريد لم يكن لمكافحة ومنع تدفق المقاتلين الأجانب، بل كان لدعم تدفق المقاتلين الأجانب، وانضمامهم إلى صفوف داعش بفضل الكذب الذي تمارسوه على الشعوب من أجل حماية الطغاة والمستبدين.
- التصنيف: