ضبط الفهم في قولهم: من شابه أباه فما ظلم!!

منذ 2015-12-15

في كثير من السياقات قد يستدل أحدهم بجملة من إرث المأثورات: فربما وُفق وأصاب، وربما قصده قد خاب، كقولهم: "من شابه أباه فما ظلم"؛ يقصد أنه كالحتم فشديد تعصبه أمر جبلّي؛ فليس لأحدنا أن يعترض عليه، أو يتجرأ فيضرب على يديه!

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على من اصطفى ثم أما بعد:

في كثير من السياقات قد يستدل أحدهم بجملة من إرث المأثورات: فربما وُفق وأصاب، وربما قصده قد خاب.

حضرني هذا المعنى حين استدل أحدهم على شديد تعصبه معنا بقوله: "من شابه أباه فما ظلم"؛ يقصد أنه كالحتم فشديد تعصبه أمر جبلّي؛ فليس لأحدنا أن يعترض عليه، أو يتجرأ فيضرب على يديه!

هذه المقولة هي شطر بيت من قصيدة يُمدح فيها عدي بن حاتم الطائي ذاك الصحابي السامق على جوده وكرمه ومشابته لأبيه في ذلك، فهي في الأصل ليست حجة حتى يُستَدل بها دونما ضير، فقد استدل بها الشاعر في المشابهة في الفضل والخير، لا في السوء والظلم والشر كذا بدا، لأن ذلك سيء أبدًا.

بِأَبِيهِ اقْتَدَى عَدِيٌّ في الكَرَمْ *** وَمَنْ يُشابِهُ أَبَاهُ فَما ظَلَمْ

والإنصاف أنه قول حق أُريد به باطل؛ فاحتاج الأمر إلى رد فيه فاصل.

فما كان متوارثًا من جبلة في حسن الخُلق يُمدح صاحبه بهذا القول دون معارضة.

ومثاله: «إنَّ فيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُما اللهُ الحِلْمُ والأناةُ» قال: "يا رسولَ اللهِ! أنا أَتَخَلَّقُ بهما أَمِ اللهُ جَبَلَنِي عليهما؟" قال: «بَلِ اللهُ جبلكَ عليهما» قال: "الحمدُ للهِ الذي جَبَلَنِي على خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهما اللهُ ورسولُه" (الألباني، صحيح أبي داود، الرقم: [5225]).

وما كان متوارثًا من ذميم  خليقة أو سوء طبع فليس له في هذا القول مساندة.

ومثاله: «شرُّ ما في رجِلٍ شحٌّ هالعٌ وجبنٌ خالعٌ» (الإمام أحمد، مسند أحمد، الصفحة أو الرقم: 15/164 وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح).

ومثال آخر: «ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعةِ، إنَّما الشَّديدُ الَّذي يملِكُ نفسَهُ عندَ الغضبِ» ( البخاري، صحيح البخاري، برقم:[6114]).

في شرح الحديث: أنَّ مِن أعظمِ الأدلَّةِ على قوَّةِ الشخصيَّةِ: الحِلمَ، وضَبْطَ النَّفسِ عند الغضبِ.

وفيه: أنَّ الغضَبَ وإن كان غريزةً نفسيَّةً جبَّارةً، فإنَّه يمكِنُ مقاومتُه بعد وقوعِه.

وقد أحسن أحدهم التعليق بقوله الصائب الدقيق: المقولة صحيحة في الخلْقِ الطِّيني، ولا كذلك في الخُلُق الدِّيني.

أم هانئ

  • 10
  • 7
  • 193,229

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً