قصتي مع الفشل

منذ 2015-10-17

لا يوجد نجاحٌ بلا فشل، فمن ادّعى أنه لم يفشل قط، فهو لم ينجح قط؛ لأن الفشل عند الناجحين هو درجات سلم النجاح. فهم كلما فشلوا، حدّدوا أسبابَ ذلك الفشل، فعرفوها وتجنبوها. وهم كلما تجدّدت لهم هذه المعرفة بأسباب الفشل، تجدّد صعودُهم في مراقي سُلّم النجاح.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 
 
الفشل يحصل عندما تدق أنت جرسَ الجولة الأخيرة في حَلْبةِ الصراع من أجل النجاح، فإنك إن كنتَ ناجحًا، ثم دَقَقْتَ لنفسك جرسَ الجولة الأخيرة، فقد فشلتَ في توقُّفِك عن التطور والصعود في سُلّم النجاحات الذي لا ينتهي. فكيف إذا كنتَ قد أخفقتَ، ثم دققتَ أنت لنفسك جرسَ الجولة الأخيرة؟!

تذكّر دائما أن الحياة جولات، لا تنتهي إلا بالموت، أو بأن تُنهيها أنت باليأس (والذي هو الفشل).

وإذا أردتُ أن أتلطف في التشبيه: فسأجعل محاولات النجاح: لا جولاتِ مصارعةٍ في حَلْبةٍ، وإنما سأجعلها جولاتِ سباقٍ في مضمار!!

لكن الحقيقة: أن السعي إلى النجاح صراعٌ، لكنه ليس صراعًا بين الساعِين إليه، ولكنه صراعٌ في النفس بين الأمل واليأس.

ومن روائع قصص جولات النجاح: جولات الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز، فإنه كان يطمح للإمارة، فلما نالها طمع في الخلافة، فلما نالها طمح إلى الجنة!! ولم يرض بالجولة الأولى، حتى وصل لآخر الجولات، وهي ثواب الآخرة!!

ومن روائع قصص جولات الفشل التي لم ينهها صاحبها إلا بالنجاح: أن سيبويه إمام النحو، كان مشتغلاً بالحديث وروايته، وكان يلحن في العربية، فعنّفَه أحدُ شيوخه على اللحن، فانصرف عندئذٍ إلى النحو، حتى كان إمامَ النحاة، وألّفَ لهم في النحو كتابهم الأول: كتاب (الكتاب).

ولذلك يمكن أن نقول: لا يوجد نجاحٌ بلا فشل، فمن ادّعى أنه لم يفشل قط، فهو لم ينجح قط؛ لأن الفشل عند الناجحين هو درجات سلم النجاح. فهم كلما فشلوا، حدّدوا أسبابَ ذلك الفشل، فعرفوها وتجنبوها. وهم كلما تجدّدت لهم هذه المعرفة بأسباب الفشل، تجدّد صعودُهم في مراقي سُلّم النجاح.

ويمكن أن أنظر من زاوية أخرى لذات الفكرة، فأقول: لا وجود للفشل أصلاً في قاموس الناجحين، ولا يعرفونه أبدا؛ لأن الفشل عندهم هو العجز التام، وكل حيٍّ على وجه الأرض فحياته تعني الإرادة والقدرة على النجاح؛ لأن الحياة تعني الإرادة والقدر ة حقًا. فـ (الفشل) لفظٌ لا يعرفه إلا قاموس الموتى، وليس من قاموس الأحياء في شيء.

فإذا فشل الحي، فذلك لا لكونه فاشلاً في الحقيقة، ولكن لأنه رضي بالفشل والعجز لنفسه، ومن رضي بهما لنفسه لا يكون وصفه بـ(فاشل) وصفًا دقيقًا، وإنما وصفُه الدقيق أنه راضٍ بالفشل، أو مُتماوِتٌ (يتظاهر بالموت !).

ولذلك فمن الصعب أن أجد قصة للفشل في حياتي، لا لأني لم أتعثر قط، ولا لأني حققتُ كل أمنياتي، ولا غالبها، ولكن لأني ما زلت حيًّا، وما زلتُ أملك الأمل.

فإذا أردتُ للقارئ أن يستمتع بالتلصُّصِ على بعض خصوصياتي، وأن يتلذَّذ بالتجسس على أسراري، بغرض الفضول أو بغرض الاستفادة من تجارب الغير؛ فسأذكر له قصتين لي مع الفشل: الأولى قديمة، والثانية حديثة.

أما الأولى؛ فإني أذكُـرُ بأني عندما التحقت بالجامعة، وتخرجت فيها سنة 1408هـ، كنت أحلم بوظيفة معيد في الجامعة، لا لعدم توفر وظائف التعليم العام حينها، ولكن لرغبتي في الاستمرار في دراساتي العليا (الماجستير والدكتوراه)، ولرغبتي في تدريس المواد العلمية لتخصصي العلمي، وهي مواد شديدة التخصص وعالية الدقة لا تناسب إلا المراحل الجامعية. فالتحقتُ بالماجستير، وتقدمتُ لوظيفة معيد، ولكني مكثت أكثر من سنتين أنتظر هذه الوظيفة، حتى كدتُ أشعر بفقدان الأمل، خاصة أني كنتُ متزوجًا وأبًا لطفلتين حينها. لكني أصررتُ على المطالبة بهذه الوظيفة، حتى حصلتُ عليها. وكانت حلما طالما تمنيته، فإذا به أصبح واقعًا.

وأصدقكم القول: لقد كنت في أحلك الظروف التي مرت عليّ، أعلم بأن حلمي سوف يتحقق، إذا كتب الله لي الحياة، لا بناءً على أيِّ معطياتٍ ماديةٍ واضحة، ولكن لأني كنتُ قد جعلتُه هدفَ حياتي، وخططتُ لنفسي أن أكون أستاذًا جامعيًّا قبل دخولي للجامعة، فلم يكن من المحتمل عندي أن أتنازل عن خطتي المستقبلية لحياتي، تحت أي ظرف. لأن التَّخلِّي عنها بالنسبة لي كان بمثابة انتحار، أو موت بطيء!

نعم عانيتُ في سبيل ذلك كثيرًا، لكني حققتُ حلمي حينئذ. غير أني ما حققته إلا بعد إصرارٍ ومثابرة، لم أكن أجدُ لي فيهما خيارًا، ولا لي عنهما مفرّ، لأني كنت قد صممتُ حينها على النجاح!

وحلمي الثاني والذي لم يتحقق حتى الآن:
العديد من البحوث العلمية والمؤلفات التي كتبتُ مسوداتها كاملةً، ولم يعد يحول بيني وبين إخراجها إلا التفرغ لإعدادها النهائي.

لكن اكتفائي بوصولي أنا لنتائج تلك البحوث واكتشافي لأسرارها وقطفي لثمارها، جعل عودتي إليها بالتبييض والإعداد للنشر عملاً لا أجد فيه متعةَ البحث الجديد، وما يكتنفه من لذة المغامرة واكتشاف المجهول، مما أدّى إلى تراكم هذه البحوث لديّ. فأنظر إلى بحوثي هذه معتزًّا بها، لكني أصبحت كأبٍ لأبناء يفخر بهم، ولا يعرفهم أحد. وكلما امتدّ الزمن زادت هذه البحوث.

ولم أذكر هذه القصة إلا لأني لا أحب أن أفوّتَ فرصةَ الإفادة الكاملة من قصتي مع الفشل، بأن أحكي لكم قصة حلم ما زلت أسعى لتحقيقه، وأن أكون صادقا مع نفسي ومع القارئ، ليستفيد القارئ من قصة نجاحي الأولى، ومن قصة فشلي الثانية، والتي لا أسميها بقصة فشل، بل قصة أمل!

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.

 

الشريف حاتم بن عارف العوني

المصدر: موقع مداد
  • 2
  • 0
  • 2,098

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً