القراءة عمارة العقول (3)
كلما تأصلت القراءة في سلوك وعادات الناس إلا وتغيرت رؤيتهم للعالم وتطورت مؤهلاتهم وتحسنت عقولهم وقدراتها على الإبداع والإنتاج.
كيفية تعويد النفس على القراءة، والطرق المساعدة على المداومة عليها
القراءة تفتح أمامك بابا واسعا للرقي العقلي بتوسيع مداركك وتحسين قدراتك على التخيل، وبعث الهمة العالية في نفسك، ويكفيك التعلق بالكتاب لأنه يملأ وقتك ويصرفك عن الجلوس والانهماك في أمور لا فائدة منها.
إن عادة القراءة لن تتكون لدى الإنسان إلا عندما يشعر بشيء من المتعة واللذة عندما يقرأ، وهذا لن يكون إلا حين تكون القراءة عبارة عن نوع من الاكتشاف، ونوع من تنمية العقل، وتوسيع قاعدة الفهم.
تحتاج عادة القراءة إلى جهد ووقت وصبر لكي ترسخ في السلوك، ولا بد أن يسبقه وعي حسن بقيمة ما ينبغي أن نتعب من أجله.
وإليك بعض الطرق والأفكار التي تحتاجها لتساعدك على حب القراءة وتشكيل وعي جديد حولها:
- انتقاء المادة التي تريد قراءتها بعناية، والعمل على عدم تضييع الوقت في قراءة موضوع أو كتاب مجهول القيمة، وإن أمكن أن تحصل على قائمة لأفضل الكتب وأكثرها مبيعا فافعل، أي ينبغي القيام بتحري قبلي لمعرفة ما مدى جدارة ما ستقرأه من ناحية درجة نفعيته وقيمته المعرفية التي ستحصلها من ما اخترته للقراءة.
- الحرص على إلقاء نظرة عامة مسبقة على الكتاب، وقبل قراءة أي كتاب ينبغي الاطلاع على مقدمته وفهرسه وخاتمته، ففي الغالب طول الكتاب أو الموضوع بالنسبة للمبتدئين في القراءة يجلب لهم الملل بسرعة نظرا لقلة الصبر عندهم مثلا أو غير ذلك من الأسباب.
- تجنب الأشياء التي تشتت الذهن والتركيز على القراءة، ينبغي أن لا تخلط القراءة بالاستماع إلى أصوات أخرى فإن القلب واحد ويصعب على الإنسان الجمع بين أمرين، وكذلك المحاولة جاهدا على التخلص من العادات السيئة؛ كالهمهمة بالكلمات في أثناء القراءة الصامتة مثلا، أو قراءة كل كلمة على حدة.
- تنويع القراءة في مجالات متعددة وتوسيع دائرة الاطلاع، ومن الأفضل ان تكون القراءة بلغات مختلفة بالنسبة للمتمكنين منها، فهي تعود بفوائد كثيرة على شخصية الإنسان وفكره الذي يصبح فضاءاً لتفاعل العديد من التجارب و الأفكار التي يصنع منها فكراً خاصا به، فالاقتصار على جانب واحد أو القراءة بخلفيات سابقة تؤدلجك من حيث لا تشعر، فما الفائدة من الانغلاق على زاوية فكرية أحادية؟
ينبغي ألا تكون القراءة عملا روتينيا، وإلا تحولت إلى مجرد ممارسة ميكانيكية مملة وثقيلة على النفس ستحرم صاحبها من أية فائدة وستكون مضيعة للوقت، ولهذا عليك أن تبتعد عن كل ما يحول هذه العملية إلى مجرد فرض والتزام روتيني، وأن تحرص على جعل القراءة طقسا من طقوسك الجميلة.
فبعد مرحلة تحديد ميولاتك التي تحبها ثم عزلها واختيار الكتب التي سوف تقوم بقرائتها، تأتي مرحلة التحفيز وأقصد بالضبط التحفيز الداخلي الذي ينبع من الذات نفسها بتحفيز نفسك بنفسك بتوفير ظروف ملائمة للقراءة, دون اغفال التحفيز الخارجي أيضا الذي قد يأتي من أناس محيطين بك فهذا التحفيز مهم جدا، لكن لا تؤسس وتبني عليه، لأن استمراريته غير مضمونة, أما التحفيز الداخلي الذي ينبع من إرادتك ومن ذاتك فهو معك أينما حللت وارتحلت.
سنذكر لك بعض المحفزات المتعلقة بالقراءة، والتي ستكون لك سندا ودافعا على المداومة عليها وتجنب الملل، ومنها:
- الاختيار المناسب لمكان القراءة، فالموضع الذي يختاره المرء للقراءة فيه مهم جداً كدافع للقراءة والمواظبة عليها، ففي نظري اختار المكان المناسب أهم ويسبق عزل الكتاب الذي تود قراءته؛ ولا نقصد هنا محتوى المقروء نفسه، ولكن لمن تكون الأسبقية والأولوية، فعندما يكون القارئ في مكان هادئ جيد التهوية بعيد عن الضجيج والأصوات المزعجة تكون ثمرة القراءة أجود وأفيد.
- اتخاذ الوضع الصحيح للقراءة، وذلك بتجنب الاستخدام الخاطئ للعمود الفقري والعنق وعدم التحدب أو الانحناء الحاد للأمام أثناء القراءة وأنت جالس على الكرسي، فاتخاذ الوضع الصحيح للقراءة عامل رئيسي في ضمان القراءة الفعالة.
- الاختيار الأمثل لأوقات القراءة، بحيث ينبغي أن يكون مزاج القراءة حاضرا، ففي غياب المزاج لا يكون التركيز جيد رغم وجود حب القراءة لدى القارئ وكذلك الشأن بالنسبة لوقت الراحة أو عند سماع الأخبار أو مشاهدة التلفاز فإن انشغال السمع أو النظر يشتت التركيز، فالوقت الأمثل والأنسب لكثير من القراءة يكون في الصباح لصفاء الذهن و وخلو البال وتبات التفكير وتركيزه.
- أخذ قسط من الراحة عند الشعور بالتعب أو الملل، وذلك بتغير المكان مثلا، فإن لم تحس بالراحة فيه سواء تعلق الأمر بالإضاءة أو درجة الحرارة غير مناسبة.
- استخدام القلم أو أقلام التلوين أثناء القراءة، لتسهيل العودة إلى الجزء المراد فهمه بعمق أو الرجوع إليه لغاية أخرى، فتختصر الوقت وتوفر الجهد على نفسك.
- الاعتماد على إيقاع وسرعة مناسبة في القراءة، بحيث لا تكون العبرة بكثرة الصفحات التي تقرأها بقدر ما تكون درجة فهمك واستيعابك أهم، فالسرعة المفرطة في القراءة لا تعطي نتيجة جيدة كالقراءة المتأنية.
نحن نعرف أن ترسيخ عادة القراءة وغرسها في الإنسان لا تتم بالإكراه وفرضها على الأفراد، فالمبادئ والقيم لا تشرب عن طريق النصح والتوضيح، ولكن عن طريق المعايشة والاحتكاك، فبالتحفيز والممارسة الحكيمة نستطيع أن نجعلها جزءا من سلوكاتنا وينجذب إليها ويحبها العديد منا، وبالتوجيه التطبيقي والتفكير بطريقة استراتيجية عملية يتم حسن ترسيخ قيمة القراءة مما يضمن لنا نتائج تثلج الصدر.
فكلما تأصلت القراءة في سلوك وعادات الناس إلا وتغيرت رؤيتهم للعالم وتطورت مؤهلاتهم وتحسنت عقولهم وقدراتها على الإبداع والإنتاج.
أمين أمكاح
كاتب و باحث إسلامي: كاتب مهتم بالشأن التربوي، وبالمواضيع ذات الصلة بكل ما يتعلق بتطوير الذات والبنية الفكرية. باحث في القيم والتواصل؛ متخصص في دراسة سلوك المراهق.
- التصنيف:
- المصدر: